ادريس البرزاني

3 ردود [اخر رد]
User offline. Last seen 13 سنة 39 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 12/05/2007


"في ذكرى رحيل مُهندس المصالحة الوطنية الكوردستانية الفقيد إدريس البارزاني ...

في حياة الأمم وعبر تأريخها الطويل تبرز الكثير من المحطات التي تستحق الدراسة والتحقيق والتمحيص لاستخلاص الدروس التي تجود بها والاستزادة من الأفكار و المعالجات التي رسمت الخطوط العريضة لتلك المحطات والمواقف ، ومما لا ريب فيه فأن لتلك المحطات والمواقف رجال انبروا لأداء ادوار مميزة تركت صور زاهية لا تبارح خيال الناس مهما طال بها الأمر وانصرمت عليها الدهور . ولا تحيد أمة الكورد عن سائر الناس، فمثلما لا نستطيع أن ننسى المهاتما غاندي حالما تطرقنا الى أسم الهند ؛ فأننا لا نستطيع أن ننسى الشيخ محمود الحفيد والبارزاني الخالد والعديد من الرجال، الذين نذروا أنفسهم في سبيل إعلاء شأن أمتهم الكوردية و أفنوا أعمارهم وضحوا بكل ما يملكون وتحملوا من الصعاب ما لم تتحمله الصّم الصياخيد، وتفجروا بركاناً في وجه الطغيان والظلم والجور واستطاعوا أن يحفروا لأمتهم أسماً ترنوا إليه عيون الناس في سفر الإنسانية عبر تأريخها المليء بالمُلمات . وحقّ علينا نحن أبناء الجيل الحالي ومن باب الوفاء ورد شيء من الجميل والعرفان به أن نستذكر هؤلاء الرجال الذين لولا تضحياتهم الغالية لما بقيّ ذكر لأمتنا بين الأمم . إدريس مصطفى البارزاني علم من أولئك الأعلام الذين جاد بهم رحم الأمة الكوردية، رحل عنا قبل عقدين من الزمان وبالتحديد في الحادي والثلاثين من كانون الثاني1987، في ظروف حالكة كابد فيها الكورد أشد المصائب والبلايا مهدت لقيام النظام البعثي الفاشي بعمليات الإبادة الجماعية، بما سميت بعمليات الأنفال سيئة الصيت التي قلما تعرض لها شعب عبر تاريخ الطُغاة والظلمة . فمن هو إدريس البارزاني ؟؟ في عرين الأسود ، منطقة بارزان ، وفي عام 1944، ولد إدريس سليل الأسرة البارزانية، رأس الرمح في تحمل مسؤولية قيادة مسيرة الشعب الكوردي في تاريخه المُعاصر، في وسط ظروف قاسية وفي خضم الآلام التي كانت الجماهير تعانيها وسط أنواع الظلم والقهر والحرمان على يد النظم المُتجبرة التي تعاقبت على حكم العراق، ضد شعب لم يرد أكثر من حقه في الحياة الكريمة والتعامل معه كإنسان؛ فترعرع في ذلك الوسط الذي صنع منهُ سيفاً بتاراً وقائداً مغواراً يهابه الأعداء ويعتز به أبناء جلدته وأصدقائه ومُحبيه، وتتلمذ على يد الأب الروحي للأمة الكوردية الخالد مصطفى البارزاني، ونهل من أفكاره ، واستزاد بصبره وبصيرته ، وورث عنه الشجاعة والإقدام والذكاء والألمعية وحب الناس والتواضع والصبر والجلد ...

