حكاية حبهما...

لا يوجد ردود
User offline. Last seen 6 سنة 1 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 28/02/2011

سألهما الليل أين الشوق.. أين رحيق الإحساس ولهفة السنين.. لم يجدا جواباً فقد كان الفشل حليفهما في زواجهما. سألهما الليل أين القمر الذي ناجيتماه وأين الدموع التي سكبتماها في كؤوس الحنين.. لم يجدا جواباً لأنهما لم يعرفا من البداية لماذا تعَجلا وتزوجا. زواجهما كان مسرحاً باهراً خجلَت منه حكاية حبهما. مسرحاً اعتَلَت خشبَته عائلاتهما فالتف الأقارب ورجال الدين.. وكان الجميع يكن اعتباراً لحسابات من المال والمجوهرات والأشياء وغيرها من المظاهر.. إضافة إلى الغريزة فقد كانت الزينة التي تزَينَ بها مسرح زواجهما. أعاد الليل سؤاله فسألهما أين نسيم لحظات الغروب.. أين أحلام اللقاء.. أين الأماني... أين الهوى الذي حيرهما وعذبهما وشتتهما ثم جمَعهما.. أين ذاك الهوى الذي لا يستكين..
رددَت أودية الليل صدى سؤاله فكان جوابهما بأن الإحساس ولهفة السنين.. دموع العاشقين.. كؤوس الحنين.. أحلام اللقاء.. الهوى والأماني... جميعها توارَت مع الراحلين... جميعها أضحَت حكايات حوَتها كتب الأيام وعلى رفوفٍ منسية وضعَتها السنين. لماذا.. عاتبهما الليل عتاب يصاحبه الأنين... أجابه (هو) بأنه وفي إحدى اللحظات الخاليات قد مرت بجانبه (هي) فتحركت بداخله نوازع الإعجاب الملتهِبات. لم يسأل نفسه إلى متى ستستمر رغباته.. ولم تسأل نفسها إلى متى ستظل أحلامها الوردية.. تسرد ألحانها الشجية وآمال كل منهما في الآخر تغرد بأعذب الأغنيات. أجابته (هي) بأنها استيقظت ذات صباح وعلى وجهها سؤال بان ولاح.. بأن هذا (هو) من حاربت الدنيا لأجل أن أكون معه.. هذا فارسي على حصانه الأبيض الذي حلمت به..
 
وتحت ستاره المظلم.. في زاوية كئيبة.. وجد الليل شاب وفتاة غيرهما.. فطرح عليهما ذات السؤال....
أجابه (هو) بأن عائلته أخبَرَته عن نسَل العائلة حكايات.. وأن دوره قد حان ليتابع مسيرة توريث إسم عائلته للأولاد... أخبرَته عائلته بأنها في انتظار الأحفاد. وأخبرَته والدته بأن صديقتها لديها ابنة وديعة مطيعة مؤدبة لا تخرج ولا أصدقاء لديها ولم تتحدث في حياتها مع شاب.. ومعها ستكون حياته شهر عسل طويل مريح... أجابته (هي) بأن عائلتها أخبَرَتها بأنها تتقدم في العمر.. ولن ينتظرها الشاب الموعود لآخر الدهر. أخبرَتها عائلتها بأن كل فتاة عليها الزواج فما من مكان تلجأ إليه يأويها ويحميها سوى بيت زوجها.. وما من سندٍ لها في الحياة يهتم بها ويراعيها ومن غدر الزمان يحميها سوى (هو).. فهو مَن خلقَت لأجلهزز وتمردها هذا وانتظارها الحبيب المناسب مجرد خيالات. كيف تبحث عن حبيب والعريس المنشود قد حقق الوعود وجهز مبلغاً من المال واشترى لها ذهَباًزز أترفض كل هذا وتكون واحدة من ضمن حالات شاذات..
 
