في البدء

    وما زال الجنين في بطن أمه

    يأتيه الملاك

    ليريه كل شيء

    ليعلمه كل الأسماء

    ليهديه كل مافي الأرض من معارف وعلوم

    ليشاهد حياته بأدق تفاصيلها منذ أن يولد الى أن يموت..

    ثم قبل أن يولد

    يلمس الملاك شفة الجنين العليا

    فينسى كل شيء

    ثم يمضي بقية عمره محاولاً ان يتذكر بعض ما علمه الملاك

    أنت.. من أنت..

    هل أنت الروح أم الجسد

    يتصور البعض أن الانسان عبارة عن جسم مادي

    وكل ما يقوم به نتيجة لتفاعلات حيوية وفسيولوجية

    أتلف العين.. يعمى

    أتلف الأذن.. يصيبه الصمم

    أتلف الدماغ.. لن يفكر

    أتلف القلب.. ليموت

    أو استبدل القلب بمضخة متطورة لتقوم بنفس الشيء.. فيحيا..

    ويتصور البعض أن الانسان عبارة عن الروح.. حطت في هذا الجسد

    فأنت أشبه بالراكب في سفينة.. الراكب روحك
    والسفينة جسدك

    يتصورون أن الجسد يفني ككل الماديات

    لكن الروح لا تفنى

    أين كانت.. كيف جاءت.. أين ستكون..

    لا أحد يعلم

    ربما نسينا

    فهل سنتذكر بعد الموت..

    هل كان للروح حق الاختيار..

    هذا الجسد.. في هذا الزمان والمكان

    أم أنها كانت مجبرة.. واقتيدت كالسجين المقيد بالسلاسل

    لترمى في زنزانة الجسد الفاني..

    اذا كان الجسد هو عقوبتنا.. فعلى ماذا وما هو الحكم..

    وحين يتوقف الجسد عن العمل..

    فهل يعني أن الموت هو لحظة الحرية..

    لا ندري ..

    ولكن أنت يا من يقرأ هذه السطور

    تعلم يقيناً أن وجودك في هذا الجسد بهذه الهيئة على هذه الأرض.. هو وجود مؤقت

    سيستغرق أيضاً بضع ساعات أو أيام أو سنين اضافية

    لكنه حينها.. عند الموت .. سيتبدل كل شيء

    وحينها ستعلم وتتذكر كل شيء

    او قد لا تعلم أبداً ..

    غريزة الحياة

    تجدها مزروعة لديك منذ أن دبت فيك الحياة

    بل لدى كل كائن حي

    وهي أقوى غريزة موجودة لدى كل الخلائق

    ومع ذلك.. كلهم يموتون

    بلا استثناء..

    جرب أن تخنق قطة

    بل حاول أن تهدد حشرة بأصابعك

    أو تترك طفلاً يكاد يغرق لثواني فقط

    أنظر كيف يتشبثون بالحياة ...

    حتى أنت ستتشبث بالحياة بكل ما أوتيت من قوة

    وستظل كذلك

    حتى لو لم تستسغ طعم الحياة

    حتى لو لم تكن متأكداً من البديل عن الحياة

    ستبقى متشبثاً بها.. ككل الكائنات

    ولكن أيضاً ككل الكائنات

    في يومِ ما.. وفي لحظة محددة

    ستستسلم..

    ستدع الحياة تخرج من جسدك بكل هدوء

    بلا وداع ولا أسف..