العقل وبوابات عبوركم ...

لا يوجد ردود
User offline. Last seen 6 سنة 3 أيام ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 28/02/2011

أول شيء يحتاج الإنسان إلى فهمه هو أن العقل ليس عن الجسد بمختلف
ليس عن الجسد بجزيرة معزولة منفصلة  العقل جزء من الجسد إنه الجسد اللامرئي ذلك الجزء البعيد العميق المختبىء هناك في أعماق الجسد.
لا يمكنك الإمساك بالعقل لكن باستطاعتك أن تؤثر فيه من خلال الجسد. أحدهم يتعاطى المخدرات أو الكحول مثلاً وفجأة تجد العقل تأثر واستجاب. تدخل العقاقير في الجسد لكنها تؤثر على العقل لأنه الوجه الشفاف للجسد.
والعكس صحيح أيضاً
إن استطعْت أن تؤثر في العقل فسوف يستجيب لك الجسد. هذا ما يحدث خلال التنويم المغناطيسي إنسان ليس بإمكانه أن يمشي إنسان يُعرّف عن نفسه بأنه مشلول  هذا الإنسان بإمكانه أن يمشي من جديد تحت تأثير التنويم المغناطيسي أو بإمكانه أن يصبح مشلولاً تحت التأثير نفسه. فإن أخبرته خلال التنويم ب"أن جسدك الآن مشلول ولن يكون باستطاعتك المشي مجدداً" فإنه لن يتمكن من المشي حقاً.
لكن ما هو السر؟
السر في أن علم التنويم المغناطيسي يدخل في أعماق العقل ويسبُر أغواره ذلك الإقتراح عبر من يقوم بالتنويم يدخل في العقل عميقاً. عندها يتبعه الجسد.
إذاً ليس العقل والجسد باثنين  العقل والجسد وحدة واحدة متكاملة. للجسد خمسة أعضاء أو آلات تقوم بالأفعال والأعمال اليومية، وللعقل خمسة حالات يعمل من خلالها.
 
لكن الحالات الخمس التي يعمل العقل من خلالها تقود الإنسان بطبيعتها نحو قلق وخوف عميق نحو الشقاء.
فإن تمكّن الإنسان من استخدام حالات العقل هذه بوعي وسيادة فإنها سوف تقوده نحو الصفاء.
كلمة صفاء هنا ليست ممرّ نعبر عليه بسرعة  لنتوقف لبرهة من الوقت ونتأمل ماذا أعني بالصفاء
لقد قلتُ أن استخدام العقل بوعي وسيادة يقود للصفاء لكنني لم أقُل أنه يقود للنعمة الإلهية للفناء
لا...
فالعقل إما يكون بوابة عبورك نحو الجحيم إن أسأت استخدامه وفقدتَ فنّ التعامل معه وكنت له عبداً تسمع وتطيع وتستجيب
والعقل إما يكون بوابة عبورك نحو النعيم إن أحسنت استخدامه وفقَهت فن التعامل معه وكنت عليه سيّداً تأمره وتنهيه فيستجيب
لكن في كلتا الحالتين لن يقودك العقل نحو الجنة الإلهية نحو الراحة الأخيرة في حضرة الهالات النورانية
لماذا؟
لأن هذه الجنة والواحة والحضرة هي طبيعتك وفطرتك وأصلك أنت
كل ما أستطيع قوله هو أنه وفي حال النعيم الذي هو وليد حُسن استخدامك لعقلك رويداً رويداً سوف يُرفع لك الستار عن حالك وطبيعتك وأصلك عن الجنة الإلهية عن الفناء أي أن العقل سيكون النافذة التي تنظر من خلالها لأصلك ونورك وشمسك الساطعة في السماء
 
