ظاهرة تفريخ الأحزاب الكردية وأسبابها ..؟
" افتح مقهى في الصباح , تجد من يشغل كراسيها في المساء , وعلى المنوال نفسه , أعلن عن حزبك اليوم وستجد من يتولى القيادة وتجييش الحضور ومن سيصفق ويزغرد ويمجد النهج الذي تنتمي إليه في مقاعد أو جمع عام ما دامت القضية قضية استثمار وليس مشروع نضالي وحضاري وتاريخي " .
بات أمراً طبيعيا ً أن تستيقظ كل يوم على قراءة بيان من حزب جديد بالشعارات والتقاليد الحزبية نفسها التي انتهجتها وحملت لواءها بقية الأحزاب الكردية التي نشأت وتفرخت في سوريا منذ عام 1957 , حتى بلغت حسب بعض الاحصائيات إلى أكثر من ستين تنظيماً بعضها حديثة التأسيس وأخرى تفرخت من أحزاب أخرى حتى اصبحنا نرى الاسم الواحد يطلق على عدة أحزاب ضمن تيار فكري وتنظيمي واحد مما يطرح علينا عدة تساؤلات حول سبب تأسيسها وما تحمله من برامج وأهداف ومدى تقيدها بتلك الأهداف ..
في عموم أجزاء كوردستان الأربعة ظهر قطبان كرديان هما الحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق , وحزب العمال الكردستاني في تركيا , حاولا بسط سيطرتهما واتساع نفوذهما ورقعتهما الجغرافية والسكانية على الشعب الكردي عامة وبالتالي فرض نهجهما الفكري والتنظيمي على الأحزاب الكردية الناشئة أو المتفرعة منهما من خلال امتلاكهما لمصادر القوة المادية والعسكرية وقدرتهما على اثبات الوجود الإقليمي والدولي , وزاد من بروزهما كقطبين رئيسيين اختلافهما في أمرين اثنين هما :
أولا – الاختلاف الفكري والتنظيمي بينهما والذين اديا إلى اختلاف وسائل العمل النضالي والتنافس على التوسع في عموم كردستان .
ثانياً -الخلاف السياسي الناشئ عن اصطفافهما إلى جانب تيارات وتحالفات دولية كل حلف منها على عداء مع أحد الحزبين .
وقد برز هذا التنافس على أشده في كردستان سوريا تزامناً مع الثورة السورية ورغبة كل منهما في لعب الدور الأكبر وامتلاك الشارع الكردي وتمثيله أمام الراي العام السوري والدولي , ويمكننا أن نلمس عدة فرضيات نحدد بها سبب هذه الكثرة الهائلة من الأحزاب الكردية في سوريا بشكل خاص وهي :
الفرضية الأولى – اتخاذ بعض مؤسسي الأحزاب شكل الوصاية على الحزب على أنهم الأحق بالاستمرارية في قيادته دون منح فرصة للكوادر الأخرى , وهو خلل داخلي في الأحزاب نتيجة الاستبداد بالرأي .
الفرضية الثانية – عدم وجود ضوابط لتأسيس الأحزاب ورغبة التيارات الموجودة والمتمثلة حالياً بالإدارة الذاتية والمجلس الوطني الكردي بزيادة أعداد الأحزاب المنضوية فيها لذا منحت العضوية للعديد منها دون النظر في برامجها وشعبيتها .
الفرضية الثالثة – التنافس بين الأحزاب الكبيرة والتي عملت على تفتيت بعضها بدعم الانشقاقات في صفوفها إلى أن تفرخت عدة أحزاب من رحم حزب , أعضاء كل منها من القيادة والقواعد لا يتعدون أصابع اليد , فهي عملية مدبرة تقف وراءها الكتل السياسية الكبيرة، لإضعاف من يعارضها من أحزاب وتيارات .
الفرضية الرابعة – التفريخ , أي خلق مجال أوسع من الحزب للحفاظ على وجوده من خلال تفريخ أحزاب جديدة تنتمي إليها لتشكيل تيار أو مجلس أو أدارة ’ وهذا الأمر واضح وجلي في تفرعات حزب الاتحاد الديمقراطي وبعض تفرعات الحزب الديمقراطي الكردستاني – سوريا.
إن هذه الظاهرة التي تسم الحياة السياسية الكردية في سوريا لا تخدم إلا الأحزاب الكبيرة الماسكة بزمام الأمور وهذا ما تعمل عليه وتشجعه وتوعز منتسبيها للقيام به , لآن تلك المجموعات المبعثرة من الأحزاب لا جدوى منها ولا فاعلية لها في الحياة السياسية إلا اثبات وجودها الاسمي أو الوهمي غالباً والعيش تحت رعاية مموليها من الأحزاب الكبيرة .
ولا شك أن حزب الاتحاد الديمقراطي المتمسك بزمام الإدارة الذاتية والحزب الديمقراطي الكردستاني سوريا المنفرد بسلطة المجلس الوطني الكردي يدركان أهمية هذا الانفلات السياسي فشجعا على تزايد أعدادها تفريخاً وانشقاقاً لتغدو أحزاباً لا يعرف منها إلا اسمها فلا مكاتب لها تزار ولا فائدة منها ترتجى .
ما أشبه انتاج الأحزاب السياسية في بلادنا بشركة مقاولات يقوم رعاتها وممولوها بتقديم الدعم والبيانات المناسبة لمقاساتهم هم , دون أن يعيروا اهتماماً بالتكوين السياسي والتنظيمي بل بالمنطق الانتهازي الذي يتعمد توسيع دائرة التمييع والتفكك في الحياة السياسية الكردية واستثماره في خانة السيطرة والتفرد في الرؤى والتوجهات .
عماد يوسف