حوار مع العازف والملحن شيار آكري Şiyar Agirî ، حول قصة الفن، وفلسفة الموسيقا

رد واحد [اخر رد]
مشترك منذ تاريخ: 02/11/2010

حوار مع العازف والملحن شيار آكري Şiyar Agirî ، حول قصة الفن، وفلسفة الموسيقا

(المحاور مصطف محمد)

KOBANI

"لم يخطر ببال ذلك المدرس الذي كان يعاقب التلميذ شيار في المدرسة حينما كان يضبطه يمارس الإيقاعات على المقاعد، أن يتسمع للصوت الصادر، فكانت العقوبة. لكن معها كان الإصرار، حتى تحولت تلك الإيقاعات إلى لازمة ظلت تفرض علي شيار وقعها مع كل محاولة عزف"
شيار
في هذا الحوار الذي يدور حول مجموعة أفكار خاصة تدور رحاها داخل عالم الموسيقى، الذي فلسفناه بطريقة نتمكن من خلالها من عرض حالات يتدرج داخل أبعادها الفنان، سائراً إلى دروب لا يمكن ترجمة أغوارها إلا بمصطلحات التصرفات الوليدة.

مقدمة(نظرية ولادة اللحن):
" كلُّ الصيغ الفنية المُتداولة، وعلى الرغمِ من سعةِ اختلاف أنماطها، يمكن إدراجها ضمن خانة التوحّد من حيث تألفها من جزئيات مُتراكبة عُصرت وحُصرت بفواصل متداخلة في تركيبٍ دقيق، ومن ثم كوِّرت، لتتدفق من ذاكرة نمت وتربّت في مدرسة الشعور المجمّل بروح لغز التوالد....
إذاً هو نمط آخر من الولادة البكرية......
وتحديداً للفكرة يمكن وسم ذلك بأن الصور الفنية المُنتجة تكون قبل الولادة عبارة عن قوالب روحية، طاقية جاهزة تسبح بهيام في مدِّ محيط سمواتِ تواجدنا الخيالي...لها تواترات، ذبذبات خاصة، شيفرة معقدة، وتظل حائمة إلى أن تجد من تتواءم معها روحياً، شعورياً، فتتم الولادة بتدرج إلى أن تنضج الصيغة تماماً، ومعها لا يمكن تجاوزها لاحقاً."
بهذه النظرية التي تحاول رسم دروب العمل الفني نخوض مع العازف والملحن ( شيار آكري) حواراً، محاولين فلسفة الموسيقى بلغة أدبية، مستعرضين في عروضٍ نقدية أو تحليلية جملة مشكلات تعيشها الساحة الفنية"

