والت ويتمان(1819-1892)

4 ردود [اخر رد]
User offline. Last seen 10 سنة 9 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 27/03/2006

ترجمة فاروق محمد يوسف

الأرض والبحر، الحيوانات والأسماك والطيور، السماء وأجرامها، الغابات والجبال والأنهار. هذه كلّها ليست مواضيع قليلة الشأن... ولكن الناس يتوقعون من الشاعر أن يكشف أكثر جمالاً ووقاراً مما هو مقرون دائماً بالأشياء الحقيقية الصمّاء... إنّهم ينتظرون منه أن يكشف الطريق بين الواقع وبين النفس. الرجال والنساء مدركون للجمال خير إدراك... إدراكاً ربّما لا يقلّ عن إدراكه هو له. الصيّادون بجَلَدهم المندفع، الساكنون في الغابات، المستيقظون في الصباح الباكر، الزارعون للحدائق والبساتين والحقول، والحب الذي يكنّه النسوة الأصحّاء لأجساد الرجال، والراكبون البحار، الممتطون لصهوات خيولهم، الولع بالنور والهواء الطلق كل تلك الأمور دلائل قديمة متنوعة لإدراك الإنسان الذي لا ينضب للجمال ولتوطن الروح الشاعريّة في نفوس أولئك الذين يؤثرون الحياة في الهواء الطلق ولا يمكن قط أن يساعدهم الشعراء على الإدراك... يحاول البعض ولكنّهم لا يفلحون. الخصال الشاعريّة لا يمكن أن تعبأ في نظم مقفّى أو متجانس أو في مناجاة مجردة للأشياء، ولا تكمن في الشكاوي الحزينة أو في أغوار النفس. فائدة القافية أنّها نبذر بذور قافية أعذب وأوفر، وفائدة التجانس أنّه ينقل نفسه في جذوره المتغلغلة في الأرض غير المنظورة. إنّ صياغة القصائد الكاملة ووحدتها تبين قوانين العَروض بنموها الطبيعي وتطلع منها كما يطلع البرعم، دون زوغان أو تسيّب، كما تظهر أزهار الليلاك أو الورد على النبتة، وتتخذ أشكالاً متكاملة كأشكال الكستناء أو البرتقال أو البطيخ أو العرموط، وتنثر عطرها الخفي الذي لا نراه في الشكل. إنّ الطلاقة والزخرفة اللتين تتميزان بهما أبدع القصائد أو الموسيقى أو الخطب أو التلاوات غير مستقلتين وأنّهما خاضعتان. آيات الجمال كلّها تصدر عن جمال في الدم وجمال في الدماغ. إنّْ توافقت مواطن العظمة في رجل أو امرأة، هذا يكفي... هذه الحقيقة ستسود الكون... ولكن التنميق والتزويق لن يسودا الكون لو بقيا ملايين السنين. مَن يشغل نفسه بالزينة والسلاسة فهو ضائع. هذا ما ينبغي أن تفعله: أَحِبّ الأرض والشمس والحيوان، احْتقِر الغنى، امْنَح الصدقة لكلّ من يسألها، ساعد الغبي والأحمق، كرّس دخَلَك وتعبك إلى الآخرين، ازدرد الطغاة، لا تجادل في اللّه، كن صبوراً متسامحاً أمام الناس، لا تخلع قبعتك أمام شيء أو رجل أو عدد من الرجال، كن منطلقاً مع غير المثقفين الأشدّاء ومع الصغار والأمهات، اقرأ هذه الصفحات في الهواء الطلق في كلّ فصل من كلّ سنة من سني حياتك، أعد النظر في كلّ ما تعلمته في المدرسة أو الكنيسة أو أي كتاب، ابعد كلّ ما يهين روحك فسيكون جسدك نفسه قصيدة عظيمة، وسيكون له أغنى طلاقة ليس فقط بكلماته، وإنما بخطواته الصامتة أيضاً ووجهه وبين أهداب عينيك وفي كلّ حركة ومفصل من جسدك... على الشاعر أن لا ينفق وقته في عمل لا لزوم له. عليه أن يعلم أن الأرض دائماً محروثة مسمّدة له... قد لا يعلم ذلك الآخرون، أمّا هو، فعليه أن يعلم. عليه أن يزّج بنفسه في عملية الخلق مباشرةً. وثقته ستتفوّق على ثقة كلّ ما يلمسه... وتستحوذ على كلّ صلة.
البساطة فن الفنون، وجلال التعبير، والنور المضي للأدب. ليس أفضل من البساطة... ولا شيء يمكن أن يعوّض عن التطرّف والمغالاة أو عن الافتقار إلى التحديد.
أنْ تنساق لقوّة الدوافع وأن تنفذ إلى أغوار الذهن وتعطي كلّ موضوع تعبيرَه الواضح تلك قابليات ليست عادية وليست غير عادية جداً. ولكن أنْ تتكلّم، عن طريق الأدب بالصحة واللامبالاة كحركة الحيوان، وبالمشاعر التي لا يمكن اتهامها كمشاعر الأشجار في الغاب أو العشب على قارعة الطريق ذلك هو النصر الأكبر في الفن.
