Serhed

6 ردود [اخر رد]
صورة  ramiosman's
User offline. Last seen 12 سنة 6 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 06/11/2008

كان ســــرحد لحناً جميلاً
حسين كايتان
ت. فيندار تولهلدير
في تلك الفترة التي بدأنا فيها بالترحال تنامت فيما بيننا وشائج رائعة, قد تقولون هذا شيء جيد, و لكننا أضعنا سرحد في تلك الأيام, أضعناه بين الجبال و الوديان وما ظهر على وجه الأرض بعدها. عشرات, ربما مئات من الأشخاص رقدوا تحت التراب أمام أعيننا ولم ينفصموا عن الأرض عن الجبال و الوديان. بالنسبة لهؤلاء جميعاً لم تكن كلمة «الموت» مناسبة؛ فلطالما تمنوا «التوحد بالتراب» و هذا ما كان حين بقوا واستقروا في قلب التراب أثناء مرورهم بكردستان.
نحن الآن في قلب وادٍ جنوب غربي جبال زاﮔروس, حيثما كان الميديون و البارتيون ينحدرون لصيد النمور. في شتاء عام 1998 مع تباشير 1999 في مركز تشكل عاصفة هوجاء، بين نفس المرتفعات و الصخور التي شهدت عاصفة 15 آب, الثلوج تنهمر على رؤوسنا, هواء مهيب يتقلب ما بيت العويل والصياح, سرحد أيضا كان هناك بين صخور و أشجار هذا المكان, كنا نغني سويةً و نجول ببصرنا بعيداً عبر الضباب و الغمام في تلك الأيام الهانئة, نمد النظر في انتظار الليل.
كان سرحد ينظر غرباً إلى الزُهرة فوق مرتفعات شكيف و يقول بسعادة «ها هي نجمتي» متظاهراً أنه لا يسمع قولي «إنها ليست لك فقط، إنها نجمة الجميع» مشرعاً جميع أبواب روحه لنجمته حتى تتوه الزُهرة في أعماق الليل و يبرد الليل مرتداً إلى وجهه القديم, عندها يشرع سرحد بغناء أغان قديمة مثل: » آه يا وردتي أعلم أن لا فائدة ترجى منك-Ez zanim feyda te li min nîne wa gûlê « و يتابع من أغنية لأخرى, و كلي ثقة أن كلماته كانت تتناثر فوق التراب. من كتاباتي أحبَ سرحد تلك المتعلقة بالتراب: « ترابك! كان بالنسبة إلي أحياناً وطناً غير مكتشف و أحياناً قبراً, مع كل دورة موت لطفولتي…»
سأروي لكم الآن قصته الأخيرة: مع قدوم شهور الربيع بدأنا بالمسيرة و ما كان لنا من مستقر كانت مسيرة أحلَّت الحدود و مسيرة دخول وطن, كان سرحد مهتاجاً في البداية ربما هي مشاعر الحب و الإعجاب التي تنتابه و لا تسعفه الكلمات في التعبير عنها. والآن نجتاز الجبل ما بين وان و أورمية و منها إلى أراضي أورمية و جوله مرﮔ , استمرت مسيرتنا لعدة شهور و في كل مكان بلغناه غنى سرحد لمجموعات اﻟﮕريلا.
كان سرحد لحناً جميلاً, تتفتح أعماق صوته في أغانيه عن الجبال.
و مع بداية شهر تموز بلغنا منتجعات فَراشين, تقع فراشين جنوب مثلث باشكاله-اتال- شمدينان, أعلى قمة بين قرى فراشين و كاتو ﮊيركان هي قمة جبل سرهسن (القمة الحديدية) التي يوجد في أعلى نقطة فيها عامود حديدي أما باقي قممه فهي كالأهرامات المصرية, فإذا خرجتم من منتجعات فراشين من جهة الشرق فسيحتضنكم جبل سرهسن ذو القمم الحادة و العالية بعد ثلاث ساعات من المسير, و لبلوغ كاتو ﮊيركان يتوجب عليكم عبور جبل نسمو الذي توجد على سفحه بحيرة يستوطنها البط البري, لقد تعلقت مجموعات اﻟﮕريلا إلى حد بعيد بهذه البحيرة, شاهدنا صورة لاجتماع عقد على شاطئها (قائد المجموعة واقفٌ على الشاطىء مديراً ظهره إلى قمة نسمو و اﻟﮕريلا قبالة هذه البحيرة الفريدة يصغون للكلمات المقدسة).