سكَن الليل لبرهة من الوقت ثم قال لهما: لكن قلبيكما يحملان بقايا عطر حزين... لقد تعكر بينكما صفاء السنين.. وكلاكما عاد ليقَلِب في ذكريات ماضيه يبكي حاله ويرثي حاضره.. فهل تاهت من بين أيديكما كل وسيلة ولم يتبقى لكما سوى ذكريات الماضي مصدراً للحنين.. لماذا خلفتما الحب ورائكما وعنه تنازلتما ودروبه المجنونة الحرة لم تتبِعا فأصبح معكما أسيراً سجين..
أجاباه بصوتٍ واحد بأن ما من أحدٍ قد منَحهما وقتاً حتى ينضجا. كان عليهما الإنتظار وعدم الإلتفات إلى قطار السنين الذي أخذ كل شخص حولهما منه يحذرهما (خاصة هي) ويجبرهما على اللحاق به.. فكانت خياراتهما سريعة متهورة لأجل أن يلحقا قطار السنين.. ولكنه في النهاية وعلى أية حال قد أجبرهما على النزول منه فعادا ليس كما كانا.. إذ عادا حاملين داخلهما جرح مرير وصوت حزين.
 
مجتمعاتنا لا تمنح الشاب والفتاة فرصة حتى يفتحا عينيهما على الحب. وما لم تتفتح أوراق الزّهر على أغصان المراهقين والمراهقات اليانعة الخضراء، وترسل عطرها واضحاً شجياً صريحاً.. ما لم يحب الشاب والفتاة بعمق.. بشغف.. بجنون في مطلع فجر طاقتهما.. فلن يتخلصا مدى الحياة من جرحهما. لكن مجتمعاتنا لا تسمح لقصة حب أن تروي حكايتها ليصبح الشاب والفتاة كتابين يقرأ كل طرف منهما ما حواه الآخر من أسرار وخفايا ليس من السهل لقائها وقرائتها وهما مسرعين.. بكل شيءٍ مهتمين سوى حقيقة كيانهما. إن أخذت القصة وقتها.. إن اختبر الشاب والفتاة جميع أنواع الفرح والبؤس.. المرح والشقاء فيما بينهما.. ورغم هذا أصَرا على رأيهما.. فعندها يصبح الزواج خيارهما الواعي لأنه الآن حقاً من اختيارهما وليس من اختيار أهلهما وأقاربهما وطائفتهما. فالزواج ليس سوى عقداً قانونياً.. لا يمكن له أن يضيف سحراً على السنين.. ولا أن يسكب في كأسيهما لحناً قدسي الرنين. وغالبية المتزوجين يأخذون بعضهم لبعض ضماناً (بالأخص هو).. بأن الآخر أصبح الآن ملكيته.. أصبح له سائلاً والآخر مستجوَب مقيد وسجين.. فيهبط بقدسية الآخر لأسفل سافلين.
 
عاد الليل وسألهما... ما الذي لايزال يهتف يصرخ في أعماقكما ولم يمنحكما أحد الفرصة كي تعبرا عنه وتبدعا..
أجابه (هو) بحزن: اليوم.. وقد اقتربت من الكهولة وتوارى عبير الشباب وضاع العمر وتبخرَت السنين..
وأجابت (هي) بمرارة: لا اليوم ولا البارحة ولا أدري بشأن غد.. لكن أحداً لم يستحسن صوتي معَبِراً عن إحساسي ولذاتي ورغباتي... على الأقل فقد عبر (هو) ولو كان تعبيره خاطئاً بعيداً عن الوعي.. لكن جميع من حولي ماهرين في وضع الأخلاق والدين والشرف سداً منيعاً حين تتحرك فطرتي راجيَةً التعبير.
 