في أولى سني عمره انشغل عنه والده الذي أبى أن يرى بصيص النور الذي كان من الممكن أن ينير ظلمة حياة الكورد في انبثاق جمهورية كوردستان في مهاباد على يد الشهيد القاضي محمد، فترك المال والعيال وشد الرحال مُضحياً بنفسه لخدمة الجمهورية الفتية، فحُرم إدريس من حنان الأبوة وسط قساوة الظروف، وتشاء الأقدار أن تنطفئ شعلة الجمهورية الكوردية الأولى بعد تكالب الأعداء عليها من كل جانب، ولكن شعلة النضال والمقاومة لم تنطفئ في قلب وروح البارزاني الخالد فيقارع صروف الدهر ويقود مسيرة كوكبة من المُناضلين الذين أبوا الاستسلام، فقطعوا طريقا طويلاً مليئاً بالعقبات والأشواك وخاضوا الأهوال حتى عبروا الحدود فوصلوا أراضي الاتحاد السوفييتي السابق فلبث في منفاه الاختياري احدى عشرة سنة.
في 14 تموز عام 1958، حدثت في العراق ثورة ، قلعت الحكم الملكي وتعهدت بإصلاح أخطاء الماضي ورفع الظلامات ونشر العدالة والمساواة، فعاد البارزاني الخالد وأعلن نفسهُ جندياً مُدافعاً عن المبادئ التي جاءت بها ثورة تموز، ولكنه سرعان ما واجه أوضاعاً سياسية مُتأزمة وبرز اضطهاد جديد، تمثل في تراجع القائمين على الحكم عن الشعارات التي رفعوها أول مرة، وبدلاً من تعويض الكورد عن حقهم من ظلم و تعميق روحية الشراكة في الوطن والانفتاح على الكورد وتحقيق الأهداف التي طالما ناضلوا من أجل تحقيقها، قامت السلطة بإلقاء القبض على العديد من القيادات الكوردية وأعضاء و مناضلي ومؤيد الحزب الديمقراطي الكوردستاني وزجهم في المُعتقلات والسجون، الأمر الذي أدى الى اندلاع ثورة أيلول العظيمة عام 1961 .
فأبى القائد الشاب إدريس البارزاني أن يسكت على الضيم ليترك مقاعد الدراسة و يتحمل المسؤوليات الجسام، وقاد كبيشمركة العديد من الوقائع التي تكللت بالنصر المؤزر في جبهات عديدة كانت من أبرزها ملحمة "هندرين" عام 1966، التي ألحقت الهزيمة بكبار ضباط وعسكريي الجيش من دعاة الحرب للقضاء على جذوة النضال الكوردي، هذا فضلاً عن قيامه بأعباء إدارة شؤون مكتب الرئيس مصطفى البارزاني بمعية أخيه السيد مسعود البارزاني .
لم يكن الفقيد إدريس البارزاني نجماً لامعاً في ساحات الحروب وقائداً فذاً ذكياً في الميدان فقط فقد بانت صفاته القيادية في ميدان السياسة ومناوراتها، واستطاع أن يوظف كل ما تعلمه من أبيه الخالد مصطفى البارزاني في مفاوضات وفد الثورة مع الحكومة المركزية غداة اتفاقية آذار عام 1970، فساهم وبفعالية كبرى في تثبيت العديد من الفقرات و البنود التي نصت عليها تلك الاتفاقية التي توجت في 11 آذار 1970، كما وأنهُ حاول جهد إمكانه وبنشاط شهد له الجميع في رأب الصدع الذي حصل بين الحركة التحررية الكوردية والحكومة المركزية على خلفية تطبيق بنود الاتفاقية، لتجنيب كل الأطراف ويلات ومآسي تكرار تجارب الحروب المريرة نتيجة تعامل الحكومة المركزية غير المقبول مع مطالب جماهير كوردستان، ومحاولات الالتفاف على ما تم الاتفاق عليه لكسب المزيد من الوقت للملمة القوات والقيام بعمل عدواني جديد، فسافر قبيل اندلاع القتال عام 1974 الى بغداد في محاولة أخيرة لنزع فتيل الأزمة، ولكن النظام كان قد أصر على شروطه المُجحفة ولم يركن الى ما هو خير الجميع . وكما تكالب الأعداء على جمهورية كوردستان فقد تكالبوا مرة أخرى على الثورة الكوردية الكبرى، وتلاقحت المصالح الدولية الخسيسة لتنتج اتفاقية آذار 1975 المشؤومة التي أجهزت على الثورة الكوردية وتسببت في نكستها المؤقتة .
