الضفة الاخرى للغربة الزمكانية ( عفرين انموذجا )

لا يوجد ردود
User offline. Last seen 10 سنة 38 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 25/05/2011

اعيش اليوم في مدينة تحتلها جلبة الضجيج  ..

مدينة تحتوي كل الاقوام و الاديان و الثقافات ...... ما يميز اهلها  هو اعتمادهم على شراهة الطعام  و نهامة ابتلاع كل ما لذ و طاب ...

  و ما يميزها اكثر و اكثر ان  الثورة المعوية لاهلها دفعتهم حتى في عدم اعتاق الورد الجوري من من قرقعة المراجل و القدور و الطناجر ليستحيل  وردنا المسكين في النهاية الى شراب و مربى يلبي  ترطيب سعير احشائهم المتخمة ليل نهار .

اعيش فيها و معها و بعيدا عنها في نفس الوقت .. اذ انأى بنفسي دوما بين مربعين كرديين .. يلتصقان كتوام سيامي ليكونا مستطيل يتربعهما من جديد كانتونات صغيرة تسمى مقابر قديمة للطوائف المسيحية المختلفة  .

ما يميز هذا المربع التائه ضمن مربعين متاخمين لبعضهما البعض هي مقبرة ارمنية على الطريق الرئيسي ....

 مقبرة تشبه منتزه جميل  حيث يصطف نزلاؤها بالترادف المتساوي  في الاشجار و الظلال و الهدوء النظيف ...

منتزه للموتى ذو بواية عريضة كتب على احدى جنباتها بخط عريض :

حضارة الامم  .. بمقابرها ..

بينما اقيمت بمحاذات المقبرة كاراجا صغيرا و مؤقتا كاد ان يستطيل باقامته لولا تذمر نزلاء  ذاك  المنتزه و تشكيهم الدائم من ضجيج لم يعهدوه سابقا  .

الكاراج كان مخصصا لنقل  سكان هذا المستطيل الى كنف جبل الكرد المعروف بمنطقة عفرين و بالعكس .

ما اثار حفيظة نزلاء المنتزه لم يكن الكاراج  بعينه .. انما سائقي الكاراج و سياراتهم المزودة بزمامير هوائية تفزع النائمين منهم .. ناهيكم عن ما يسمى الطرب الشعبي الذي ليس له بديل في طول عفرين و عرضها ... اغاني رشكو دينو و فاته دينه و عيشه و زينبه و ما والاها من طقطوقات بنطرب اهلها لسماعها دوما حتى  انها باتت  اغاني تهدهدهم قبيل النوم بسبب عدم ايجاد بدائل سمعية لمنطقة ابتليت بمغنين خضعو لمختبرات استنساخ ليتخرج منها روبوتات  اطبق عليهم بعدها اسم ( مغنون ).

لا انكر بالمقابل شريحة كبرى زهقو و مللو ضجيج كل ما هو راقص .... مستعيضين بحنجرة شيدا و بلند و دلو  دوغان كل ما داهم سمعهم قبلا من نجوم تخرجو  من  كوتسرفاتوار الكاكاو ... حيث اصبحت اغنية الشوكولاته شيكيتا التي تربع   عليها المغني جان بورو ضربا من ضروب التخمة الاضافية التي يعاني منها قاطنو مدينتي من سكان عفرين الشادية بربيعها الفتان و اخضرارها الدائم .

و لا انكر ايضا ظل اشجار الزيتون التي خبات  بفضل عولمة المياعة , خبات بين جنبتها فنانين  حقيقيين لم يلدو ليتربعو فوق  مسارح الرقص و الهيلا هوب .. انما وجدو ليرافقو اغضان الزيتون في تمايلها الموسيقي الهادئ .

فنانون عاشو في الظل و ما زالو فقط لكي يبقو اهالي ستمائة و ستون قرية متناثرة رهن  طلبات حق اللجوء الموسيقى في مناطق  اخرى , بينما تتبقى البقية الباقية من فنانين و مهرجين على خشبة مسرح لم و لن يكون مسرحا حقيقيا الا بتراجع دور التهريج و ارجاع المتظلين من الفنانين الحقيقيين الى مكانهم الصحيح .