كان ينبغي على سرحد و علينا المرور من فراشين إلى كاتو ﮊيركان في 11 تموز وبرفقتنا المصور خليل داغ و دليلنا و المسؤول عن أمننا الرفيق صادق. في أعالي جبل سرهسن في واد صغير ضيق يدعى وكر الدب تناول سرحد طعامه الأخير (حساء الحلزونات) إعداد الطعام آنذاك كان من مسؤوليتي قمت و سرحد بتنظيفها و سلقها, أما دليلنا صادق فقد قال أنه لن يأكل هذه «الأشياء الصغيرة كالشياطين» و لا حتى مقلية أيضاً. قبالتنا على بعد بضعة أمتار شاهدنا لأول مرة مستعمرة من العصافير، فوق مرتفع أرضي آمن بنت مئات من العصافير أعشاشاً متلاصقة و متراكمة من الطين و العشب اليابس, شاهدت بعيني كيف كان سرحد يمضي الساعات الطوال في مراقبة هذه العصافير التي ما كانت لتتضايق من مراقبة اﻟﮕريلا لها.
ما إن بدأت ظلال العصر بالانحدار من غرب المرتفعات حتى بدأنا بالتحرك من مستعمرة العصافير و بلغنا قمة سرهسن مع حلول المساء... و سرحد كعادته يصغي لأغنية فيلم التيتانك من مسجلته.
من هنا بدأت مخاوفي فالثلوج التي لم تذب بعد توحي لي أنه ما زال يتوجب علينا المضي قدماً نحو الأعالي. اقترح خليل و صادق أن نقضي الليل بالقرب من البحيرة و أن نقوم في اليوم التالي بالتقاط بعض الصور للبحيرة, أما أنا فكان رأيي أن نمر على جبل نسمو أثناء العودة و أن نتابع بلا توقف
إلى كاتو ﮊيركان أو إلى ماسيرو إلى الجنوب منها. وصلت حدة النقاش بيني و بين خليل إلى درجة الصدام و رغم أنني أوضحت لسرحد مراراً ضرورة المتابعة إلا أنني فوجئت حين أعرب عن رغبته بالبقاء أيضاً, أسقط في يدي, و توقفنا على بعد ساعتين غرباً من قمة سرهسن.
في تلك الليلة خرجت القوات التركية و حماة القرى (القورجي) بعملية تمشيط و ما كان لنا علم بذلك, في الصباح الباكر من الثاني عشر من تموز حوالي الساعة الرابعة خرج الرفيق صادق في جولة استكشافية نحو الأعالي. في هذه الأثناء أيقظت سرحد من النوم, «لقد شاهدت أربعة أحلام مثيرة للانتباه» قالها سرحد و تابع قائلاً: «في الحلم الأول أتت أمي إلى هذا المكان و تبادلنا الأحاديث» تحدث عن أحلامه الأخرى أيضا و لكنني لا أتذكرها الآن. حوالي الرابعة و الثلث عاد صادق راكضاً و أخبرنا أن العساكر الأتراك يتجهون صوبنا وهم يقتربون منا من كتف الجرف, رمينا أنفسنا بسرعة على الحقائب و نظرنا إلى سيل صغير أسفل المكان الذي كنا فيه. كنت أجري في المقدمة و خليل خلفي, بعد دقيقتين نظرنا خلفنا فلم نرى سرحد فعاد الرفيق صادق إلى الخلف و توقفنا للانتظار عندها شاهدنا سرحد وهو ينحدر بخطوات ثقيلة من أعلى الوادي نحو الأسفل حاملاً حقيبته على ظهره و سلاحه على كتفه و طنبوره في حقيبته الجلدية المشبوكة على ظهره وعلامات الذهول بادية عليه.
واصلنا النزول حوالي الخمس دقائق لنواجه مجموعة أخرى من الجنود على يميننا تنحدر من قمة مامي موس, نحن الآن في بداية نهر ماسيرو و حتى بلغنا هذا المكان عاد صادق أدراجه ثلاث مرات ليساعد سرحد على اللحاق بنا, وعلى الجهة اليمنى من منحدر مامي موس. اتجهنا عكس جريان السيل كنا نتجه عكس اتجاه القوات العسكرية التي كانت تريد دفعنا باتجاه أسفل وادي ماسيرو الذي سدته بالكامل, استغرق منا الأمر عشرين دقيقة حتى نستوعب صعوبة المهمة الملقاة على عاتقنا فتخلصنا من غالبية حقائبنا ومعداتنا الثقيلة بإخفائها بين الأعشاب, وحده خليل احتفظ بحقيبته المحتوية على تلفاز صغير.
