فيروز وزياد يقبلان شفاه الصباح

لا يوجد ردود
مشترك منذ تاريخ: 05/11/2010

                         فيروز .. وزياد  يُقبّلان شفاه الصباح ..!!

                         --------------------------------------

                                                                          نضال الماغوط

 

 وكما النبع المتدفق وسط الصحراء .. وكما سحابة تمزق سماء التفاهة.. لتمطر فراشات أمل ٍ في ليل ٍ طويل ٍ من هيمنة غبار الأنحطاط  الذي يثيره المال النفطي والطفيلي عبر فضائيات العهر العولمي.. أيقظنا صوت فيروز الذي يقبّل عيون الصباح معلنا ًتفتح زهرالضوء..ليقول لنا بحنان الأمهات الممزوج بالشاي والزيت والزعتر (  في أمل ..أي في أمل.. أوقات بيطلع من ملل.!!!)

أما من تعوّد على فيروز التي غزلها نولُ الأخوين رحباني وفيلمون وهبي... ومحمد عبد الوهاب وآخرون   (وحتى زياد ..ساهم في هذا النسيج ) ،سيأتينا بكل تأكيد غاضبا ًو ساخطا ًو ناقما ً ليقول لنا أن زياد الرحباني قد نزع أمه..!!؟هذا الموال الذي سيغنيه هؤلاء اليوم  والذي غنوه فيما مضى منذ أن غنت فيروز عهدير البوسطة.. إذ ثارت ثائرتهم يومها  ولم تهدأ وزعموا أن هذه الأغنية قد ولدت ميتة..!!فمن غير المعقول أن يكون في أغاني فيروز خس وتين وهدير وبوسطة وواحد هوي ومرتو يي شو بشعة مرتو..! وجن ّ جنونهم يوم صدر كاسيت كيفك أنت ..وغالبا ً كان هؤلاءغير قادرين على استيعاب هذا التغيير وهذه النقلة في الفن الفيروزي والمشكلة في اعتقادي لا تكمن في الموسيقا التي يخلقها زياد تأليفا ً وتوزيعا ً..فحسب بل المشكلة الأساسية عند هؤلاء  تكمن في طبيعة الكلمات التي يكتبها زياد والمفردات التي يستخدمها إذ لا يتجرأ شاعر آخر غير زياد أن يكتبها وقد لا يستطيع ملحن آخر أن يلحنها ويوظفها في سياق الأغنية كما يرتكبها ابداعيا ً زياد..( بشعة كتير و يخف كتر النق .. ماتحرقصوا ..كذاب ...الخ )

إن مشكلة عدم الفهم ليست مأساة زياد الرحباني فقط بل عاناها كل المجددين والمبدعين الذين قدموا خطا ً جديدا في الفن  أو السياسة أوالفكر حين استطاعوا تحطيم  التقليد والتكرار عبر توليد الجديد الابداعي لأن وعي المبدع سابق ومتقدم على وعي الآخرين ومن هؤلاء  المبدعين  على سبيل المثال  القصبجي والرحابنة وسيد درويش فالقصبجي الذي لحن لأسمهان أغنية يا طيور الخالدة والتي تعد فتحا ًفي مجال التلحين لم يستطع ان ينال جائزة الدولة التقديرية التي نالها عبد الوهاب  وأم كلثوم وآخرون أقل منه موهبة بكثير لأن مانحي الجائزة لم يكونوا قادرين على فهم التجديد الذي قدمه على صعيد الموسيقى العربية والدور الذي لعبه في خلق أسمهان الفني..(والذي كان يدركه فريد الأطرش تمام الادراك حيث اعتبر بأنه كان يمكن لأسمهان أن تحتل مكانة لا يمكن لأحد أن يحتلها في الغناء العربي من خلال ألحان القصبجي..!!)وانتهى هذا الملحن العظيم فيما بعد إلى مجرد عازف عود في فرقة أم كلثوم  وهو الذي كان مرجعا ًوموسوعة موسيقية -كما يقول صميم الشريف - حيث  كان معهد الموسيقا العربية يستدعيه في أية مشكلة موسيقية عويصة .. لابل كان السيد درويش ذاته يأخذ برأيه فيما يخص المقامات الموسيقية ، لكن أغانيه ما زالت قادرة على التنفس والحياة إلى وقتنا الراهن مثل(أيمتى حتعرف )أو (أغنية أنا قلبي دليلي ) التي ظهرت عام 1948 والتي اعتبرها آنذاك الفنان محمد فوزي  أغنية قادمة من عام (2000) ، كما جوبهت فيروز بالرفض والاستهجان في بداياتها مع الأخوين رحباني (ومعروف موقف العداء الذي اتخذه منها فخري البارودي  والذي تراجع فيما بعد عن موقفه إذ أصبح من أشد المؤيدين للغناء الفيروزي والفن الفيروزي )..وأذكر مرة أني قرأت في مذكرات السياسي السوري والوطني الكبير خالد العظم رأيا ًيُتفّه فيه العبقري سيد درويش باعتباره مخربا ً للموسيقى والغناء العربيين ....!!!؟؟

