الشتاء ...

لا يوجد ردود
User offline. Last seen 6 سنة 1 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 28/02/2011

أتى الشتاء في موعده هذا العام
ما أجمل أن تصل الفصول على مسرح الحياة في موعدها
ما أجمل أن نفسح المجال للطبيعة حتى تُرينا فطرتها وحكمتها
 
ومن أروع من الطبيعة نختارها حتى تكون معلمنا
من أصدق من الطبيعة تبين لنا حكمة الولادة والموت.. الطفولة والصبا والكهولة.. فتكون مرشدنا
ومن أكثر إبداعاً من الطبيعة تجسد لنا في احتفالٍ بديع لا ينتهي.. تجسد لنا من خلال مراحلها.. مراحل حياتنا
 
الطبيعة هِبة الله لنا
هِبة ومِنحة يستحيل تزييفها.. يستحيل التلاعب بها
الطبيعة شاء الله لها لأنها حافَظت على صدقها.. أن تفي بوعدها وترينا للأبد آياتها في آفاقها
 
الطبيعة نبع طاهر نقي نقف عند شاطئه حتى نملأ من مائه العذب كؤوسنا
نملأها فَهما لحكمةٍ أزلية إلهية تسير الكون… حكمة لامتناهية في بساطتها
حكمة مفادها أننا أولاد هذه الطبيعة.. ننتمي لما ينتمي له أطفالها
جميع أولاد الطبيعة.. من أشجار وحيوانات وأزهار وأنهار وأمطار.. مسترخية لأنها سمعت أناشيد هذه الحكمة من بدايتها
وأجسادنا فيها التراب والماء والهواء وكل ما يكون أولاد الطبيعة.. فكيف لا يكونوا أخوتنا ونكون أولادها..
 
حكمة الطبيعة أن نسترخي ونشاهد كما أطفالها يشاهدونها ويستسلمون لها
أياً ما كانت أحداثها هم يسلمون لها
هذا التسليم بابهم للرضى والقناعة والإستسلام بل والثقة في خالقهم وخالقها
 
لم تعترض النباتات والحيوانات والأشجار يوماً حينما اقترب زمن كهولتها
لم تبني صروحاً للتجميل مقاومة تقدم العمر.. لأنها تعرف أنه نصيبها وقدرها
لم تعاتب الأزهار الصغيرة الطرية.. الرياح العاتية يوماً فتسألها لماذا تهب وتقتلعها من أرضها
لم تعاتبها ولم تختبىء منها بل ظلت متمسكة بجذورها في أرضها.. لأن الموت باب لسكينتها وراحتها
لقد حان وقتها
لم يسأل الطير يوماً أولاده.. إلى أين ستطيرون وماذا ستفعلون… الطيور تعلم أن التحليق جزء من كرامتها
الطيور لا تمنع بعضها من التحليق … لا تمنع الطيور أطفالها … الطيور تعلِّم الطيران لأولادها
الحيوانات لا تتملك بعضها
 
الإستسلام لحكمة فطرية بدايتها الولادة فالتعرف والخطأ فالتعلم حتى الصواب ..هو شعار الطبيعة وغاية علمها
الطيور تتعلم حتى تطير وتقَع ثم تقوم ثم تقَع ثم تقوم إلى أن تنجح في تحليقها
لا أحد يعاتب أحد ولا أحد يمنع أحد ولا أحد يحكُم على أحد.. فالجميع يؤدي دوره بين أحضان الطبيعة في أرضها وسمائها
وبعد الولادة ومرحلة التعلم والخطأ وارتكاب الحماقة تدخل مرحلة الصبا فاتحة في فصل الربيع يديها معبرة بالمحبة والتقارب عن إحساسها
نعم.. حين تعلن الطبيعة أن فصل الربيع قد أتى من حولهم.. وترحب بربيع العمر وشباب القلب وجريان الطاقة في العروق.. فالمحبة بين الكائنات.. التقارب والألفة والوصال سيكون إبداعاً يعبر عن حالها
 
لا أحد في عائلة الطبيعة ينعت الربيع بالشيطان
لا أحد يدين الحيوانات والنباتات والأزهار في موسم اللقاح
أطفال الطبيعة تعلّموا درس القداسة فلا فكر ولا وقت لديهم للتصنيف وإطلاق الأحكام والألقاب والأوصاف… أطفال الطبيعة مشغولين بأن يكونوا طبيعيين
 
لا أحد يمنع الأزهار من التمايل رقصاً على موسيقى النسيم
ولا أحد يسكت العصافير تزقزق وتُغرد وهي ترقص وتقفز محتفلة بإحساسها وفرحتها وقربها من خلها.. تحيا في نعيم
لا أحد يخبر الهواء بأنه مرسال الحرام فهو يحمل بذور اللقاح من زهرةٍ إلى أخرى… الطبيعة تعلم أنه مرسال المحبة الحميم
 
