الفلقة....

لا يوجد ردود
User offline. Last seen 5 سنة 23 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 25/04/2012

كانت المرة الاولى التي اشاهد فيها طفلا يجلس على كرسي المعلم ورجلاه مرفوعتان للاعلى رغما عنه .. فهناك صبيان قويان في الصف يمسكان بهما .. لينهال عليهما المعلم بعصاه الغليظة بدون رحمة .. وكان من حسن حظي انني كنت احد هذين ( الزبانية)... كان احساسي بالذنب ضعيفا جدا انذاك لانني لم اكن سوى في السنة الدراسية الثانية اي لا اتجاوز من العمر ثمان سنوات.. وكنت اظن ان ( الفلقة) هي جزء اساسي من نظام التدريس والتربية والتعليم في سوريا الاسد....كان احساسي حياديا جدا .. فلم اكن ساديا يتلذذ بتعذيب الاخرين .. لكنني لم ابدي تعاطفا ايضا مع ( الضحايا) اللذين نسوا او تعمدوا عدم كتابة الوظيفة... وكان البعض منهم يتباهى بعدد الفلقات التي( اكلها) خلال اسبوع واحد... .لكنني وخلال مراحل دراستي الابتدائية والاعدادية والثانوية... استطعت تجنب ( الفلقة) كوني كنت اعرف مدى الالم الذي ينتج عنها فقط من خلال صرخات وعويل الاطفال والشباب اللذين يتعرضون لها...... مرت السنون ودخلنا الجامعة... واصبحنا رجالا بشكل او بآخر... وانخرطنا في النشاطات السياسية كما كان تقريبا كل الكورد آنذاك.... وكنتيجة لذلك تم استدعائي احدى المرات الى فرع الامن السياسي ... وهناك عادت بي الذاكرة الى سنوات طفولتي... او اعادوها الي ... وخلال هذه السنوات الطويلة كان التكنيك المعتمد قد تغير... فليس هناك من يمسك بقدميك ولا هم يحزنون... مجرد اطار مطاطي ... يا لهذا التطور... ما ان توضع فيه حتى تنهال عليك الضربات من حيث لا تدري.... في لحظات الالم وهدر الكرامة البشرية تذكرت مدرستي ... طفولتي .. شبابي... وسمعت مجددا صرخات الاطفال وعويلهم... لكنني كنت محبطا اكثر مني متألما.... فبعد كل هذه السنوات... متجنبا الوقوع في مصيدة الفلقة .. واذ بي ارى نفسي خاضعا لها... كم كنت حانقا على نفسي .. وكم كنت غاضبا ... لدرجة ان آلام الضرب بالخيزران تلاشت امام الشعور بالخذلان
وكم كنت حانقا على نفسي لانني لم اتمكن من منع جلادي من ضربي كم كنت غاضبا وانا ارى انسانيتي تهدر بهذه الطريقة المذلة... وكم كنت متمردا على نفسي وانا اتذكر كيف انني كنت امسك بقدمي ذلك التلميذ المسكين .
ورغم ان الفلقة هي من اقل اشكال التعذيب التي يمارسها جلاوزة البعث ايلاما فانني كنت اعتبرها من اكثرها امتهانا للكرامة. او هكذا كان يخال الي .
. ومرت الايام والسنون مرة اخرى واكتشفت من خلالها مدى تفاهة الفلقة واشكال التعذيب الاخرى امام حالة العبودية والرضوخ التي عشناها ونعيشها كل يوم في ظل العهد المقيت طيلة هذه العقود الاربعة. ففي حالة العبودية يكون كل شيء في المرء العبد مقيدا .. حتى عينيه لا يسمح لهما بالنظر لاكثر من ارنبة الانف او حتى منعهما من الرؤية اصلا.. .. يداه مقيدتان .. قلبه مقيد وعقله مقيد وكل شيء فيه مقيد اما في حالة ِالفلقة فيكفي المرء فخرا ان قدماه موجهتان الى وجه جلاده.. وهذا كان عزائي الوحيد... قدماي كانتا موجهتان الى وجه جلادي... وان عقلي حر وقلبي حر, ومع كل لسعة سوط او عصى على جسدي .. يزداد عزمي على الانتقام وتتضاعف كراهيتي لهؤلاء الأوغاد
ولذلك فانني انادي واناشد كل ابناء الشعب الذين تعرضوا للفلقة في كل المراحل العمرية.. وهم بالملايين حتما,ان لا ينسوا الاهانة وهدر الكرامة التي تعرضوا لها سواء اكانت هذه العقوبة قد طبقت في المدرسة ام في اجهزة الامن والمخابرات ... انها فرصتنا التاريخية للانتقام من الجلادين... ودفن السياط ... تماما كما دفن صانعوها والى الابد.
..

شيركوه كنعان عكيد