إذا التقيت بإنسان قد حقق هذا، فقد التقيت بأحد أسياد جميع الشعوب والأزمان.
والرضى الذي يصيبك حين تتأمل هذا الإنسان لا يقلّ عن الرضى الذي ينتابك وأنت تتأمل طيران النورس على الخليج أو حصاناً أصيلاً في حركته المتوقدة أو منظر الشمس في رحلتها عبر السماء أو منظر القمر فيما بعد.
أعظم الشعراء ليس له أسلوب متميّز، وإنّما هو مجرى للأفكار، لا أكثر ولا أقل، وهو مجرى لمكوّناته هو. إنّه يُقْسِمُ لفنّه: أنا لن أكون متطفلاً، ولن أضع في كتاباتي أي أناقة أو أثر أو أصالة تتعلّق كالستار بيني وبين الآخرين. أنا لن أدع شيئاً يتعلّق في طريقي، حتّى لو كان ذلك أثمن الستائر. الشيء الذي أقوله هو هو بالضبط. سأدع لمن يريد أن يمجّد أو يدهش أو يسحر أو يواسي أن يفعل ذلك، أمّا أنا فستكون غاياتي كالغايات الكامنة في الصحة أو الحرارة أو الجليد وسأكون مثلها غير آبه بالملاحظة. الشيء الذي أمرّ بتجربته أو أصوّره سيخرج من تركيبي دون أن يأخذ جزءاً منه. ستقف أنت إلى جانبي لتنظر معي في المرآة.
المحك المباشر لمن يريد أن يكون شاعراً أعظم هو الحاضر. فإن لم يغمر نفسه بالزمن المباشر كما لو كان ذلك موجاً بحرياً هائلاً... وإن لم يجتذب وطنه إلى نفسه، قلباً وقالباً، ويتعلّق بجيده بحب لا يدانيه حب ويغمس عضلاته بمحاسنه ومساوئه... وإن لم يكن هو نفسه الزمن متجسداً... وإن لم يتفتح أمامه الأزل الذي يكسب التشابه لجميع الفقرات والأمكنة والعمليات والأشكال الحية والجامدة، والتي هي قيد الزمن، وينهض من غموضها ولا محدوديتها المستعصيين على الإدراك في الشكل الحاضر المتغيّر، وتمسّكه مرامي الحياة المرنة، فيجعل الفترة الحاضرة مما كان إلى ما سيكون، ويكرّس نفسه لتصوير هذه الموجة التي أمدها ساعة، وهذا الابن من أبناء الموجة الوسماء الستين دعه إذن ينضم إلى مجموع الناس وينتظر تطوره... بقي المحك الأخير للقصائد وللأخلاق والأعمال. الشاعر المتكهن هو الذي يمتد نفسه إلى المستقبل ويحكم على العمل ومنجز العمل بعد تغيّر الزمن. هل يعيش العمل خلال القصائد؟ أما زال قائماً دون كلل؟ هل سيكون نفس الأسلوب واتجاه العبقري نحو نقاط شبيهة مرضياً الآن؟ ألم يجمّده اكتشاف علمي جديد إلى الوصول إلى صعيد فكري وحكمي وسلوكي أعلى حتّى صار موضع ازدراء؟ هل انحرفت ذات اليمين وذات الشمال العشرات والمئات الألوف من السنين في مسيرها لأجله؟ هل بقي موضع حب بعد تواري التراب زمناً طويلاً جداً؟ هل يفكّر فيه الشاب مراراً؟ والمرأة الشابة، هل تفكّر فيه مراراً؟ وهل يفكّر فيه متوسطو العمر والكهول؟
القصيدة العظيمة تظل شائعة في كل العصور في كل الدرجات ولكل الألوان البشرات والأقسام والطوائف وللمرأة بقدر ما للرجل وللرجل بقدر ما للمرأة.
القصيدة العظيمة ليست نهاية للرجل والمرأة وإنّما هي بداية على نحو ما.
هل تخيّل أحد بأنّه يستطيع أن يجلس أخيراً ويخضع لسلطان ما ويستريح راضياً بالشروح، ويدرك، ويحس بالقناعة والإشباع؟
الشاعر العظيم لن يوصل إلى مثل هذه الحالة... إنّه لا يجلب التوقّف أو ستراً للسمنة أو اليسر. إنّ لمسة منه تدفع إلى العمل. أنْ اقتاد أحداً، فقد اقتاده بقبضة ثابتة أكيدة إلى أصقاع حيّة لم يصل إليها قليلاً... وليس ثمّة راحة بعد هذا.
أنّهم يرون الفضاء وذلك البريق الذي لا يزول والذي يحوّل البقاع القديمة والأنوار القديمة إلى فراغات ميتة.
ومن يرافق ذلك الشاعر يرى مولد وسير النجوم ويتعلّم أحد المعاني.
هنا سيكون إنسان انتظم من بين الصخب والفوضى... الأكبر يعلم الأصغر ويدلّه على الوسيلة... وكلاهما سينطلقان دون خوف حتّى يجد العالم الجديد لنفسه مداراً وينظر نظرة غير وجلة إلى مدارات النجوم الأصغر ويكتسح تلك الحلقات المستمرة ولن يستقر ثانية؟