قال الليل... دَعَا العتاب يفرد أشرعته ويبحر بعيداً عنكما.. وأخبراني بالجرح داخل كيانكما.. ما كان حلمكما ولا زال يختلج داخلكما..
أجاباه بصوت واحد: لطالما ابتغينا حباً نطير به شوقاً نحو السحاب... لطالما أردنا إحساساً يتفجر بداخلنا بركاناً نمسك حمَمه في أيدينا فتتحول زَهراً ننثره على الناس من حولنا ونصرخ هاتفين بعشقنا ومحبتنا وحقيقة مشاعرنا دون خوف دون كبت دون رجم دون سؤال عن مصير علاقتنا غداً.. فقلبنا يقول بأن هذا حقنا... ولطالما أردنا خمر المحبة التي تكون من اختيارنا مع مَن هتف القلب لحبه حتى ولو معه فشلنا.. خمراً نشربه من كأس الزمان... لكنه وبدلاً من خمر المحبة استبدل مجتمعنا الكأس بأباريقٍ من الخوف وسقانا منها أشكال الكبت والخوف من الجنس الآخر فذقنا من فطرتنا طعم الحرمان.
 
ألا زالت جميع هذه الغرائز الصبيانية والأحلام العشوائية واللحظات الجنونية تحيا بداخلكما وقد اقتربتما من سنّ الكهولة.. سألهما الليل مندهشاً... ماذا فعل بكما مجتمعكما.. كلاكما من الخارج ناضجين لكنما من الداخل أسيرين... أسيرين لمراهق ومراهقة لم يشربا من خمر الحب المجنون.. لم يعَبرا عن إحساس لحظة حنون. وهذا سر انحراف الجميع... هذا سر الناس تعشقني وتمضي حياتها في ليل تضيء سمائه تصرفات لاوعيهم السحيق...
لهذا تستمر البشر بفعل أشياء لا تريدها لكنها على أية حالٍ تقوم بها وتفعلها رغم أن هذه الأشياء هي جسرها لبؤسها وتعاستها... لكنها برغم ذلك تقوم بها بل وتدافع عنها.
وتابع الليل: السر في أن المحبة دفنَت منذ أن كانت برعماً... برعمها مراهقة طائشة وغريزة ملتهبة وأحاسيس متوهجة.. إن لم يحياها الإنسان بوعي لن تتحول وترتقي بأصحابها وتتبدل.. إن الشهوة تتحول مع الوعي فتصبح المحبة. فالمحبة لن تسمح لأصحابها أن يتعاتبا تحت ستاري المظلم.. لأن المحبة لا تعشق سوى النور... والوعي هو النور... المحبة رفيقها وعشيقها الوعي.
ولا فرق تحت ستاري بين من انغمسوا في انحراف دائم وبين من فعلا مثليكما وقصدا دار الزواج. جميعكم يحرككم الجنس لا المحبة وبالأخص (هو). وإن من يحيون منكم حياة الزواج يعتبرهم مجتمعهم قديسين. بينما يعتبرون من يقصدون الملاهي الليلية بالفاسقين. لكنكم جميعاً في نفس الحفرة واقعين. إن من يحيون حياة الفجور هم بستار لاوعي ظلامي السحيق يلتحفون.. بنفس القدر الذي يلتحف به من يتزوجون.
لا يهم تحت أي لقب تندرجون... لا يهم إن كنتم أحباب أم أزواج أم منحرفون... المهم أن تعوا شيئاً مهماً حتى تعبروا بأنفسكم إلى جبال المحبة فلا تعاتبون ولا تندمون ولا تكبتون ولا تحزنون:
الشهوة حيوانية ... المحبة بشرية ... وتجاوز كليهما يعني دخول محراب الألوهية. وداخل هذا المحراب تولَد الصلاة الحقيقية.
الشهوة.. المحبة والصلاة. إنها مراحل الحياة الثلاث.. فافعلا ما باستطاعتكما حتى تعيشا كل مرحلة بشغف ووعي وكلية... حتى تصلا من خلال علاقتكما لثالث المراحل بعيداً عن كبت وغباء وإدانة مجتمعكما.. لأنكما وإن متما قبل أن تولد الصلاة بينكما فتوحد جسديكما وقلبيكما وروحيكما.. فلا نهاية للعذاب... لأنكما سوف تستمرا في بناء قصورٍ غداً تتركانها للتراب....