مشكلة الإنسان هي أنه أصبح المخلوق الوحيد المتمرّس في استخدام عقله لأجل أن يكون الشقاء حصاده
إنه يعلم ويُتقن فنّ خلق الشقاء وإبداعه
ربما لا يكون الإنسان واعياً لأفعاله لكنها حقيقة فكلّ ما تمسّه أيادي البشر على وجه هذه الأرض يتحوّل إلى مصدر تعاسة وشقاء
أرى أناساً فقراء وظاهر عليهم الشقاء
هم في شقاء لأن الحاجات الأساسية الضرورية في حياتهم تمّ إغفالها وعدم إشباعها... فهُم فقراء
أعود وألتقي أناساً أثرياء في منتهى الثراء لكنهم أيضاً تعساء ويحيون الشقاء
هؤلاء الأثرياء يظنون أن الثروة أوالثراء لا يقود إلى أي مكان ولا يملك مفتاحاً للهناء
وهذا ليس صحيحاً
بإمكان الثروة أن تقود صاحبها نحو الإحتفال إن كان يملك عقلاً يعرف معنى الإحتفال
فقراء الناس تعساء، وأغنياء الناس تعساء فمجرد لمسهم الأشياء كفيل بتحويلها لمصدر شقاء
المشكلة في العقل
الإنسان بعقله الحالي لا يعرف سوى أن يخلق جحيماً حوله أينما كان حتى ولو تمّت دعوته للجنة سوف يدخلها لكنه لن يجدها لأن الجحيم بداخله حقيقة سوف يجسّدهاالإنسان بعقله الحالي يحمل جحيماً بداخله يأخذ ناره معه ويُشعلها حوله أينما حلّ
 
قصص الحكمة جميعها تخبرنا بأن الجنة والجحيم هما أماكن نفسية لا جغرافية إنهما مواقف بشرية ولا أحد يدخل الجنة أو الجحيم لكنه يدخل ومعه إما الجنة وإما الجحيم فهو يحمل إحداهما بداخله أينما رحل يحمل بداخله انعكاساً يجسّده حوله سواء عن الجحيم أو النعيم
 
والآن ماهي حالات العقل الخمسة؟
إنها المعرفة الصحيحة والمعرفة الخاطئة والمخيِّلة والنوم والذاكرة
 
سنبدأ معاً مع حال العقل الأول المعرفة الصحيحة
يقول الحكماء بأن العقل يحمل بداخله بذرة وإمكانية وقابلية إن تمّ استخدامها بعلم ووعي ومسؤولية فكل ما سيعرفه العقل ويتعرف عليه حينها سوف يكون صحيحاً حقيقياً. لكن هذه القدرة لاتزال إلى الآن مجهولة منبوذة ولم يستعلمها أحد لأن أحداً لم يعلمنا كيف نستخدمها الأمر كأنك تدخل غرفة مظلمة ورغم أنك تحمل مصباحاً في يدك إلا أنك تجهل كيفية إضاءته فتظلّ الغرفة أسيرة للظلام وأنت تتخبط وترتطم بالطاولات والكراسي والجدران رغم أنك تحمل مفتاح النور معك.
العقل يملك القدرة على المعرفة الصحيحة على الحكمة. ومتى ما تعلّم الإنسان كيف يفتح باب هذه القدرة ويروي بذرتها لتنمو فأينما ذهب وحلّ بنوره هذا، لن تتكشّف له سوى المعرفة الصحيحة الحكيمة. بدون هذه القدرة مهما عرفت وتعرّفت فكل ما تعرفه سيكون خاطئاً.
 
والعقل يحمل بداخله قدرة على الحال الثاني على المعرفة الخاطئة. إن معنى المعرفة الخاطئة في السنسكريتية هو المزيف
الواهم. جميعنا بداخله هذه القدرة.
ماذا يحدث عندما تتناول المخدِّر أو الكحول؟ يتحوّل العالم أجمع إلى وهم وزيف وتبدأ برؤية أشياء لا وجود لها.
ما الذي حدث؟ فالكحول ليس بإمكانها اختراع وابتكار هذه الأشياء والأوهام لكنها تقوم بفعل شيء داخل جسدك ودماغك. تبدأ بتنشيط وتفعيل المركز الموجود فينا الذي يسميه الحكماء بمركز الوهم أو الزيف (فيباريايا). يملك العقل مركزاً قادراً على تحريف أيّ شيء ومجرد أن يبدأ هذا المركز بالعمل تتحرّف الأشياء وتظهر بغير حقيقتها. المعرفة الخاطئة هي مركز التحريف.
 