User offline. Last seen 14 سنة 2 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 28/11/2006

عام 1855 وبعد محاولات عدة فاشلة، تمكن الشاعر الأميركي والت ويتمان من العثور على مطبعة صغيرة في بروكلين، وافق صاحبها على طباعة مجلد شعري صغير له، في خمس وتسعين صفحة، ويضم إثنتي عشرة قصيدة تحت عنوان "أوراق العشب". هذه المجموعة لم تحظَ آنذاك بسوى قليل من التعليق والنقد، معظمه سلبي إلى حد التسفيه والتقذيع، لكنها أضحت في ما بعد إنجيل أميركا الجديد وصاحبها نبي الأخوة والديمقراطية. انصرف ويتمان طوال حياته، عوض تأليف كتب جديدة، إلى مواصلة العمل على تلك المجموعة وتطويرها مضيفاً إليها الجديد من القصائد ومنقحاً القديم منها، لتتوالى طبعاتها على مدى سبعة وثلاثين عاماً في تسعة إصدارات مختلفة، آخرها كان عام 1892 أي عام وفاة الشاعر، ولتتجاوز صفحاتها الأربعمئة.

إلى مومس من عامة الناس..
............

في ما وراء الحدود، عند دفة سفينة،
ربّان يافع يتولى القيادة بحذر.
نفيرٌ عبر الضباب يعلو الشاطئ، يصدح بشجن؛
نفيرٌ بحري، نفيرُ إنذارٍ تهدهده الأمواج.
أنتَ يا من يجيد التحذير بحق،
أنتَ يا نفيراً عند صخور البحر
يصدح ويصدح ويصدح
ليُخطر السفينة بموقع حطامها.
ولأنكَ يقظٌ أيها الربّان،
تستجيبُ نداءَ النفير.
مقدّم السفينة ينعطف،
والسفينة المرتاعة مغيرةً اتجاهها،
تسرع بعيداً تحت أشرعتها الرمادية.
السفينة البهية والمهيبة، بكل ثرواتها النفيسة،
تسرع بعيداً بحبور وآمان.
لكن يا أيتها السفينة؛ السفينة الخالدة،
يا سفينة خارج حدود السفينة،
يا سفينة الجسد ويا سفينة الروح
الراحلة
الراحلة
الراحلة.