حوالي الساعة 4:30 شاهدنا مجموعتين من العسكر ينحدرون صوبنا و في حوالي الساعة 4:35 تمكنوا من تحديد موقعنا فاتخذوا مواقعهم في الخنادق و خلف الحواجز و بدؤوا يمطروننا بنيرانهم. في البداية كانت هناك مسافة بيننا حوالي 50 متراً وللوصول إلى منحدرات مامي موس ينبغي علينا أولاً اجتياز أرض منبسطة ( العسكر على بعد 50 متراً يمطروننا بنيران بمختلف أنواع الأسلحة و ينبغي علينا اجتياز أرض منبسطة, هذا ما كان عليه حالنا) وهي الطريقة الوحيدة لكي نتمكن من اتخاذ مواقع تمكننا من المواجهة.
«لا تتوقفوا» قالها الرفيق صادق المسؤول عن أمننا. وفقأً لآخر تداع لذكرياتي نظرت إلى سرحد للمرة الأخيرة كل أشكال الذهول و الوجوم كانت بادية على وجهه, بالإضافة إلى ذلك كان هادئاً أكثر من اللازم مقابل الهيجان المعتمل في صدورنا... عندما عبرتُ تلك الأرض المكشوفة ركضتُ مثل حبات الذرة المتفجرة على المقلاة إذ ما من مكان لحماية أنفسنا (غير تلك الصخرة التي نختبئ خلفها) حتى حصاة صغيرة و آلاف الطلقات تئز حولنا مقتلعةً أعشاب الربيع (ما زلت إلى الآن أفكر بما كان يتوجب علي فعله آنذاك) بعدها عبر كل من خليل و صادق الأرض المكشوفة و لكن سرحد لم يظهر أبداً استدرت و نظرت من مكمني إلى خليل و صادق بدوا على ما يرام ولكن سرحد لم يظهر لا بد أنه بقي هناك ولم يجتز الأرض المكشوفة, في تلك الأثناء و تحت وابل الرصاص المنهمر كالمطر انحصر تفكيرنا بما يتوجب علينا فعله حتى نخلص أنفسنا و لم يخطر ببالنا أي خاطر آخر.
لحسن حظنا أن العسكر و القورجي كانوا جبناء و لم يكونوا رابطي الجأش مثلنا, فخلال ساعة ونصف تحت نيران ألوف الأسلحة بلا مكمن أو مخبأ تمكنا من الوصول إلى المرتفعات الشرقية لمامي موس أما العسكر و القورجي الذين توجب عليهم سد المنفذ الشرقي فكانوا لا يزالون يقتربون رويداً رويداً أسفل المكان الذي عبرنا منه, لقد فزنا بسباق ذلك اليوم بفارق مئة متر.
تلك الساعة و النصف مرت علينا كأنها عمر كامل بينما نحن ماضون نحو أعالي مامي موس, توقفنا في بداية وادي آلان بين فرق القورجي والعسكر تركنا قنابلنا وأسلحتنا في وضع الجاهزية و بقينا ساكنين بلا حراك, واعتقدنا جميعاً أن سرحد قد سقط شهيدأً على حافة ذلك السيل قرب بحيرة نسمو (سقط شهيد عشقه لبحيرة نسمو), أما العسكر و القورجي الذين شاهدونا و علموا إلى أين توجهنا وأننا أصبحنا الآن بينهم فقد تريثوا ولم يهاجمونا حتى المساء, أما نحن فقد انتظرنا اقترابهم منا حتى تكون ضربتنا الأخيرة موجعة ……
ثم علمنا فيما بعد و فقاً للمعلومات التي حصلنا عليها من القورجي أن سرحد وقع سليماً في الأسر في ذلك اليوم (الثاني عشر من تموز عام 1999) الساعة 11:00 و أن الذي أسره شاب من عشيرة ﮊيركان, بعدها قيده العسكر و أخذوه معهم إلى ﭽوله مرﮔ و في عملية التمشيط التالية أحضروه معهم إلى جبل أرابان قرب منتجعات الفراشين على بعد خمس عشرة ساعة من المكان الذي أسروه فيه و أمطروا جسده بالرصاص. بعد بضعة شهور عثر أفراد اﻟﮕريلا على جثته و قد أوثقت يداه من الخلف. ربما تمكنوا من أسر سرحد لكنه لم يستسلم لهم أبداً و لم يحصلوا منه على شيء وبالتأكيد هذا هو سبب إعدامهم له.
هي ذي قصته الأخيرة, لكن مسيرته مستمرة.