يعاكس مركز المعرفة الخاطئة فينا، مركز الجهل البريء، مركز (أنا لا أعرف شيء). بإمكان الإنسان تنشيط وتفعيل هذا المركز بالتأمل العميق وعند حلول الصمت البليغ داخل كيانه. إنه مركز المعرفة الصحيحة الذي تحدثت عنه سابقاً (برامان).
 
إن ما يعرفه الإنسان ليس بمهمّ ما يهمّ هو من أيّ مصدر داخل الكيان عرِف وتعرّف هذا الإنسان

لهذا نجد الأديان جميعها اتّخذت موقفاً معادياً من الكحول لماذا؟ لا علاقة للأخلاقيات بالموضوع وليست سبباً في رفض الأديان للكحول. الحقيقة أن الأديان رفضت الكحول لأنها تنشِّط وتفعِّل مركز التحريف فينا الذي يلوي ويحرّف أي شيء نراه ونعرفه حولنا. وكل دين تراه للتأمل نصير وحليف لأن التأمل يعني خلق مزيد من المساحات الصافية الخالية النقية الهادئة داخل كيان وعقل وقلب الإنسان. الكحول تفعل العكس. الكحول تجعلك أكثر حماسة وأكثر التهاباً واضطراباً ودون وعي تكون مقداماً. من هنا يترجم الجسد حالة العقل الكحولي برعشة ورجفة وخلل في ميزان الطاقة وسط الجسد الذي يوازن الأنثى والذكر داخل معبد الجسد، لدرجة أن السكران ليس بإمكانه أن يمشي باتّزان. ضاع التوازن وأصابه الخلل فاختلّ الميزان. لم يختلّ توازن وميزان الجسد فقط، بل توازن وميزان العقل أيضاً.
 
التأمل يعني استعادة الميزان الداخلي. وحين تستعيد توازنك الداخلي وترحل الرعشة منك وتغادرك إلى غير رجعة، حين يدخل الجسد والعقل في حال من الهدوء والسلام، عندها فقط يبدأ مركز المعرفة الصحيحة بالعمل. وأيّاً ما تعرفه من خلال هذا المركز فهو صحيح هو الحقيقة.
 
من أنت الآن؟
لست بسكّير ولست بمتأمل، فلا بدّ لك إذاً من أن تكون في مكان وسط بين كلا الحالين. لست متمركز في أي مركز، بل تتأرجح تارة على ضفاف شواطىء المعرفة الصحيحة وتارة أخرى على ضفاف شواطىء المعرفة الخاطئة. هذا التأرجح يخلق الإضطراب، وجميع الناس يشعرون ويحيون الإضطراب.
أحياناً تُفتح النوافذ وتأتيك لمحات ونفحات. تكون قد مِلت قليلاً نحو ضفّة المعرفة الصحيحة فتأتيك منها نسائم ونفحات. بعدها تميل نحو ضفة المعرفة الخاطئة فتنحرف الأمور أمامك وينحرف فهمك ورؤيتك لما حولك فتنحرف معها وتختلط عليك الأمور وتعُمّ بداخلك الفوضى. أنت بين نعيم وجحيم بين نور ونار.
 
وهناك حقيقة خطيرة ولابدّ من قولها وكشفها والبوح بها
إن وجود الإنسان في مركز من المراكز يُريح أكثر من التأرجح بينهما، فالتأرجح لفترة طويلة عذاب هو مطلوب في البداية لكن ما لم يستقرّ الإنسان على ضفة المعرفة الصحيحة فالأمر سيتحول لعذاب كلما زاد الإضطراب لكن الأمر هو أنه حتى وإن استقرّ البعض على ضفة المعرفة الخاطئة فسوف يشعر بارتياح مقارنةً مع عذابه في الميل بين الضفتين. طبعاً لن يكون استقراره راحة وجودية ولن يعترف الوجود باستقراره لأنه في المعرفة الخاطئة وبالتالي سيهبط مقامه كونياً ومنزلته عند الله وسيعاني في عوالم أخرى لكنني هنا أتحدث عن أحوال عقل الإنسان. فبالنسبة للعقل يُعد الإستقرار على أيّ ضفة من الضفتين مكسباً بدلاً من التأرجح المستمر وعدم الإستقرار على شيء. لكن هذا بالنسبة للعقل، أما نحن فلا ملاذ لنا ولا تطور روحي سوى بالإستقرار على ضفة المعرفة الصحيحة لذا لننتبه
 لننتبه لأن العقل سيرتاح حتى ولو استقرّ على ضفة المعرفة الخاطئة. وكثُر هم المتمركزون اليوم في اللاوعي والكحول والحانات والدعارات والجهل إن لم يكُن العالم أجمع أصبح هكذا وتجدهم مرتاحين لحالهم لا يسعون للتغيير لماذا؟ لأن عقولهم ارتاحت حين وجدت مركزاً ولم تهتم كونه المركز الخطأ. إن التمركز في مركز حتى ولو المركز الخطأ هو أمر يمنح العقل سعادة، لذا تجد تعلق الناس بالمشروبات الكحولية وانجذاب الكثير لها.
 