كما أسلفت المشكلة بين هؤلاء وزياد تكمن في الكلام الذي يلتقطه من أفواه الناس العاديين والبسطاء والذين لايتحملون أن تردده فيروز والتي تعودوا عليها في نمط غنائي  معين شاعري ورومانسي ..هذا النمط الذي حطمه زياد في قسم كبير مما أنتجه لفيروز إذ أن أصحاب هذا الرأي كثيرا ماسيندهشون حين يعلمون أن أغنية يا جبل الشيخ أو بعتلك يا حبيب الروح أو زعلي طول أو قديش كان في ناس أو سألوني الناس أو وحدهن أو .. أو .. أو..هي من ألحان أبو علي زياد.. إن عبقرية زياد لاتكمن باعتقادي في الموسيقى فحسب بل بالتقاطه روح الانسان البسيط ولغته المرمية على رصيف الحياة وهمومه العامة والخاصة بخلفية موسيقية شاعرية عموما

في الألبوم الجديد تقدم فيروز مجموعة أغنيات بعضها معروف سابقا ًولكن بتوزيع جديد وبعضها جديد تماما ً( قصة صغيرة كتير – قال قايل عن حبي - الله كبير- كل ما الحكي –أيه في أمل – ما شاورت حالي ) أما الأغاني المعروفة لزياد سابقا ً فهي ( كبيرة المزحة هاي -  والأرض لكم )وأعاد توزيع أغنية البنت الشلبية المعروفة .. كما أعاد صياغة كلمات وتوزيع أغنية ( بكتب أسمك يا حبيبي) لتصبح بمثابة تحية لعاصي ومنصور  وتعبيرا ًً عن موقف  رافض للمشاكل التي أثارها أولاد منصور مع مرت عمهم ..فيروز ..!!

ترجع ذكرى يا حبيبي ..عن عاصي ومنصور

عأرض الياس العتيقة ..كلشي حولا جسور

بكرا بتشتي الدني والطرقات مسيّحة

بيبقى أسمن قد الساحة ما عم ينمحى

بيبقى أسمن يا حبيبي  ماعم ينمحى

وكالعادة يمرر زياد  مقطوعتين موسيقيتين جميلتين ( تل الزعتر – ديار بكر )

وأنا هنا لا أقدم تشريحا ً لأغنيات فيروز وزياد الجديدة .. فهذا بالتأكيد يتطلب ثقافة موسيقيةعميقة بل هي دعوة لسماع الألبوم وللتأكد من أنه وكلما سمعنا ه  مرة جديدة سنجد أمرا جديدا وسنزداد تعلقا ً فيه وهذه سمة من سمات الفن المبدع الذي نستغربه بداية ونألفه فيما بعد ويسحرنا لاحقا ً ..والذي أنا متأكد منه أكثر أنكم سترقصون معي وبسعادة على ألحان( حبيت ما حبيت ما شاورت حالي ) وستعلمون أنه هناك أمل أيه في أمل طالما هناك فيروز وزياد... وبشر يقاومون البشاعة والقهر ..يجددون الموسيقا والحياة   .. كي لا يسود العفن ولا يفسد الهواء ..!

نضال الماغوط