مصطف: شيار آكري أسمٌ معروف في الساحة الفنية عامة، لك تاريخ وجذور قوية في امتهان الفن والتمرس في مدارسه، هل يمكن أن تقدم تعريفاً مختصراً عن قصة تاريخك الفني(الموسيقي)...متناولاً الجذور والبطاقة الشخصية..والأعمال التي قدمتها أو التي تقدمها، مع رسم صورة عن مشاريعك القادمة.
شيار آكري: أنا شيار اكري Şiyar Agirî محل ورقم القيد عامودا، بدأت مع الموسيقى وأنا صغيرٌ يمارس الإيقاعات على مقاعد الدراسة، ولم تمنعي عقوبات أو تهديدات المدرسين، لقد كانوا أبعد إليها، ولو أن أحدهم حاول لحظة أن يتسمع ما يصدر لكانت الآية مختلفة. كما أن الموسيقى هي من كانت تفرض عليّ أن أعزفها، لقد كانت تجري وتثور من وفي دمي، ولم أتعلمها.
انتسبت إلى "كوما سرخبون بعامودا" وعمري 6 سنوات، كعازف لآلة الاورغ، بعدها ذهبت انتسبت إلى "كوما اكري" وبقيت فيها ثلاث سنوات أعزف " الباغلمه " وليس " الأورغ" فقد ابتعدت عنه كتخصص عزف، فقد كنت اعتبر "الاورغ" آلة مقلدة للآلات الطبيعية وتشوه أصواتها؟
وأتذكر أيضاً من روايات أخرى للبداية، حيث أني كنت أتسمع صوت الماء الصادر من الخرطوم، وأقوم بتسجيله على كاسيت، وبعد ذلك آتي بعود وأسجل كاسيتاً آخر بغرفتي، وآتي بمسجلة ثالثة، لدمج الصوتين(صوت عزفي، صوت الماء) عدا عن ذلك كنت أقوم بتسجيل أصوات الطبيعة من حولي(الأغنام، الهواء، أصوات الأطفال، الشجر.....)وهنا بدأت أدرك معنى مصطلح (الموسيقى التصويرية)؟
في العام 1994 غادرت إلى حلب، وهناك انتسبت إلى "كوما اكري".
-في رصيدي الآن" 7 البومات "
بدأت بالتسجيل المتطور في وقت مبكر، حينها كانت ما تزال صناعة الموسيقى، في طورها البدائي، حيث كان أغلب فنانينا يتكلون على التسجيل في استوديوهات بسيطة، تابعة لمحلات بيع الكاسيتات، في عام 1997 أرسل لي الفنان "شفان برور" دعوة يوم جاء بيروت، وعزفت معه هناك.
وفي عام 2000 أنهيت من تسجيل كاسيت باسم "حكمتا خودى" لأمير الشعر "احمد الخاني" وقمت بتصوير فيديو كليب لهذه الأغنية بمدينة السليمانية، ومن الأغاني المشهورة في الكاسيت (حجرا تاري) وأغنية (راستي) وغناهما الفنان كاوا في الفضائيات دون أن يذكر أو يقول بأن هذه الأغاني هي للموسيقار شيار اكري.
ومن الفنانين المشهورين الذين سجلت لهم بتلك الفترة "آرام ديكران" "ارمانج" "ظريفة جمال تيريز" "برادر" والكوبلة الموسيقية لموال "عربامن" هي من تأليفي وأكثر الناس لا يعلمون هذا الشيء.
أما بالنسبة للحفلات ساعدت فنانين كانوا يأتون من أوروبا وقد كنت أعزف معهم وأنقذتهم من المواقف المحرجة.... كانوا أصدقائي لكن عندما يذهبون إلى - بلدهم أوروبا - ينسون شخصاً كان اسمه "شيار اكري".
وهذه قائمة بأسماء الفنانين الذين شاركت معهم بالحفلات (شفان برور وكوليستان برور وارام ديكران وخليل غمكين وشمدين وسيدخان وبسر شاهين وارمانج وجمال تيريش وغمكين بيرهات ومحمود عزيز وبيوان)

في العام 2005 عدت إلى قامشلي، لأعمل في حقل الموسيقى من هناك، لكن حدثت جملة أسباب دفعتني للتفكير بالسفر إلى إحدى الدول الأوروبية.
التحرر من الصراعات الاجتماعية الغير منضبطة، ومن الالتزامات المذهبية، والهروب من الأفكار، والمعتقدات، السياسية والمسيسة، كانت عوامل أسهمت باستفاضة إلى ترسيخ مبدأ فكرة أن أسافر، هذا إلى جانب الإيمان بأني أستطيع أن أنمي أكثر قدراتي الفنية، وان أسخرها بوفرة، في الساحة الغربية، وهذا حق طالما إن كل المقومات متوفرة، إلا مقوم المكان..فلم أجد فرصة، إلا أن أسافر إلى تركيا، فكان ذلك، وكان الاستقبال الجميل لي هناك خير حافظ لأتابع المسيرة.
وحالياً أنا في مرحلة الانتهاء من تحضير كاسيت 2011 بموسيقى غريبة ليست تقليدية، اجتهدت في سبيل تقديمها كثيراً، وسأنتظر صداها حين التوزيع.