لقد حاربت الحكومات والقوانين موضوع الكحول والمخدرات لقرون. وتم وضع قوانين ومحظورات وتحذيرات بخصوصها ولم ينفع شيء في منعها. ولن ينفع شيء في منعها والتخلص منها لماذا؟ لأنه ما لم تكون البشرية متأمِّلة تحيا حال التأمل والسلام الداخلي فلن يفلح ولن ينفع شيء. ستظل البشر تحاول إيجاد أي شيء والبحث عن أي شيء يجعلها مُخدَّرة بعيدة عن همومها وشقائها. لن يتمكن أحد من ردعهم، وكلما ازدادت محاولات الردع كلما اتخذت الممنوعات والمحظورات جاذبية كبيرة مثيرة وتم اللجوء لها في السرّ.
ما لم يتغير الإنسان ويتحوّل داخلياً فمنعه عن هذه الأشياء أمر مستحيل لأن الناس عندها سوف تُجَنّ. وهذه الممنوعات بالنسبة لهم هي وسيلتهم للبقاء قدر الإمكان من الجنون في أمان. لساعات قليلة معدودة
 يثمل هذا الشخص أو ذاك أو يشاهد فيلما إباحياً أو يدخّن السيجار أو المخدِّر أو يمارس الدعارة الجنسية أو أي شيء، فيشعر أنه في هذه الساعات بخير، في سعادة. طبعاً العقل هو الذي يشعر وأنا هنا لا أروّج لهذه الأشياء فحذاري من الفهم الخاطىء. لساعات معدودة يشعر أن كل شيء على ما يرام ويخرج من دائرة الشقاء والمعاناة التي يواجهها في مجتمعه يومياً. سيعود الشقاء ليأتي من جديد، وسوف تعود المعاناة لتداهم كيانه من جديد، لكنه على الأقل قد ساهم في تأجيلها لبضع ساعات. في الصباح سيعود الشقاء كما كان، لكنه وعند المساء سيحاول من جديد التأجيل وسوف يشرب كأساً أو يفعل شيئاً آخر لأجل الهرب من المواجهة.
 
لذا نجد الإصرار الشديد من الأديان الشرقية القديمة على التأمل...
 التأمل يقوم بمعجزة كونية فهو يساعد الإنسان على إنارة النور داخله فيعمل مركز المعرفة الصحيحة فيه. عندها يرى ويعرف الحقيقة. عندها يصبح الإنسان متدين حقاً.
الإنسان لا يصبح متديناً إذا ذهب إلى الجامع والمجسد والكنيسة والمعبد وقام بأداء بعض الشعائر والطقوس والعبادات. نعم هذه طرق ومفاتيح علم جميلة وكبيرة لكن بمعزل عن فهم جوهرها وعلومها فأنت لست متدين إن كنت تؤديها وتمثّلها دون أن تفهمها. التدين الحقيقي يكون بالتمركز في مركز المعرفة الصحيحة.
 
الحال الثاني للعقل كما تحدثت سابقاً هو المعرفة الخاطئة. والإنسان المتمركز في هذا المركز سيكون مخطئاً مهما قال وخاطياً مهما فعل. كل ما يقوله ويفعله ويقرره ويختاره بل ويقرأه سيكون خاطئاً وللأسف هذا حال الجميع في يومنا هذا.