بلا دموع...

لا يوجد ردود
User offline. Last seen 6 سنة 5 أيام ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 28/02/2011

ما هو الفرق بين الحياة داخل أسوار السجن و خارجه

بالطبع نحتاج إلى خبير سجون أو خريج "حبوس" على رأي أخواننا في الشام ليشرح لنا الفوارق..
لكن بغض النظر عما اقترفت يد كل من يدخل بوابات السجون و دون الاستغراق في تفاصيل طهارة القلب و الضمير و النية .. يبقى الفارق الأساسي هو الخيار أي حرية الاختيار .. اختيار الموعد الذي يصحى الإنسان أو يأوى إلى فراشه ..
الموعد الذي يفطر أو يتناول غداءه أو طعام عشائه فيه ..
خيار من يقابل و من يمتنع عن رؤية وجهه ،خيار الصحبة و الزمالة .. خيار الحركة في أي اتجاه شاء صباح كل يوم بدلا من البرنامج الروتيني المحكم الذي ينفذه تحت صفارة و مراقبة عساكر السجن .. خيار لون أو نوع أو شكل القماش الذي يكسي به جلده .. باختصار الفارق الأساسي هو حق ممارسة حرية الحياة أو حق ممارسة الحياة بحرية انطلاقا من أبجدياتها البسيطة إلى ما لا نهاية .. متطلبات الطبيعة الإنسانية وفقا لضوابط المسئولية .. و في إطار هذا المفهوم حتما سيزداد طابور السجناء بفضل الأعداد الهائلة لكل هؤلاء المساجين و لكن بلا أسوار أو قضبان أو حراسة و دون ملابس موحدة بألوان مطفية تحمل أرقاما متسلسلة ...
و ما دمت أتحدث عن السجن دعوني أتناول هذا المشهد الذي أبدعه خيال الكاتب المسرحي " راتيجان " في مسرحيته الفرنسية " بلا دموع " و هو مقطع حديث طويل فيما بين قاض و متهم ..
القاضي : ترى المحكمة أن المتهم الماثل أمامها مذنب تماما .. انهض يا هذا .
المتهم ينهض بكبرياء واضحة لكل الحضور ..
القاضي : يا سيد وفقا لأحكام القانون أطالبك بتسليم بنطلونك ..
المتهم يتحرك خارج قفص الاتهام ليرى الحضور و القاضي نوعية البنطلون الذي يرتديه .
القاضي : آه ... أرى أنك جئت لقاعة المحكمة دون بنطلون .. حسنا ليس أمامي خيار سوى مطالبتك بتسليم " ...... " و فورا .. انتهى المشهد ..
تعال .. انظر حولك .. نحن نعيش خارج السجن نعم .. بعيدا عن أحكام قاضي راتيجان .. نعم لكننا بصورة عامة في العالم الثالث التعس لا نخرج عن واحد من أربعة أنواع :
الأول : نوع ما زالت تطارده أحكام القضاة لتسلبه البنطلون الوحيد الذي يتشبث به بكل ما أوتي من قوة حفاظا على ما تبقى من كرامة و إنسانية ..
الثاني : نوع سلم البنطلون و بالقانون .. سلم البنطلون و بسلام يحسد عليه .. و ظل يفاخر سائر من يراه أو يسمعه بأنه على الأقل ما زال محافظا على " ...... "
الثالث : نوع لا يملك أي بنطلون لأنه منذ أن جاء إلى هذا العالم و رأس ماله " ....... " الداخلي الذي تطارده أشباح القضاة لمصادرته و هو متمسك بكل ما أوتي من قوة خوفا على ما تبقى منه لستر العورة ..
الرابع : نوع سلم و منذ زمن بعيد البطلون و القميص و " ....... " معا و أخذ يتجول و سط الميادين و الأزقة مفاخرا بأنه أخيرا أدرك معنى الحرية الحقيقية ..
و التي ملخصها التحرر من جميع متاع الدنيا و الانعتاق من شتى المتطلبات الإنسانية ليغدو كما كلب الطرقات في قرية نائية من قرى عالمنا الثالث .. كلب طرقات شريد لا يجد حتى عربة بلدية ترمي عليه شبكة التحفظ و الحجر لتضعه داخل أسوار الحجز الإجباري لينعم بشيء من طعم الحياة ...
و أخيرا لا تسألوني ما المقصد و ما المقصود ...
من أي نوع أنت أو أنا أو نحن ؟
و إذا كنتم مصرين فدعوني أقول لكم
" كلنا ذاك العاري و لكن بلا دموع "