مصطف: نجاح الأغنية شعبياً، جماهيرياً، ليس بالضرورة أن يعني نجاحها فنياً، منهجياً. أغنية الأسبوع تموت بانقضاء أسبوعها، لكن الأغاني الخالدة تظل كلّ أسبوع. هنا لسنا أمام فرضية تمثيل النجاح باستفتاء الجمهور، لكن نحن أمام معضلة أن يتمكن الفنان من تقديم شيء متكامل، ناضج تماماً، وأن لا تغريه مظاهر الشهرة الآنية التي ينطفئ وهيج شمعها آنياً كذلك، كما أننا لسنا في خانة تجاوز دور الجمهور، وتقبله فنحن بالنتيجة جزءٌ منه.
أستاذ شيار!!! أيناك من كل ذلكْ ؟

شيار آكري: قبل كل شيء أو التذكير بقصة مرض الشهرة الذي يصبح مع مرور الزمن هاجس كل ممتهن لعالم الفن، ولكن مع اختلاف الوسائل، البعض يرغب بالشهرة من الفن، لكن من دون أدوات، من دون مقومات، على مبدأ(الغاية تبرر الوسيلة) وهؤلاء من يقتلون الفن.
الكل يطمح بالشهرة حتى أبي وأمي، لكن كل واحد يتعامل معها بأسلوبه.الصراع قائم منذ أن خُلق الكون، وما يزال مستمراً.
كثيرة هي الأشياء التي بات ارتباطها وثيقاً بالفن، الأديان، الأحزاب، حتى الكل أصبح مرتبطاً بالفن

الأديان، الأحزاب، المجتمعات، الأفكار، حتى باتت الموسيقى تشكل واجهة ثقافية ثانية لأي مجتمع أو دولة. ومعها تغيرات المفاهيم، وأصبح للفنون أهمية ومعها تدخلت أبعاد أخرى، وبات الفن يشكل سلاحاً حتى، كل ذلك حور مسار الفن، ففقد بعده الإنساني، الروحي.

الفن الحقيقي يخرج من الدم والقلب، هو الذي ينتج بالشعور، وليس كل واحد يُغمض عينيه، هو صاحب إحساس، هناك الكثير يغمضون أعينهم بداعي التمثيل، وكسب قلوب البسطاء، لإيهامهم بمدى صدق الإحساس.

الفن الحقيقي يخرج من القلب، وهو يولد بالفطرة، ويكون مدروساً حسب العلم والقوانين، ومعه يكون اللحن، الأغنية، الأداء صحيحاً، وهنا يكون المنتج الفني خالداً، متكاملاً.
المظهر الخارجي مهم لكن الفن الداخلي أهم.

الفنّ الذي وسمته بفن الأسبوع، فعلاً هو قائم وهو ينتهي بانقضاء أسبوعه، أو يظل أسير حلقات الرقص، وهو جانب آخر من الفن، الذي بدأ ينتشر، كما النار في الهشيمْ.
الرقص كان مرتبطاً بالطبل والمزمار والمجتمع، بدل أن يرفع هؤلاء، لأنهم بشكل أو بآخر يعتبرون من حافظي الأغنية الفلكلورية، يذهبون ويسخرون من أصحاب هذه المهنة، أما الآن الغي الطبل والمزمار وحل محله البزق والاورك ولا يسخر منهم. وعندما يُقدم شخص على أنه فنان، نراهُ يذهب إلى أن يكون مطرب رقص، وليس غناءْ.
إن معظم مواهبي مترابطة ومتقاربة امزج بين هذه وتلك في كثير من الأحايين فأنا أخوض المغامرة في مواهبي الموسيقية مهما كان الراهن قاسياً علي،فهذه المواهب كلها أجندة عمل أفضفض بها عن انفعالاتي وخلجاتي الروحية والنفسية!وأحياناُ عندما أتأثر بمشهد ما، الجأ إلى إحدى هذه الآلات لكي تشاركني هذا الحدث أو ذاك! فلكل واحدة من هذه الآلات الموسيقية مكانها وزمانها وخصوصيتها في حياتي! ولكن الأقرب إلي هي آلة الطنبورة )الباغلما(التي أرى فيها كوامني الذاتية وأيضا استطيع من خلالها أطلاق سراح أفكاري الخصبة من فضاء داخلي إلى فضاء خارجي كيف ما كانت الآلية المستخدمة في هذا الإطلاق!
إن التطور في هذا الراهن عجلة دائمة الدوران.وان هذا الواقع المليء بالبشر يعمل بشكل سريع لئلا يتأخر مطلقاً ،ومن يريد أن يمضي مع هذه العجلة فعليه أن يغذي أفكاره بالثقافة والوعي والمعرفة لكي تتجدد روحه وعقله ويشرق له المستقبل .

