زكريا تامر : بحر أخضر مجهول

لا يوجد ردود
مشترك منذ تاريخ: 28/04/2012

طالب المعلّم تلاميذه بكتابة وصف مطوّل لبستان في فصل الربيع، فتحيّر التلاميذ، وتذمّروا، وتساءل أشجعهم بصوت عال : كيف لنا أن نكتب عمّا لا نعرف؟
فصاح بهم المعلّم مدهوشاً : ماذا أسمع؟ ألم تطالعوا أيّ كتاب؟ الكتب كثيرة وملأى بوصف الربيع.
وأخبر المعلّم تلاميذه بأنّ العشب في الربيع ينمو ويخضرّ، والسماء تصبح زرقاء صافية تعبرها أحياناً غيوم بيض، والشجر يزهر ويثمر، والطيور تطير مرحة،

والدماء تركض في العروق، فتعجب التلاميذ، ولم يصدّقوا كلّ ما قاله معلّمهم، فأرضهم بغير عشب في كلّ الفصول، والشجر مجرد أعمدة للأسلاك الكهربائية، والطيور هربت، ومن لم يهرب أكله الصيادون مشويّاً، والدماء لا تركض في العروق إلاّ لحظة تلمح العيون الأنواع الشهيّة من الحلوى، ولكنّ أوامر المعلّم الصارمة أرغمت أيديهم على إمساك الأقلام على مضض، وكتبوا على الورق الأبيض ما طلب إليهم، ولم ينل ما كتبوه إلاّ هزء معلّمهم الذي وعدهم بأن يحضر إليهم يوماً صورة كبيرة ملوّنة لبستان في الربيع حتّى لا يظلّوا عاجزين عن وصف الربيع .
وفي اليوم التالي، دخل المعلّم إلى قاعة الدرس ليباغت فيها بوجود تلميذ واحد فقط، فسأله : أين بقية التلاميذ ؟
قال التلميذ بصوت حزين : أظـنّ أنّهم ماتوا، فالطائرات التي أتت في الليل، ألقت قنابلها على البيوت التي يسكنون فيها .
فسأله المعلّم : وأنت ؟ كيف نجوت؟
فقال التلميذ : أنا أسكن في منطقة أخرى لم تصبها القنابل.
قال المعلّم : مساكين! كانوا تلاميذ لا يحبّون المدرسة ولا الدروس.
ولم يكن المعلّم صادقاً، فالتلاميذ القتلى كانوا يأتون كلّ ليلة إلى المدرسة، ويجلسون على مقاعدهم، وينتظرون معلّماً لا يأتي، ولا يجلب معه صورة كبيرة ملوّنة لبستان في فصل الربيع .

( سنضحك 1998 )