نعم الطبيعة حرة لأنها طبيعية
لكنها وفي ذات الوقت بريئة طاهرة لأنها طبيعية… ولهذا فهي حرة
الحرية تعني المسؤولية
الحرية هي الصدق والأمانة والمسؤولية
لا أحد من أطفال الطبيعة يخون أحد، فالجميع يعلمون أنهم أخوة
الأشجار لا تغتاب الأزهار فتتحدث عنها بالسوء
والذكور لا تخطط لاستغلال الإناث ثم تركها لمصيرها
والأنهار لا تغار من البحار فتنعتها بأقبح النعوت
الأنهار لا تخبر أحد بأن المطر يعتدي على حدودها وينهمر فوقها.. فقد علمت أنه أخٌ لها فعانقته بمحبتها وهي على دربها كما عانقت السماء أرضها فكانت الأمطار ساعديها.. عانقَتها بها
 
ومع رحيل مرحلة الصبا حازمةً حقائبها مع أول قطار يتوقف في إحدى محطات الطبيعة… ومع توقف أول قطار في إحدى محطات الطبيعة.. تصعد مرحلة الصبا داخلةً إليه وتنزل منه مرحلة الكهولة مقبلة على بعض أطفال الطبيعة
وأطفالها جميلة حتى في شيخوختها
لا تزال مستَسلمة محتَفلة حتى في سن كهولتها
لأنها لم تحاربها
لأنها لم تجمع أفكار تخيفها منها
ثقتها بنفسها وبطبيعتها من الجنون أنقَذَتها
إلى أن يأتي الموت ويأخذها
حتى في موتها لا تنفعل ولا ترتعد.. هي تنتظر بصبر وصمت منتظرة مصيرها وكلها ثقة في الطبيعة معلّمتها
لم يخبرها أحد عن الجحيم… لم يخبرها أحد عن النعيم… لذا لا تزال مسترخية لا خائفة ولا طامعة.. محتفظة بقناعتها
 
هذا هو درس الطبيعة لنا
مضت قرون ولم نسمع للطبيعة ولم نتعلم في مدرستها
نعم خلال هذه القرون سبِحنا في مستنقعات جهلنا
ولدت أفكارنا
ومن أفكارنا ولدت الأنا
هبطنا من جنة الطبيعة
خلقنا جحيمنا
 
رفضنا براءة وصدق وعفوية وجرأة أطفالنا
قتلنا أحاسيس الربيع ومشاعر أجساد شبابنا وبناتنا
أسكتنا قلوبنا النابضة بالحب وأصبحنا نحيا الحياة بأفكارنا ونسينا كيف نحياها بأحاسيسنا
أبعدنا خريف العمر عنّنا وتزاهينا بربيعٍ مزيف لم نحياه في وقته فكيف نحياه بعد أن رحل عنا وتركنا؟
رفضنا قداسة الموت فحولناه بوابة لأبدية جحيمنا
كل هذا من عمل أفكارنا
ماذا تريد أفكارنا؟
لقد بنت مجتمعاتنا وفعلت كل هذا بنا
ماذا بعد؟ ماذا حل بنا؟
 
لكن أفكارنا لا تعرف الطبيعة والطبيعة لا تعرفها
الطبيعة لا تعرفها لأنها لم تولَد معها
الطبيعة ولد معها إضافة لمائها ونارها وهوائها وترابها ومعدنها وجميع مكوناتها.. ولد معها وعيها
وعيها هذا هو سرها
الطبيعة تعلمنا درسها وترينا طبيعية وفطرة آياتها لأنها وإن عشناها وفهمناها ستكون باباً لسرها
لازالت موعد الصخور مبكراً
لازال هناك مسافة تقطعها الأشجار والنباتات حتى تعي سرها
ولا زال هناك مساحة بسيطة على الحيوانات اجتيازها
لكنها جميعها تحيا بطبيعتها لأجل تحضير نفسها
حتى تتجاوز الطبيعة من خلال الطبيعة وترى سرها
وحده الإنسان آنَ وقته حتى يفقه سرها
لكنه أبى أن يحيا طبيعتها
لذا غاب عنه للآن سرها
 
الطبيعة علمت أطفالها لذا فأطفالها أسوياء لم يتعاطوا الكحول والحشيش.. لم يخونوا ويدمروا ويحقدوا ويُقيموا حروباً… لم يتمددوا على أسرة العلاج النفسي… لقد أنصتوا لطبيعية وبساطة وبراءة حكمتها
الإنسان طفل تمرد من بين أطفالها
فغاب عنه سرها
 
زيفوا كل شيء في عالمنا ومن حولنا… لم يبق لنا سوى الطبيعة منهلنا.. وهذه حكمة إلهية حتى نعود حقاً لديارنا التي قدر لنا أن نستقي منها علومنا
 
نعم….
أتى الشتاء في موعده هذا العام
والطبيعة تنتظر عودة طفلها لأحضانها
الطبيعة تنتظر طفلها الإنسان أن يعود ليحيا طبيعته ويحترمها ويقدسها
ولأجل هذا هو ليس بحاجة لأي شيء سوى أن تُهديه الطبيعة برائتها
أن يسمح لها بأن تهديه برائتها
حينها.. ستحتفل به وسوف يعرف قيمتها
حينها… ما أجمله وهو يحيا صيفه وخريفه وشتائه وربيعه… يحيا كل فصوله حسب فطرتها… يحيا فصوله في موعدها...