مصطف:إرثنا الثقافي، الفني مشبّع بكم هائل من الإبداع والجمال والقوة، فيه صور وأحداث، وأنماط رائدة، مكثفة بصور التميز. ورواده كانوا أكفاء في تقديمه وتمديده، إذاً هم أدوا الأمانة بأمانة، ودورنا لماذا أراه ينحصر في محاولات لا تنتهي لتحديثه، لإعادة تقديمه، وتصويره.
أما كان حرياً بفنانينا إتمام مسيرة شعلة الرسالة بدل إعادة صياغتها؟
وهل ترى معي أنه يمكن القول أننا نسير بروية نحو فقدان هوية موسيقانا، وفنوننا تماماً، وخاصة أننا أصبحنا نتكل على النمط الغربي في الأداء ، والإنتاج مُتناسين الهوية الأصلية، والبيئة التي يجب أن تكون أساس كل عمل، وذلك الأمر بات يتجسد بشكل فعال مؤخراً من خلال أعمال بعض فنانينا الذين باتوا يتبنون النمط الغربي، ويحاولون إصباغ أدواته على فننا.

شيار آكري:هذا السؤال بشقين:
الأوّل: هناك الكثيرين من الذين يستولون على الفن وكأنه فعل وراثي أو ملك أجدادهمْ،يمدحون أنفسهم بأنفسهم، ويتكبرون بأجدادهم العظماء وأولادهم المبدعين وأعمامهم وأخوالهم.
وكأن الفن كتب على جبينهم، ولا يحق لأحد استخدامه سواهمْ. وآخرون نجدهم ينقادون خلف فكرة إعادة الصياغة، التي أقف في ركبها موقف المتفرج، باعتباري أركز أكثر على الجانب التوزيعي، والتلحين، وعلى جانب التهجين (الغربي - الشرقي) للموسيقى، وهذا ما ستجدونه، مع الكاسيت الذي سيوزع هذا العامْ.
الثاني: برأيي أنه لا يهم الآلة التي تعزف عليها، ولأي شعب هي، بل الأهم هو العزف عليها، وإتقان ذلك. فالعزف هو الذي يُطبِّع الآلة به، والآلات كلها جميلة \ الوترية و النفخية \ ولا فرق بين البغلمة والناي إلا بصاحبها، وقصة فقدان الهوية غير جائزة، مهما كان نوع الآلة التي يعزفها الفنان، فروحه تطغى بالنهاية.
أنا أعارض هذا المصطلح جملة وتفصيلاً، وأنا أتسمع على الشرقي وعلى الغربي، ولا يوجد فرق بين الموسيقى الشرقية والغربية إلا بالأداء السليم.
الموسيقى لغة العالم هناك الكثير من الفنانين يمزجون الموسيقى الأجنبية بالكردية بشكل صحيح يسخّرون الآلات الغربية لخدمة الموسيقى الكردية أو الشرقية ويستفيدوا منها، هذا من الناحية الإيجابية، أما من الناحية السلبية هناك فنانين يقوموا بتقليد الأغاني والموسيقى الغربية بطريقة تضيّع من الموسيقى النكهة الكردية فينسون لونهم الكردي ولا يتقنون تقليد الغرب وبهذه الحالة يشوهون الموسيقى الكردية أو الشرقية والغربية بنفس الوقت.


مصطف:لم يتمكن فننا رغم عراقة فلكلوره من تجاوز عقبة الخروج من بوتقة الحالة، والانطلاق إلى العالمية، واحتلال دور له فيها. بحيث أننا بتنا نعيش دوامة الإعادة، والتكرار، والتطبع بسماتٍ خاصة، لا تُميزنا، ولا تؤثر في مسيرة فكرنا الفني.
أنت ماذا تنظر في ذلك؟

شيار آكري:أعود لتكرار الفكرة ذاتها، وهي السيطرة الفئوية للكثيرين على الفن، واحتكاره ضمن العائلة، أو العشيرة، إضافة إلى أسباب أخرى، متعلقة بالمادة، والسياسة، وتاريخ المنطقة الحافل بالمشاكل.

