في نهج البردة
ريمٌ على القـــاع بين البـان والعلــــم --------------------- أحل سفك دمي في الأشهـــر الحُــرُم
رمى القضــــاء بعيني جــؤذر أســداً ------------------------ يا ســـاكن القاع ، أدرك سـاكن الأجم
لمـــا رنــــــا حدثتني النفــــس قائلــة -------------- يا ويح جنبك ، بالسهم المصيب رُمِي
جحدتها ، وكتمت السهــم في كبـــدي -------------- جُرحُ الأحبـــة عندي غيـــرُ ذي ألــم
رزقت أسمح ما في النـاس من خُلــق ---------- إذا رُزقت التمــاس العذر في الشيـــم
يا لائمي في هــواه - والهـــوى قدر----------------- لو شفك الوجــــد لم تعـــذل ولم تلـــم
لقـد أنلتــك أذنــاً غيــــر واعيــــــــةٍ--------------------- ورُب منتصــــتٍ والقلبُ في صمــــم
يا ناعس الطرف ، لاذقت الهوى أبداً -------------------أسهرت مضناك في حفظ الهوى، فنم
أفديك إلفــــاً ، ولا آلو الخيــــال فدًى --------------------أغراك بالبخــل من أغـــراه بالكـــرم
سرى فصادف جُــرحاً دامياً ، فأســـا --------------------ورُبَّ فضــــــلٍ على العشاق للحلـــم
من الموائـسُ بانــاُ بالرُّبــى وقنــــــاً --------------اللعباتُ برُوحي ، السافحــات دمي ؟
السافراتُ كأمثــال البــــدور ضُحى-----------------يُغرن شمس الضحى بالحلي والعصم
القاتلاتُ بأجفـــــانٍ بهـــــا سقـــــــمٌ ------------------وللمنيــــــة أسبــــابٌ مـــن السقــــــم
العاثـراتُ بألبــــاب الرجـــال ، ومــا---------------أُقلـن من عثـــرات الـدَّل في الرســـم
المضرماتُ خدوداً، أسفرت ، وجلت ----------------عن فتنــةٍ ، تُسلـــم الأكبـــاد للضــرم
الحاملات لـــواء الحســـن مختلفــــاً -------------أشكالــه ، وهو فـــرد غيـــر منقســـم
من كل بيضـــاء أو سمـــراء زُينتــا ----------------للعين ، والحُسنُ في الآرام كالعُصُــم
يُرعن للبصر السامي ، ومن عجـــب---------------إذا أَشَرن أســـرن الليــــــث بالعنـــم
ما كنــتُ أعلـــم حتى عـــن مسكنُـــه ----------------أن المُنى والمنايــا مضـــربُ الخيـــم
من أنبت الغصـــن من صَمامة ذكــر؟ ------------وأخرج الريــم من ضرغامـــة قـــرم
وضعت خدّي ، وقسمت الفــؤاد ربي ------------------------يرتعـــن في كُنُـــس منـــه وفي أكـــم
يا بنت ذي اللبــــد المحمـــي جانبـُــه------------------- ألقاك في الغاب ، أم ألقاك في الأطُم؟
بيني وبينك من سمـر القنـــا حُجُـــب -----------------ومثلهـــا عفــــة عُذريــــةُ العصـــــم
لم أغش مغناك إلا في غصـون كِرَّى--------------مغناك أبعــــــدُ للمشتــــاق مـــن إرم
يا نفسُ ، دنياك تُخفـــي كــل مبكيـــةٍ -------------------وإن بــــــدا لك منهـــا حُسنُ مُبتســـم
فُضِّي بتقواكِ فاهـــاً كلمــا ضحكـــت ----------------كما يُفــضُّ أذى الرقشـــــاءِ بالثَّــــرم
مخطوبةٌ - منذ كان الناسُ - خاطبـــةٌ -----------------من أول الدهر لم تُرمـــل ، ولم تئـــم
يفنى الزمــــانُ ، ويبقى من إساءتهــا -------------جـــرحٌ بـــآدم يبكــي منــــه في الأدم
لا تحفلـــي بجنـــاها ، أو جنـــايتهـــا------------ المــوتُ بالزَّهر مثلُ المــوت بالفَحَــم
كم نائــــمٍ لا يـــراها وهي ساهــــرةٌ--------------لـولا الأمـــانيُّ والأحــــــلامُ لم ينـــم
طــــوراً تمــدك في نُعمى وعافيــــــةٍ --------------وتارةً في قـــرار البـــؤس والوصـــم
