من مؤلفات القائد عبدالله أوجلان

رد واحد [اخر رد]
صورة  جكدار's
User offline. Last seen 11 سنة 19 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 19/08/2012

عصر الملوك العراة و الألهة الغير مقنعة

أني أُقَيِّم الشعوبَ الآهلةَ القاطنةَ منذُ القِدَم إلى اليوم تحت كَنَفِ هذه السلاسلِ الجبليةِ الممتدةِ من أمانوس إلى زاغروس بأنهم العابرون المقدَّسون على دربِ الآلهة والإلهات المتربِّعةِ على عُرُوشِها في قِمَمِ تلك الجبالِ الشاهقة. لقد أصبحْتُ مقتنعاً يقيناً أنَّ تهمة الرجعية وفقَ وجهةِ نظرِ الحداثة، إنما عكسُها هو الصحيح. وباعتبارِ أنَّ الرجعية – التقدمية ليست سوى أحكاماً أيديولوجية، وأن تحليلَ ذهنيةِ الحداثةِ الرأسمالية يعني الغوصَ في الأعماق الإنسانية الحقة، لأنها ليست رجعية فحسب، بل وهي العدوُّ اللدود للبشرية؛ فَكُلِّي إيمانٌ بأني حَقَّقتُ العودةَ العظمى إلى الحرية. وبالنجاةِ مِن سعيرِ الحداثة المؤلَّفة مِن جشعِ الربح، والصناعةِ، والدولتيةِ القومية، غدا كلُّ شيءٍ مفهوماً أكثر، وَيَنُمُّ عن غِنى معاني الحياة. والاهتمامُ والهيامُ اللذان أُولِيهِما لِجَثْوَةٍ (كَومَةٍ) ترابيةٍ متبقيةٍ مِن العهدِ النيوليتي، لا أُبَدِّلهما حتى بنيويورك Newyork. فهذه المدينةُ الجوفاءُ الخاليةُ مِن المعاني، والفاتحةُ أبوابَها على مصاريعها أمامَ المزيدِ مِن "الحياةِ المُربِحَةِ"، ومِن مُحاصَرةِ الإنسانِ ضمن "قفصٍ حديدي"، وأمامَ "وحوشِ الصناعة"؛ لا معنى لها سوى كَونها إحدى النسخ المعدومة المعاني لمدينةِ "بابل ذاتِ اللغاتِ الاثنتين والسبعين" التي لا يفهم أحد فيها شيئاً من الآخر. ولا يُراودُني أدنى شكٌّ من أنَّ خلاصَ البشريةِ يَمُرُّ مِن هدمِ البنية السرطانية للمدنية.
لقد قَصَصتُ هذه القصةَ القصيرةَ بهدفِ التشبيه والتذكير بماهيةِ ثقافةِ الحياة التي ننحدرُ منها. ذلك أننا لن ننجوَ من لَعِبِ دورِ "حمقى الحداثة"، ما لَم نُدرِكْ باقتدارٍ وكفاءةٍ نمطَ هذه الحياة، التي هي ثمرةٌ من ثمارِ الواقع الاجتماعي المشيَّد. ومن دون الانعتاق من نمطِ حياةِ الحداثةِ السرطانية، التي تَأسِرُ الجميعَ لِتَطالَ حتى الراعيَ على ذرى الجبال، وتعني في جوهرها نهاية الحياة، والتي سَعَينا لإيضاحها عبر العبارات التي نَطَقَ بها أكثرُ الفلاسفةِ تمرساً ومهارةً، والتي لَم يكن شكي في كونها كذلك أقل درجة من شكوك الآخرين؛ فمن غيرِ الممكن لنا العيشُ ضمنَ الحياة الحرة التي مهَّدنا لها بذهنيتنا وإرادتنا (الفكر، التنظيم، الفعل)، وضمن كلِّ غناها الذي تتميزُ به هي ومصادرها. وسوف نَعِي – عاجلاً أم آجلاً – أنه "من المحالِ العيشُ بصوابٍ في أنماطِ حياتنا الراسيةِ على تصوراتٍ وسيناريوهات خاطئة".
لِنَبسُطْ قِصَّتَنا ونَسْرُدها قليلاً باللغة العلمية. إنَّ الوقائعَ الاجتماعيةَ المشيَّدةَ في الهلال الخصيب تستمرُّ بوجودها في ديمومةِ الحياة الراهنة، ولو بخطوطها العريضة. فالعواملُ الذهنيةُ والعناصرُ الثقافيةُ المادية على حدٍّ سواء متشابهةٌ في المضمون، رغمَ بعضِ التغيُّراتِ الكميةِ والنوعية الطارئةِ عليها. واللغةُ مشتركةٌ في بنيتها الأساسية. وأشكالُ الفكرِ تستمر بوجودها على نحوٍ منفصلٍ في الميادين العلمية والدينية والفنية. وحروبُ الدفاعِ والهجوم مستمرةٌ اليومَ مثلما كانت في الأمس. كما لا تزال العائلةُ تحافظ على واقعها كمؤسسةٍ أولية.
أما الفوارقُ الموجودةُ فيما بينها، فتُعزى إلى استنادها على تَضَخُّمِ مؤسسةِ الدولة. فكلما زادت الدولةُ المُتَّسِعَةُ دوماً على حسابِ المجتمع من إدراجِ الذهنيةِ الاجتماعيةِ والزخمِ الثقافيِّ الماديِّ ضمن مُلكِيَّتِها، أَطرَأَت عليهما تغييراتٍ كميةٍ ونوعية وفقاً لحاجاتها ومنافعها. أما التطوراتُ الاجتماعية، فقد استمرَّت بوجودها رغمَ أنفِ الدولة، على عكسِ ما يُعتَقَد. سوف نجهدُ لإضفاءِ المعاني السليمةِ على الإجراءاتِ الأساسية لثقافةِ المدينة – المسماةِ بالحضارة – والمحصلاتِ الاجتماعية المتمخضةِ عن كياناتِ الدول، بدءاً من دولةِ الرهبان السومريين إلى الدولة القومية للحداثةِ الرأسمالية. وسنجد على وجهِ التخصيص كيف أنَّ الدولةَ هي التي نَشَرَت الطبقيةَ بالأغلب على نحوِ فروعٍ معقودةٍ متشعبة، وليس العكس.

 
 
chkdar
مشترك منذ تاريخ: 17/08/2010

شكرا على هذا موضوع