الغـدُ المَنسيْ...

لا يوجد ردود
User offline. Last seen 9 سنة 36 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 31/03/2007

 

  

الغـدُ المَنسيْ... 

 

 

بدأ أنين الليل يجلجلُ من جديد سهاديَ التعب، وذاك النعاس الخجل يأبى ان يزول وفي أوردتي آهاتٌ لربما- كانت بقايا طفولة في ذاكرتي التعبة، أو قد تكون سكرةُ غربة تأصلت في داخلي منذُ الأزل...

تأرجحت الأدمع في المقلِ دون جدوى فمحال لهطول مطر الخريف بعد أن دب الصفار في شبابي وبيض الشيب اقتحمني وأنفاسيَ الإثنا والثلاثون لم تنتهي بعدْ..!!

وأنا والليل- هذهِ العذراء المعتمة، وياقوتةُ الفجر حين الألم يشتد بكياني.. نضاجع معاً سكرةَ البردِ، و .... ؛

وعلى حين غرة، أدخُلُ في غياهب كوابيسي، وقتها تبدأ الحكاية.....؛

لكلِ سماءٍ غيومها وأنا لي فيها حلم، ولكل غيمة قصتها وأنا قصتي ليست بحلم، وفي كل قصة آلافُ المنتحلينَ أوسمة اليأس، لعل هكذا بدأ شغاف الخوف يدخل عظامي، وينخرُ من وجداني..!

حاولت ذات مرة إسطياد غيمة بيضاء، فارتميتُ عليها كعصفورٍ جريح لعلَّ دفئها يُهدئُ من هَيَجاني، وإذ بها تضجُّ وترتعد  سواداً تنزلُ البَرَدْ، كحيةٍ مبرقعةٍ تتدحرج بين الحصا...

ما بيْ..! وكأن ناراً تحرق وجنتَيَّ الحنطاويتين...!؟

وكأن الموت يتراقص مع ألحاني المحزنة...!؟

وقفتُ صامتاً لبرهة.!

مسافراً بخيالي قِبالة المشرق، فنبتت زهرة، أشواكها نحرت قطرات الندى.! فهَرَبتْ صارخةً- ويحكَ أيها المسافر- لما كلُ هذا الحزن...

وبسيلٍ من الأدمع شهقتُ وغصةٌ متجمدةٌ تقيد حنجرتي أحاول الصراخ، أبكي- أنادي مؤذناً في الريح، لعل السماء تترفق بيْ...

فتنقلبُ عليَ آهاتي كصدى الألم في زنازين المشرق، كسخرية الغِربان من الحمام حين تنعقُ جالبةً فأل السوء في أحاديث النساء وهن مجتمعاتٍ أمام بيوتهن....

يا رياح الغد المنسية

يا قطعة سكرٍ على خبزٍ ساخن

يا عصفوراً فوق شجرة الزيزفون

يا ذكرى موقِدة بالأشواق

أفيقوني من هذا الحلم...

أمسكوا بإبهامي وخذوني

واغلِقوا سماء الهجرِ

فقد تلون الدمع أحمراً من السهدِ

فكوا وثاقي وعلقوني على عتبة بيتي

كي تراني أمي ...

يا ذكرى مكتظة بالوجع

ألم تَشبعي من هذياني

على طرقات مدينةٍ بائسة

مدينةٌ تقذفني من نارٍ الى نيرانِ...

قد يتغير ملامحَ القدرِ يوماً فتستفيقُ الفتياةُ من حلمي وتسقط نجمةٌ مطفيةٌ فوق جبيني، ويتوالَ العِناق والقبلاتُ تنهمر على خديّ كبارودٍ، كعشقٍ، كحبٍ، كشووووقْ...

قلبتُ صفحات الروزنامة باحثاً عن قدري، في كل ورقةٍ مكتوبٌ غداً..!!

فأصبحتُ ابحث عن الغدِ...!

لا أدري لعل الروزنامةُ مخطئةٌ، أو قد يكون الغدُ مجردُ كلمة تكتبُ فوق كل صفحة تقويم.! لأني منذ الأزل أبحثُ عن الغدِ ولا اجدُ سوى ذكرى تقيدني بألف ماضٍ، شوارعُ قريتي لا تغادرني والتراب المعلقُ فوق حذائي لا زال يناديني، أما شجرةُ السفرجل الضعيفة منذُ سنين فلازالت تعاني من العطش ووردة الجوري تخنقني وتجرحني بأشواكها...

أما طائرُ السنونو الحزين بعد ان دمرتُ عشهُ دون قصدٍ، واقفٌ ينتظر أن أصْلِح له عشهُ، لكني حزينٌ لأن إنتظارهُ سوف يطول، وأخافُ أن لا يهاجر مرة أخرى فينسى موطنهُ الأصلي حيث الدفء والأمان ويصبحُ مثلي بدون وطن.....

لازال إبن الجيران الصغير يسأل عني بسذاجةٍ وبرائةِ طفولة، وذاك الباب الخشبي حيث اللقاء الأول بيني وبين زهرة البنفسج تلك العاشقةُ التي إلى اليوم لم تسقط من ذاكرتي، أما ذاك النهر الهرمُ الجميل لم يغادرني أبداً، فرائحة شواء صغار السمك وفِخاذ الضفاضعِ معلقٌ في كل نَفَسٍ أستنشقهُ من ذكرياتي...

ذات ليلة كنت هارباً من حبيبة، فتلاطمت بقايا حلم في كأسٍ فارغ حين نبتت قبلة على أضرحةِ الشوق، بحثتُ بين حطام تلك الزجاجةِ عن جرحٍ مازال رطباً كشفاه حبيبتي التائهة عني، فلم اجد سوى قتلى من أنفاسي حين تختلط ملوحة الدمع بريقي بين شفاهي المتنملة وكأني غريقٌ في البحرِ، إنهُ طعمُ- الألم- حين رجلاً يسقط من جديد على حافةِ هاوية، تسمى الغـد....

هذا الغد المبتورِ من أضلعي، المنسي على حافات القدر....

غدٌ منسي لا وجود لهُ في قائمةِ مأتمي..

مكسورةٌ أقلامي النحيلة

كغصنٍ طريٍ تلاطمهُ الريح

كبيرقٍ فوق أطلال

وشبحُ الغريب كربتهُ

ينامُ حائراً

ويفيق باكياً

هي حالي مُذ كان الغد أملي

والغدُ المنسيُ يقتلني

هكذا لم تنتهي قصتي

فلازال الجرح ينزف

ولازال الضمادُ مقترنٌ بغديْ.....

 


Rêwî girpirî

12/7/2010 - الرياض