..............................................................

و لد الشهيد الفنان سليمان ألب دوغان (سـرحد) في منطقة قاراكوسة التابعة لآﮔﺭي عام 1970 و انتقل إلى أزمير ليلتحق بالمعهد العالي للموسيقى (كونسرفتوار) و ليتخرج منه عام 1988 حائزاً على المرتبة الثانية من بين زملائه الـ 1800. استقر سرحد بعدها في أزمير و تزوج فيها و من ثم انضم هو و زوجته إلى صفوف اﻟﮕريلا و نتقل بعدها إلى أوروبا كعضو في «Koma Berxwedan » فذاع صيته بين أكراد المهجر و عموم كردستان ثم عاد إلى الوطن و تجول في جميع مدن الجنوب و معسكرات اﻟﮕريلا لما يزيد عن الثلاث سنوات ليسقط أخيراً في يد الجيش التركي …
برع سـرحد بالعزف على البزق و تميز فنه بالحداثة و أجاد الغناء بالكردية بجميع لهجاتها (الكرمانجية, السورانية, الزازاكية ) و امتاز صوته بالصفاء و العمق الروحي و روعة الأداء, توفي ســرحد باكراً و لم يخلف لنا سوى ألبوماً واحداً (هَولير-Hewlêr ) ليلتحق بقافلة شهداء الفن التي سبقه إليها رفيقاه في «Koma Berxwedan » الشهيدة مز ﮔين و الشهيد صفقان.

من يترك نفسه اسير الماضي يفقد المستقبل

User offline. Last seen 13 سنة 7 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 07/04/2007

ramiosman,

كلماتي تعجز عن شكرك صديقي

الشهيد سرحد رمز من رموز ثورتنا

سيبقى حيا في قلوبتا باغانيه وصوته العذب

User offline. Last seen 13 سنة 38 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 29/11/2006

ومن لا يقف بقدسية أمامه ...

.
أشكرك عزيزي رامي ..لكن هناك قسم لدينا ... هو قسم الشخصيات أظنه أنسب لمواضيعك
مجددا شكرا عزيزي

............................................jinda

صورة  Derya1988's
User offline. Last seen 11 سنة 39 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 24/07/2009

يعجز لساني عن شكرك صديقي
هل تعرف ما احييت من ذكريات قديمة وجميلة من ذاكرتي بعد ان تراكم عليه غبار الزمن
انا اعشق هذا الفنان واعشق روحه الطاهرة واعشق صوته
سباس كلك سباس
رحمة الله عليه واسكنه فسيح جناته
شهيد نامريه

لكي تحافظ على أحترامك لنفسك من الأفضل أن تزعج الناس بفعل ما تعرف أنه الصواب على أن ترضيهم بفعل ما تعرف أنه الخطأ.....

صورة  ramiosman's
User offline. Last seen 12 سنة 6 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 06/11/2008

شكرا الك كتير لمرورك الكريم صديقي دل برين :wink:

من يترك نفسه اسير الماضي يفقد المستقبل

صورة  ramiosman's
User offline. Last seen 12 سنة 6 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 06/11/2008

شكرا الك كتير على مرورك صديقة جيندا وانا اسف ما انتبهت لهال القسم انشالله المواضيع الجاي راح انزلى بمكانة :wink:

من يترك نفسه اسير الماضي يفقد المستقبل

صورة  ramiosman's
User offline. Last seen 12 سنة 6 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 06/11/2008

هلا صديقة Derya وشكرا الك كتير على مشاركتك الحلوي :wink:

من يترك نفسه اسير الماضي يفقد المستقبل