الله نور السموات والأرض

لا يوجد ردود
صورة  نون's
User offline. Last seen 11 سنة 23 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 17/04/2008


الله نور السموات والأرض

خاطرة من خواطر العلامة الشيخ محمد الغزالي، والتي أذيعت منذ سنوات طويلة على شاشة التلفزيون الجزائري، وتعيد "مدارك" نشرها خلال شهر رمضان الكريم.

وتدور معالم تلك الخاطرة حول آية من القرآن الكريم تحوي معاني حسنة، وكلمات فيها بعض الخفاء يحتاج عرضها إلى شيء من التوضيح والتدقيق.

إنها الآية 35 من سورة النور، آية النور، حيث يقول الله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.

الغزالي ركز على محاولة فهم ماهية هذا النور، أهو نور مثل النور المادي الناتج عن الشمس مثلا ونور كل كوكب له وهجه وله أشعته، أم أنه نور من نوع آخر، وهل هو نور الإيمان الذي يغلف قلب المؤمن فيمشي به بين الناس، أم أنه هو النور الذي ينتشر في الكون وعلى كل شيء في ملكوت الله.

ويؤكد الغزالي أن الآية تحتمل المعنيين، إضافة إلى معان أخرى لأنوار تنسب أيضًا إلى الله، مثل نور العلم، ونور الحق، ونور الهدى، وكلها أنوار تستمد توهجها واستمراريتها من الله عز وجل، الذي يقذف بهذا النور في قلب عبده المؤمن، فيمشي به بين الناس مستهديًا بنور الحق والفطنة والفراسة، بينما يتخبط غيره في ظلمات الجهل وغياهب الباطل، وهو المعنى الذي تجسده الآية الكريمة: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا}.

وركز الغزالي في تفسيره لآية سورة النور على دقة التشبيه والمثل الذي يضربه الله لنوره، حيث شبه الله هذا النور بنور "المشكاة"، والمشكاة هي، في اللغة، طاقة أو تجويف في الجدار، فيه مصباح، وفي تلك الحالة يكون نور هذا المصباح شديدًا لأنه يسطع من مساحة ضيقة وهي "المشكاة"، ومن هنا، يريد الله أن يضرب مثالا يكون فيه النور واضحا جدا وهو ما يتوافر في حالة المشكاة وفيها المصباح الدري.

وفي محاولة منه لتفسير كيفية شمول نور الله وهيمنته على جميع أرجاء الكون، يقول الغزالي: كنت واقفا يوما بجوار نافذة منزلي، فوجدت على النافذة حشرة دون الذبابة ولها أجنحة شفافة تلمع في أشعة الشمس، فتعجبت في نفسي وقلت إن الذي خلق هذه الحشرة ووهب إليها الحياة، تكفل بالإشراف عليها ورزقها، إضافة إلى ملايين من جنسها، وفي الوقت نفسه يشرف في الكون الذي نكتشف منه كل يوم شيئًا جديدًا، فهو كون متسع باستمرار، ورغم إشرافه على ذلك الكون ذي الأبعاد الرهيبة؛ فإنه لا ينسى تلك الحشرة الصغيرة هي وباقي جنسها.

ويتابع: الله عز وجل لا يشغله شيء عن شيء، ولا يلفته تدبير هذا عن ذاك، ومن هنا ينبع تصوري لفهم قوله تعالى: "الله نور السموات والأرض".

ويؤكد الغزالي أن نور الله يستطيع أي إنسان به قدر من عقل وتدبر استشعاره، إذا ما نظر بعمق إلى أرجاء الكون الفسيح وتدبر آيات الله فيه، وهو ما أمر به الله في مواضع كثيرة من كتابه، ولكن ماذا يفيد النظر إذا كان الإنسان مطموسا لا ينظر، كما قال الله عز وجل: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ}.

ويخلص الغزالي من فهمه للآية إلى أن الأدلة على وجود الله كثيرة ومتشعبة ومنتشرة، مثلها مثل انتشار أشعة المصباح داخل المشكاة وتشعبها داخل جنبات المكان الذي يقع فيه ذلك المصباح.

عن موقع اسلام اون لاين

ن والقلم وما يسطرون