كم ضلَّلتكَ ، ومن تُحجـب بصيرتــــه -----------إن يلق صاباً يرد ، أو علقمـــاً يسُـــم
يا ويلتــــاهُ لنفسي ! راعَــــها ودَهــــا -----------مُسودَّةُ الصُّحـــفِ في مُبيضَّـــةِ اللّمم
ركضتها في مريع المعصياتِ ، ومــا -----------أخذتُ من حميـــة الطاعـــات للتخــم
هامــــت على أثــــر اللذات تطلبهـــا -----------والنفـــس إن يدعها داعي الصبـا تهم
صلاح أمــــرك للأخــلاق مرجعــــه--------فقــــوِّم النفـــس بالأخـــلاق تستقــــم
والنفسُ من خيـرها في خير عافيـةٍ -----------------والنفـــسُ من شـرها في مرتعٍ وَخِـــم
تطغى إذا مُكِّنَت من لذَّةٍ وهــــــوىً ---------------طَغىَ الجيـــادِ إذا عضَّـت على الشُّكُم
إن جَلَّ ذنبي عن الغفران لي أمــلٌ ------------في الله يجعلني في خيـــــر مُعتصـــم
أُلقي رجائي إذا عزَّ المُجيـــرُ على ---------------عِزَّ الشفاعـــةِ ؛ لم أســــأل سوى أَمـَم
لزمتُ باب أمير الأنبيـــاءِ ، ومـــن ----------------باب الله يغتنــــميُمســـــــك بمفتـــاح
فكلُّ فضلٍ ، وإحســانٍ ، وعارفــــةٍ ---------------مـــا بيـــــــن مستلــــم منه ومُلتــــزم
علقتُ من مدحه حبـــلاً أعــزُّ بـــــه --------------في يـــوم لا عز بالأنساب واللُّحَــــــمِ
يُزري قريضي زُهيراً حين أمدحُــه----------ولا يقـــاسُ إلى جـــودي لدى هَــــرِم
محمـــدٌ صفــوةُ الباري ، ورحمتـــه-----------وبغيــــــةُ الله من خلـــقٍ ومن نَسَــــم
وصاحبُ الحوض يوم الرُّسلُ سائلةٌ----------متى الورود ؟ وجبريــلُ الأمين ظمى
سنـــــاؤه وسنـــاهُ الشمــسُ طالعـــةَ ----------فالجِرمُ في فلكٍ ، والضوءُ في عَلَم
قد أخطـــأ النجـــمَ ما نالـــت أُبوتُـــه -------من سـؤددٍ بــــاذخ في مظهــرٍ سَنِم
نُمُوا إليه ، فزادوا في الورى شرفــاً --------ورُبَّ أصلٍ لفرع في الفخـارِ نُمى
حواه في سُبُحــــات الطُّهـــر قبلهــم ----------نوران قاما مقام الصُّلـب والرَّحــم
لمــــا رآه بَحيـــرا قــــال : نعرفُـــه ---------بمـــا حفظنا من الأسمــاء والسَِّيـم
سائل حِراءَ، روحَ القدس: هل عَلما----------مصــونَ سِرَّ عن الإدراك مُنكَتِم ؟
كم جيئةٍ وذهــــاب شُرِّفـــت بهمـــا -----------بطحــاءُ مكة في الإصباح والغَسَم
ووحشـــةٍ لابــن عبـــد الله بينهمـــا --------أشهى من الأُنس بالحباب والحشَم
يُسامر الوحي فيهــــا قبل مهبطـــــه ------ومن يبــشِّ بسيمى الخيـر يتَّسِـــم
لما دعا الصَّحبُ يستسقون من ظمأٍ --------فاضت يداه من التسنيـــم بالسَّنِـــم
وظللَّـتــه ، فصــارت تستظــلُّ بــه ------غمامـــــةٌ جذبتها خيــــرةُ الديَـــــم
محبــــةٌ لرســـــول الله أُشــــربَهـــا -------قعائــــدُ الدَّيرِ ، والرهبانُ في القمم
إن الشمائـل إن رقَّـــت يكـــاد بهـــا -------يُغــرى الجمادُ ، ويُغرى كل ذي نسم
ونـــودي : اقـــرأ تعالى الله قائلهـــا -------لم تتصل قبـــــل من قيلت له بفـــــم
هنــاك أذَّنَ للرحمــــن ، فامتــــلأت --------أسمـــاعُ مكـــة من قدسيــــة النَّغـــــم
فلا تسل عن قريش كيف حيرتُها ؟--------- وكيـــف نُفرتها في السهــل والعلـم ؟
تساءلـــوا عن عظيـــم قد ألمَّ بهــــم -------رمَى المشايــــــخ والولــدان باللَّمــــم
يا جاهليــــن على الهادي ودعوتـــه-------هل تجهلون مكان الصــادق العلــــم
