زكريا تامر : جواد الأرض الخضراء

لا يوجد ردود
مشترك منذ تاريخ: 28/04/2012

في زمن قديم، جاء رجال ونساء وأطفال إلى أرض واسعة خضراء تسكنها العصافير والقطط والجياد، وقرروا العيش فيها، وبنوا البيوت والمدارس والمستشفيات، وزرعوا الأرض أشجاراً وقمحاً وورداً.

ولم يحاول أحد إيذاء قط أو سجن عصفور في قفص. أما الجياد، فقد تركت حرة طليقة تحيا كما تشاء، وعاش الرجال والنساء والأطفال والقطط والعصافير والجياد حياة تزخر بالفرح والطمأنينة والسلام.
وكان أن أقبل إلى تلك الأرض ملك يتزعم جنوداً قساة القلوب والوجوه، يحملون الأسلحة التي يتقنون استخدامها في القتل والسرقة.
أُعجب الملك بالأرض إعجاباً عظيماً، فهي خضراء، خصبة ذات أنهار غزيرة المياه، فأصدر أمراً بأن تصبح الأرض كلها ملكاً له، وبأن يكون الرجال والنساء والأطفال كافة عبيده.
تذمر الرجال والنساء والأطفال الذين كانوا يسكنون الأرض الخضراء، ولكنهم اضطروا إلى إطاعة أوامر الملك الذي كان يملك الكثير من السيوف والسجون، وعاشوا بائسين أذلاء.
وفي يوم من الأيام جال الملك في أرجاء الأرض الخضراء، فتنبه لوجود القطط والعصافير والجياد، وأشار بيده إلى القطط، وتساءل بدهشة : هذه القطط ماذا تشتغل؟
قيل للملك إن القطط مخلوقات وديعة جميلة، تصيد الفئران، وتحب اللعب مع الأطفال.
عبس وجه الملك، وأمر بطرد القطط من الأرض الخضراء بحجة أنها عديمة الفائدة، فطردت القطط حالاً، وباتت مشردة لا مأوى لها.
سأل الملك عن العصافير وعملها، فقيل له إنها لا تعمل إنما تغني فقط، فقال الملك متسائلاً : ألا تؤكل؟ وما مذاق لحمها؟
فكان الجواب أن أجسام العصافير هزيلة قليلة اللحم.
إزداداد وجه الملك عبوساً، وأمر جنوده بطرد العصافير، فسارع جنوده إلى تنفيذ أمره، وغدت السماء خالية من أي جناح يرفرف، ولم يعد يُسمع غناء عصفور، وساد الاكتئاب.
أما الجياد، فقد نظر الملك إليها بسرور، وأمر جنوده باعتقالها وترويضها.
وبعد أسابيع، إستطاع الجنود إمساك الجياد، ونجحوا في ترويضها، فباتت تجر العربات، وتحمل الأثقال، وتستخدم في تنقل الملك وجنده، ولكن جواداً واحداً أبيض اللون ظل طليقاً، ولم يتمكن جنود الملك من القبض عليه، فقد كان شديد الذكاء، قوياً، محباً لحريته، وحين يجري لا تدركه الأبصار.
غضب الملك، وهدد جنوده بأقسى العقوبات إذا لم يقبضوا على ذلك الجواد.
جاول الجنود جهدهم، ولكنهم أخفقوا على الرغم من أنهم لجأوا إلى مختلف الوسائل والخدع، وظل الجواد الأبيض حراً طليقاً.
وكان الجواد الأبيض في كل ليلة يمر على الأرض الخضراء وهو يعدو بأقصى سرعة مطلقاً صهيله القوي، فيسمع الرجال والنساء والأطفال الصهيل، وتخفق قلوبهم أسفاً وحسرة.
إشتد حنق الملك على الجواد الأبيض، فقال له أعوانه محاولين تهدئته إن جواداً واحداً متمرداً لا يستحق أي اهتمام أو غضب من ملك عظيم مثله، فصاح بهم : أنتم أغبياء لا تدركون خطره. إنه يثبت أن بالإمكان عصيان أوامري، ويذكّر الناس بالأيام القديمة التي كانوا يعيشون فيها كما يحلو لهم.
واستمر الجواد الأبيض يحيا طليقاً، ولم يتمكن أحد من القبض عليه.
وأتى يوم تحقق فيه ما قاله الملك، فتخلى الرجال والنساء والأطفال عن خوفهم، وحملوا السلاح، وحاربوا الملك وجنده، وانتصروا، وحكموا على الملك بأن يسجن ويحرم حريته كما سبق أن حرمهم حريتهم.
وعاد الفرح إلى الأرض الخضراء، وعادت أيضاً القطط والعصافير غير أن الجواد الأبيض لم يعلم بما حدث، وظل متمرداً طليقاً يجري في الأرض الخضراء ليل نهار مطلقاً صهيله الذي يدعو إلى رفض العيش الذليل.