لبسنا الأقنعة ورحلت القناعة...

لا يوجد ردود
User offline. Last seen 6 سنة 4 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 28/02/2011

لبسنا الأقنعة ورحلت القناعة، وما من احد مرتاح في حياته. الكل موجوع وفي حالة جوع حيث لا شبع بل الكثير من الطمع.

حتى اكثر الناس جمالا....  حتى كليوباترا كانت تحيا حياة التوتر وعدم الرضى بسبب انفها، هل هو طويل اكثر من اللزوم؟

ما الذي جعل إمرأة في غاية الجمال مثل مارلين مونرو تنتحر؟  إمرأة جميلة... وليست كاملة، لم ترَ نور جوهرتها الداخلية، لم تسمع انغام نفسها الابدية.

علينا أن نعلم والعلم من العليم، ان جميع الوجوه مزيفة. من يلبس وجوه الكذب والرياء ويساوم ويجامل يتحول الى معتوه. لا راحة الا مع الحقيقي... والحقيقة لا وجه لها.

هذا ما يسميه حكماء التأمل بالوجه الاصيل. حين ياتي العطشان ليشرب من نبعهم يقولون له: اذهب وتأمّل وجهك الاصيل...  

وجهنا الحقيقي لا وجه له... أعلى من أي شكل او صورة... لكن على مر السنين علّمونا وعلّبونا لنلبس وجوه تناسب المجتمع، ونسينا بل تناسينا ان الله خلقنا على صورته ومثاله، واصبحنا مجرد صورة مكسورة.

جميعنا نور من نور. وشاء النور أن يتجسد باشكال ووجوه من باب المحبة والرحمة والاحتفال لا اكثر. ويبقى الاصل نور والوجه سور اذا لم نعبره لن نتمكن من معرفة نورنا الذي لا وجه له.

والآن هذا المثال من باب الاحتفال بوجهنا الحقيقي... اذا نظرنا الى وجهنا في المرآة، ماذا نرى؟ انف وعينان، رموش وفم وأذنان.. هذا ليس وجهنا... إنه وجه الجسد. عملية جراحية وسيتغير الشكل، لكن هل سنتغير نحن؟  كلا لن نتغير. نعم التغيير نظام ثابت، لكنه يحدث على السطح. فلنبحر في كياننا وسنرى الشاهد على كل تغيير. هو حقيقتنا ونورنا الاتي من الازل، الباقي الى الابد، واحد صمد مدد.

هذا هو سر انتحار مونرو، وتعاسة اغلب النساء الجميلات. وجهنا الجسدي لا يكفي رغم كل الجمال، فسرّ السعادة هو في التكامل والاكتمال بنور الجلال...  

الفناء يتجسد فتراه عين الجسد، لكن عين البصيرة ترى بنور الله... ترى ابعد من حدود الاشكال والاحجام... ترى حقيقة الفناء... والحقيقة هي ان الفناء لا شكل له. وفينا انطوى العالم الاكبر... اي ان الروح او الوعي هو تمدُّد للفناء، للمحبة. هذه الروح ابدية سرمدية، جزء من الاصل، من الله، وحين تاتي لحظة القيامة، حين يولد الانسان ولادة روحية، تتحلل وتذوب فتختفي الحدود وعندها لافرق سواء قلنا النقطة في قلب المحيط ام المحيط في قلب النقطة... في تلك اللحظة تعجز الكلمات وترحل المعاني ولا تبقى الا الحقيقة، الا وجهنا الاصيل الجليل.

الجسد هو مكان يلتقي فيه المُحب مع المحبوب، العابد مع المعبود، المادة والروح. انه الحاوي وليس المحتوى. وحين تتناغم المادة والروح، يتحول اللقاء الى وجد ونشوة ابدية.. يصبح الله هو الانيس والونيس ورفيق الطريق.

اختفت العلاقات الحميمة والرحيمة بين البشر وحلّ الجفاء وانعدم الوفاء، لماذا؟ لان كل انسان يشعر بأنه ليس مجرد شكل او فكر... كل امراة تشعر بانها ليست فقط جميلة ونحيلة ... هناك ما هو ابعد، ما هو اكثر...ما هو اعمق وانقى واطهر... ولكن من منا تعرّف على جوهرته؟ من منا وجد وجهه الحقيقي وذاب وتحلل في حضرته؟ كلنا يرى بعين الجسد... يرى الجسد فيشتهي ويخطط ليرضي شهوته... ولا نهاية للشهوة... لاننا لم نستخدمها كمفتاح لنفتح معا باب النور ونعبر الجسور.. ما زلنا ندور وندور من امراة الى اخرى ومن مال الى مال، والشهوة كالقهوة، متى تعودنا عليها تصبح ادمان كالدخان رغم انها باب لندخل، جسر لنعبر لا لنبني عليه منازل ونسكن...

لن ترضينا أي علاقة... وما نفع المال والجمال؟ فالمال للورثة والجمال يذبل وموت الجسد اتٍ لا محالة. سلامنا وقناعتنا واستسلامنا ستكون في التعرف على من يسكن هذا الجسد... على الجمال والوجه الحقيقي، الاجمل من كل جميل والاعلم من كل عليم... عندها لن نسعى وراء عمليات التجميل فكيف لنا ان نكون اكثر جمالا؟ ولن نسعى وراء المعرفة الميتة لاننا سنعرف وقتها اننا لا ولن نعرف شيئا... لن نسعى وراء اي علاقة فحينها ستختفي كل رغبة وشهوة للتلمك والسيطرة والشهرة ووووو.... عندها فقط سنسترخي... سنعرف طعم الراحة وينبع الاستسلام والسلام... لا شيء افعله لاكون اكثر جمالا وتميزا، انا جميل ومميز بالفطرة... ومن رحم الفطرة يولد الاحساس بالقناعة.. والقناعة كنز لا يفنى....