لقبتمــوهُ أميـــن القــــوم في صغـــرٍ -----------وما الأميــــن على قـــــولٍ بمتَّهـــــم
فــاق البـــدور ، وفـاق الأنبياء . فكم -------بالخُلق والخَلق من حسنٍ ومن عظـم
جـاء النبيــون بالآيات ، فانصرمـت ---------وجئتنــــا بحكيـــــم غير منصــــــرم
آياتــــه كلمـــا طــال المدى جُــــــدُدٌ --------يزينُهنَّ جــــــلالُ العــتــق والقـــــدم
يكـــاد في لفظــــــــة منـــه مشرَّفــةٍ ---------يوصيك بالحق ، والتقوى ، وبالرحـم
يا أفصـــح الناطقيـــن الضاد قاطبـةً ---------حديثك الشهدُ عنــــــد الذائقِ الفهِـــــم
حلَّيت من عَطَــــلٍ جيـــد البيـــان به--------- في كـــلِّ مُنتـثــــــر في حســــن مُنتظـــم
بكــــل قــــول كريـــمٍ أنــــت قائلُـــه--------تُحيـــي القلـــوب ، وتحيي ميـت الهمــــم
ســـرت بشائـــر بالهـــادي ومولـــده --------في الشرق والغرب مسرى النورفي الظلم
تخطفت مهج الطـاغين من عـــــربٍ --------وطيرت أنفُــــسَ الباغيــــن من عجــــــم
ريعت لها شُرَفُ الإيران، فانصدعت -----------من صدمـــة الحق ، لا من صــدمة القُــدم
أتيت والنــاس فوضى لا تمـــرُّ بهــم ---------إلا على صنــــم ، قـــد هـام في صنــــم
والأرض مملوءةٌ جوراً ، مُسخـرةٌ ---------لكل طاغيــــةٍ في الخلـــــق مُحتكِـــم
مُسيطــــرُ الفرس يبغي في رعيَّته ---------وقيصرُ الروم مــن كِبـــرٍ أصمُّ عَـــمِ
يُعذِّبـــــان عبــــــاد الله في شُبــــهٍ --------ويذبحـــــان كما ضحَّيـــــتَ بالغنــــم
والخلقُ يفتـــــك أقواهم بأضعفهــم ---------كالليث بالبهــم ، أو كالحوت بالبلــــم
أسرى بك الله ليـــــلاً ، إذ ملائكُـه ---------والرُّسلُ في المسجد الأقصىعلى قدم
لما خطرت به التفُّــــــوا بسيدهـــم--------كالشُّهـب بالبدر ، أو كالجند بالعلـــــم
خططت للديـــن والدنيـــا علومهمــا ---------يا قارئ اللوح ، بل يا لا مس القلــــم-
أحطت بينهما بالسر ، وانكشفــــــت ---------لك الخزائنُ من علـــم ، ومن حكــــم
وضاعف القُرب ما قـُـلِّدت من منــن ---------بلا عـدادٍ ، وما طـــُوِّقــتَ من نعــــم
سل عصبة الشرك حول الغار سائمةً ----------لولا مطــــاردةُ المختـــــار لم تُســــم
هل أبصروا الأثر الوضَّاءَ،أم سمعوا ------------همسَ التسابيح والقـــرآن من أَمَـــم ؟
وهل تمثّل نسجُ العنكبـــــوت لهـــــم---------كالغاب، والحائماتُ الزُّغبُ كالرخم؟
صلى وراءك منهــم كل ذي خطـرٍ---------- ومن يفُــــز بحبيـــــــب الله يأتمــــــم
جُبت السماوات أو ما فوقهــــن بهم -------على منـــــوّرةٍ دُرِّيـــــــــةٍ اللُّجُـــــــم
ركوبة لك من عـــــزٍّ ومن شـرفٍ --------لا في الجياد ، ولا في الأينُق الرسُــم
مشئةُ الخالق البــــاري ، وصنعتـه-------- وقدرةُ الله فــــوق الشــــك والتُّـهَـــــم
حتى بلغـــت سمـــاءً لا يطــارُ لها -------على جنــــاحٍ ، ولا يُسعى على قـَــدم
وقيل : كــــلُّ نبــــيٍّ عنـــــد رتبتـه--------ويــا محمدٌ ، هذا العــــرشُ فاستلــــم
فأدبروا ، ووجــوهُ الأرض تلعنُهــــم --------كباطلٍ من جــــلالِ الحـــق منهــــزم
لولا يــــدُ الله بالجاريــــن ما سلمـــــا-------- وعينُــــه حول ركن الدين ؛ لم يقــــم
تواريـــا بجنــــــاح الله ، واستتـــــرا--------- ومن يضُــــمُّ جنـــــاحُ الله لا يُضَــــم