المحور الثاني: فلسفة الموسيقى
مصطف: (الفراغْ(تلك المسافات الدقيقة المُتراكبة تباعاً، مؤلفة حالة خاصة تفرز نمطاً خاصاً، أثناء انغماسنا في بحر الحياة بتكرار روتينها وترتيب أحداثها.
ذلك الحيز الضيق المُتزاحِم في أدق تفصيلة تعيشنا، في أوسع فكر نعيشه...
سواء أمثلناهُ بلحظاتِ سكون الخلوة الروحية، أم بفتراتِ النشوة بعيد إتمام أركان عمل، أو بلحظات انتظار ترجمة فكرة تتوالد، أم مثلناه بالفاصلِ بين كلمة وأخرى أو بين نقرة وترٍ وأخرى أو بين ضربة طبلٍ وأخرى.
إنها فترة، حالة احتبال للفكرة التي تحاول إعادة تلوينها، لإعادة البدء.
أنت شيار أيناك منه؟ أتعيشه أم يعيشك الفراغْ.

شيار آكري: أن النوتة الموسيقية التي أدونها لحناً وعزفاً وتوزيعاً هي مرآتي التي تعكس جملة من أحاسيسي فهي كتوأمي الروحي تشاركني أفراحي وأحزاني وهي بديلة عن صوتي الرخيم وهي لغتي السجالية ،وعلي أن أتابع في تطوير أعمالي الفنية التي تدل على شخصيتي وعنواني الموسيقي، وأنا لا يعيشني الفراغ، أو أعيشه، طالما، أني أمتلك نوتة، وقلماً، وطنبوراً.
فالطنبورة تشاركني حتى في أوقات سكينتي ،إنها تستفز ملكوتي الداخلي وتحرضني على العمل أكثر وأكثر،شعرت بحبي وانجذابي إلى هذه الآلة التي تشرق منها الأصوات الذهبية وخاصةالطنبورة أجادلها بحركات ساحرة من أناملي وهي في المقابل ترد عليّ برنينها الشيطاني!

مصطف: (الانسجام..)نعيشُ عالماً تتداخلُ عناصرهُ في تناقضٍ وتآلفٍ وتماكبْ ضمن وحدة متضادة تؤلفُ لحناً أزلياً.
كلُ ما نراهُ أو ما نسمعهُ، وكل ما يحدث من حولنا "أوراق الشجر، تموجات المياه، زقزقة العصافير، صراخ الأطفال..." كل الأصوات، كل شيء يتحرك بفوضى، بتآلف، بضجة، وينتظم على إيقاع، وتيرة ما في انسجام مع تفاصيل الجزئيات.
إنه لحنُ الحياة، الطبيعة، الذي ينتظمُ برتابة، وتناغم في أوركسترا حية أزلية تسير بروح وإحساسْ.
أنت شيار، أين تجد ذاتك في ذلك الانسجام الطبيعي، وهل تعيشه؟

شيار آكري: في العصور الماضية كانت الأصوات صاخبة، غير منتظمة، ولكنها كانت قوية أيضاُ، وصافية، ولم تكن تحتاج إلى أية معالجة بالأجهزة الالكترونية كما نراه اليوم، لدى أغلب فنانينا.
السبب يرجع إلى جملة من العوامل (الفيزيولوجيا، البيئة، الغذاء، الوراثة...)

أما اليوم أصبحت الأصوات ضعيفة، غير صافية، أو نقية، لذا كان لجوء أغلب الفنانين إلى التكنولوجيا ومعالجة الصوت، وتراهم يصبحون ضعفاء على المسرح، بل ويتهربون منه.
العمل الموسيقي الحقيقي والهادف هو الذي يبرر وجوده ويستمر طويلاً .لذلك ومنذ نضوج حسي السمعي! تفاعلت معه أيما التفاعل ¡ وهي تشاركني في إنتاجي الموسيقي من معزوفات وألحان وأيضا التوزيع الموسيقي لأنني أقدم نتاجي إلى فنانين آخرين غيري أصبح لفنهم صدى جيد.