بعيد النكسة ؛ وعندما أصبح الفقيد إدريس البارزاني عضواً للمكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني عام 1976، انبرى لإعادة اللحمة ورأب الصدع الذي أصاب التنظيمات الحزبية ومفاصل الثورة، فكانت له مواقف مشهودة في تشكيل القيادة المؤقتة واستئناف المقاومة المُسلحة، ولكن ونتيجة لما أصاب الجسد الكوردي من انقسامات وصلت الى حافة السقوط في هاوية الاحتراب الداخلي الذي لم يستفد منه سوى الأعداء الطامعين، فقد سارع الفقيد إدريس البارزاني الى بذل أقصى الجهود لرأب الصدع الحاصل، ووظف كافة مهاراته السياسية والتفاوضية لإعادة ترتيب البيت الكوردي واستطاع التقريب بين كافة وجهات النظر المُختلفة والأمواج المُتلاطمة من الاتجاهات والأفكار التي برزت على سطح الميدان النضالي الكوردستاني، مما أسهم في إفشال كافة مُخططات الأعداء في النيل من وحدة الشعب الكوردي، فكان بحق مُهندس المصالحة الوطنية التي مهدت لانبثاق الجبهة الكوردستانية عام 1986، تلك الجبهة التي أثبتت جدارتها في تفجير الانتفاضة الربيعية في كوردستان عام 1991 وما تلاها من تكوين أولى المؤسسات الديمقراطية وإنشاء الإقليم الكوردستاني الذي استطاع أن يدير شؤونه بنفسه لأول مرة .
رغم سني عمره القصير فقد استطاع الفقيد إدريس البارزاني من أن يترك بصمات واضحة في حياة الشعب الكوردستاني، فقد كان يشرف على قوات البيشمركة بتوجيه من البارزاني الأب حتى آخر ساعات عمره، وكان يتصرف مع رفاقه في السلاح ليس فقط كقائد وإنما كأخ يتفاعل مع إخوانه، يشاركهم في أفراحهم وأتراحهم وكان بابه مفتوحاً على مصراعيه ليل نهار ويلبي مطالبهم حسب ما كان متوفراً له من محدود الإمكانية، كان يشاور من حوله ويحترم آرائهم و يشجعهم على أبداء ملاحظتهم واقتراحاتهم بكل حرية، وكان نقياً نزيهاً مُتواضعاً جداً مع الناس لا يحب المظاهر ولا يعرف الكلل ولا الملل، لذلك اشتهر بين مُعاصريه بلقب( الرجل الذي لا يعرف الكلل )، وكان يُناصر حقوق الناس عامة وحقوق المرأة بشكل خاص و يقدرهن ويحترمهُن ويُنسب اليهن استمرارية روح المقاومة.
رحل عنا في وقت مُبكر جداً إذ وافته المنية مساء يوم 31 / 1 / 1987 بمقره في ناحية ( سليفانا )في مدينة أرومية في كوردستان إيران، فقدت الحركة التحررية الكوردستانية برحيله قائداً فذاً، نذر نفسهُ مُنذ صباه في سبيل نصرة الحق الكوردي المهضوم الذي آمن به ومات من أجله،
فألف تحية الى روح الفقيد إدريس البارزاني والبارزاني الخالد وكافة شهداء الكورد وكوردستان .
[B]

User offline. Last seen 14 سنة 32 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 28/07/2007

لك الف شكر اخي باهوز على هذه النبذة عن شخصية رائعة ادريس البرزاني

عاش كرد وكل زعماء الكرد

وعاش الامة الاسلامية

User offline. Last seen 4 سنة 50 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 08/10/2007

شكرا لك الاخ باهوز وعلى كل جهودك بالكتابة عن هذه الشخصية المميزة

فهو من عائلة مناضلة ومخلصة للوطن ولكل الاكراد

شكرا مرة ثانية
تحياتي

User offline. Last seen 13 سنة 39 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 12/05/2007

شكرا على مروركما