يا أحمد الخيـــر ، لي جاهٌ بتسميتـــي --------وكيف لا يتسامى بالرســــول سمِى ؟
المادحون وأربــــــابُ الهوى تبـــــعٌ --------لصاحب البُردة الفيحـــاء ذي القــــدم
مديحهُ فيك حـب خالـصٌ وهـــــوًى----------وصادقُ الحبِّ يُملي صـــادق الكلـــم
الله يشهــــــدُ أنــــي لا أعــارضُـــــه --------من ذا يعارضُ صوب العارض العرم؟
وإنما أنا بعــض الغابطيـــن ، ومـــن --------يغبـِــط وليِّـــك لا يُذمَــــــم ، ولا يُلـَـــم
هذا مقـــــامٌ من الرحمــــن مقتـبـــسٌ --------ترمــــي مهابتــــه سبحــــــان بالبكــــم
البدرُ دونك في حســنٍ وفي شــــرفٍ ------والبحـــرُ دونـــك في خيرٍ وفي كــــرم
شُمُّ الجبال إذا طاولتـــها انخفضــــت -----والأنجُمـــُ الزُّهرُ ما واسمتــــها تســـم
والليثُ دونـــــك بأساً عنـــد وثبتـــــه---------إذا مشيـــت إلى شاكي الســلاح كمـــى
تهفـــــو إليك - وإن أدميتَ حبَّتَهـــا ------في الحربِ - أفئدةُ الأبطـــال والبُهَــم-
محبـــــةُ الله ألقـهــــا ، وهيـبـتــُـــه ----------على ابن آمنـــةٍ في كـــــلِّ مصطـَـدَم
كأن وجهك تحت النـََّقع بـدرُ دُجًــى -------يضـــــئُ ملتثمــــاً ، أو غيــرَ مُلتثـــم
بــــدرٌ تطلَّـــع في بـــــدرٍ فغُـرَّتـُــه ------كغُـــرِّة النصر ، تجلو داجي الظلــــم
ذُكرت باليُتـــــم في القرآن تكرمــةً --------وقيمـــةُ اللؤلؤ المكنــون في اليُتــــــم
الله قسّـم بين النــــــاس رزقهُــــــمُ --------وأنت خُيِّـــرتَ في الأرزاق والقِســـم
"
إن قلتَ في لأمــر:لا،أوقلت فيه: نعـم ---------فخيـرةُ الله في " لا " منك أو " نعم
أخوك عيسى دعــا بيتاً ، فقــــام لـــه---------وأنت أحييـــت أجيــــالاً من الرّمــــم
والجهل مـوتٌ ، فإن أوتيت مُعجــزةً -------فابعث من الجهل،أوفابعث من الرَّجم
قالوا: غزوت، ورســلُ الله مابُعثـــوا --------لقتل نفــس، ولا جــــاءوا لسفـــك دم
جهلٌ ، وتضليــلُ أحلامٍ ، وسفسطـةٌ------- فتحت بالسيـــف بعد الفتــــح بالقلــــم
لما أتى لك عفواً كــــــل ذي حســبٍ--------تكفَّل السيـــــفُ بالجهــــالِ والعَمَــــم
والشرُّ إن تلقــــهُ بالخيــرضقــــت به -----ذرعـــاً ، وإن تلقـــهُ بالشرِّ ينحسِـــم---
سل المسيحيــّة الغراء : كم شربــــت ------بالصّاب من شهـوات الظالــم الغَلِـــم---
طريدةُ الشرك ، يؤذيهـا ، ويوسعُهـــا ------في كل حينٍ قتـــالاً ساطـــع الحَــــدم---
لولا حُمـــاةٌ لها هبُّـــــوا لنصرتهـــــا -----بالسيف ؛ ما انتفعت بالرفق والرُّحَــم---
لولا مكـــانٌ لعيسى عنــــد مرسِلِـــــه -------وحرمةٌ وجبــــت للروح في القِـــــدَم-
لسُمِّرَ البدنُ الطُّهــرُ الشريــــفُ على--------لوحين ، لم يخش مؤذيـه ، ولم يَجِـــم
جلَّ المسيـحُ ، وذاق الصلبَ شائنهُ ------إن العقاب بقــدر الذنــــب والجُــــرُم
أخــو النبـي ، وروح الله في نُــزُل ----فوق السماء ودون العـــرش مُحتــرم
علَّمتهـــــــم كـل شئٍ يجهلــون بـه ----حتى القتـــال وما فيـــــه من الذِّمَــــم
دعوتهــــم لجهـــــادٍ فيه ســـؤددُهُم -----والحربُ أُسُّ نظام الكـــون والأمــــم
لولاه لـــم نــر للدولات في زمــــن ----ما طال من عمــد ، أو قر من دُهُــــم
تلك الشواهــــد تتــرى كــــل آونـةٍ -----في الأعصرالغُرِّ،لا في لأعصُرالدُّهُم
الله عليك يا ايبو مجهود رائع