مصطف: (الانتشاء( حالة خاصة من اللاشعور، من التحرر الجميل من سلطان الجسد، المادة..
إنه نمط من التفاعل، التأقلم الكلي مع اللحن،والغوص في تفاصيله.
إنه قدرة طاقية للخروج من الذات، ووسيلة للارتقاء إلى الفضاء الروحي، إلى تلك العوالم الخفية، واكتشاف أبعاد جديدة.
كلٌ منّا يحمل في داخله طاقة هائلة مدخرة تحتاج إلى صيغة، شيفرة لتحريرها، ومن خلالها تتم المعجزاتْ.
إنه تحميل الجسد والروح ما يفوق طاقتها، وعقبها يكون الألم مثل المتعة أعظمْ...
هل تخوض بحور هذه الحالة السديمة؟

شيار آكري: الفن السليم في الشعب السليم، حسب قناعتي الحياة كلها فن بفن كل شيء وكل عمل هو فن... النوم فن، غسل الوجه فن، الرياضة فن، الخبز فن......

والحالة التي يصلها أي فنان، حالة التفاعل التام، مع المقطع، نرى الكثير من المتسمعين أيضاً يخوضوها، وهي حالة بذل أقصى طاقة، بتوائم تام.
لكن استطيع أن أفسر كلمة الفن، بمعنى آخر، جرى تحويره عند فئات عديدة حاولت قتل المضمون الروحي، الإنساني إلى معنى آخر وهذا الشيء بات دارجاً في يومنا، وهو الفن الخادع.

و هذه الخدعة كانت وما زالت مستعملة حتى يومنا هذا.

مثال عندما يكون شخصٌ ما، موهوبا في عمل ما، يأتي شخص آخر، ويقوم بتقليده، أو تحويره، وإعادة عرضه، بداعي أفضلية ظروفه، وكون الإعلام لصالحه.
والناس ينخدعون بسرعة إلا القلة الذين يعرفون الحقيقة، وهذه برأي تعتبر من أفظع الأعمال.
نمطٌ آخر يوهمك حينما يغمض عينيه، بأنه خارج إطار الزمان، وأنه متأقلم مع الأغنية، لكنه في موقف تمثيل، وسرعان ما يتضح ذلك، لأننا يمكن أن نزور كل الأشياء إلا الروح، لا يمكن الكذب عليها.
إذاً، أي محاولة للإنتاج الفني(غناء، عزف، تلحين) هي عندي حالة ولادة طبيعية، فطرية، وهي الحالة الصحيحة للعمل، وليس حالة تمثيل ذلك.
كنت قويا بالتوزيع الموسيقي لكنني لم أكن ذكيا في الدعاية و في اكتشاف أعدائي من أصدقائي الكل كان يأتي و يتعلم مني ثم يتركني و يتكلم عني بالسوء و الأحزاب أيضا لم يدعموني لأنني لم ادعمهم
وكان الجميل أن أجد أنه بات في كل بيت جهاز كمبيوتر والكل أصبح موزعاً موسيقياً وبدئوا بتشويه سمعتي بمساعدة الشركات الإنتاجية لكنني لم استسلم تابعت مسيرتي الفنية حاولت الكثير من المرات أن اذهب لأوروبا _ليس حبا بأوروبا_ إنما للهروب من هذه العصابات لكن لم يساعدني أحد فاضطررت للذهاب إلى تركيا فاستقبلني الجمهور هناك استقبالا حارا وأعطوني قيمة فنية.

ويبقى أن نختم بفكرة أن جملة الفنون هي لغة، وأنواعها لهجات تلك اللغة، نعيش حالاتها بروحنا، ونحاول أن نتعلم مفرداتها ، محلقين في بحور صورها في محاولات لكشف السر وتعلم المنهج.
لغة مجردة، مشفرة بتلقينات الروح، وأبعاد الخيال، وسيلة خارجة للتعبير عن عمق الشعور، وترجمة تبعيات الإحساس، تجعلك في حالة اتصال مع أشياء أعظم منك.
وسيلة اتصال بأشياء أقوى، وأكثر اقتداراً ورفعةً.
إنها ليست مجرد نماذج مقولبة تريحنا أو تلهينا، بل هي أبعد بكثير من ذلك، إنها إيديولوجيا، ترافقت كظل لجملة معتقدات الإنسان حتى كانت آلهة تمثلها!

المصدر: http://www.shababkobani.com/vb/showthread.php?t=11942&page=2#ixzz101aw3CLn
 

User offline. Last seen 11 سنة 52 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 31/01/2007

شكرا عالحوار

بس العفو اغلب افكار الحوار مأخوذة من اللقاء الحصري لكوليلك