سباس آراس

User offline. Last seen 7 سنة 49 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 05/12/2005

في عام 1855, كتب رالف والدو ايميرسن إلى ويتمان بعد قراءة مجموعته الشعرية "أوراق العشب" (لست أعمى عن قيمة هدية "أوراق العشب", وأعتقد أنها المقطوعة الشعرية المدهشة للذكاء والحكمة في تاريخ أمريكا.....أرحب بك في بداية مهنة عظيمة والتي لا بد إنها مبنية على أساس سليم ومتين لبداية كهذه)

ولد ويتمان في عام 1819 بقرية ذات طابع ريفي بـ لونغ إيلند في نيويورك, لم يلق التعليم النظامي سوى خمس أو ست سنوات, لكنه كان قارئاً نهماً لروايات القرن التاسع عشر وشعراء الإبداعية في إنكلترا وكلاسيكيات الإدب الإنكليزي بالإضافة إلى العهد الجديد للكتاب المقدس. حيث وصف مدرسوه بــ "الشاب الحالم والغير عملي".

إنساق ويتمان في سلسلة من الوظائف حيث عمل كصبي في مكتب, ثم رساماً,ثم معلماً في المدارس الريفية وكانت لديه موهبة فطرية في مجال الصحافة حيث عمل كمحررلجريدة لونغ أيلند الإسبوعية فيما بعد.

وقد أدى إبتعاده عن النظم الشعرية واستخدامه للشعر المتحرر من القافية والشكل, وأسلوب التعويذ والمفاخرة ولغته العامية والغريبة والتحرر الجنسي الزائد في قصائده إلى تعرضه لنقدٍ لاذع من قبل أدباء القرن التاسع عشر حيث أطلقوا على اعماله اسم " الشعر البربري" ونصحوا بعدم قراءته حتى انهم اطلقو على "أوراق العشب" اسم "الأعشاب الضارة"

وبعد ذلك عمل ويتمان ولفترة كبيرة على تنقيح قصائده. إذ ان الطبعات التسع لمجموعته " أوراق العنب" والتي ضمت أكثر من أربع مئة قصيدة لم يكن لهل مثيل من قبل في الأدب الامريكي, حيث كانت مزيجاً للأماكن الشعبية ذات التجربة السطحية والعواطف المتشعبة وإلهامٍ شعريٍ أصيل.كان لدى ويتمان رؤية واسعة كالمحيط. رغبة ملحة لتضمين كل التجربة الامريكية في حياته وشعره.
لقد كان شاعراً جديداً بشكل جوهري, حيث بدع قوافيه الخاصة, وخلق عالمه الأسطوري الخاص.
في سنوات حياته الأخيرة, قدّس تابعيه اسمه كـ " الشاعر الفضي النبيل". حيث أصبح شخصية وطنية في تاريخ أمريكا.

والقصيدة الآتية تلخص معظم آراءه:

ONE’S SELF I SING

One’s -Self I sing, a simple separate person,
Yet utter the word Democratic, the Word En-Masse.

Of physiology from top to toe i sing,
Not physiognomy alone nor brain is worthy for the Muse, I
say the form complete is worthier far,
The Femal equally with the Male I sing.

Of Life immens in passion, pulse, and power,
Cheerful, for freest action form’d under the laws divine,
The Modern Man I sing. :wink:

لم أقم بترجمة القصيدة إلى العربية لأنها تفقد لذتها بذلك.

القصيدة ماخوذة من مجموعته(Inscriptions).

كل الشكر آراس على عرض هذا الشاعر الأمريكي العظيم في قسم الشخصيات.

Bilind :lol:

User offline. Last seen 14 سنة 14 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 19/02/2007

شكرا اراس ,بيتي,بلند على هذه المعلومات عن الشاعر الامريكي الكبير والت ويتمان

User offline. Last seen 7 سنة 49 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 05/12/2005

لكل من يرغب بالأطلاع على مجموعة والت ويتمان الشعرية "أوراق العشب"

يمكنكم تحميلها من كوليلك