ثقافة التناقض

12 ردود [اخر رد]
مشترك منذ تاريخ: 23/12/2005

 
 
مرحباً بك أيها القارئ الكريم  ، أتمنى  أن تنعم بالحب والسلامة والأمان أنت ومن تحب .
 
منذ عدة  أشهر عندما زرت أخصائي التغذية للإشراف على حميتي، بدأتُ زيارتي مباشرة  بسرد القائمة التي تكون عادةً من شأن الأخصائي ذكرها لا المراجع ، فكان من جملة ما قلت : ” أعلم أنه علي اتباع برنامج رياضي ، والابتعاد ما أمكن عن الماكرونات والخبز والرز والحلويات بل النشويات بكل أنواعها والسكريات وما صنف حولها ، ولا يخفى علي وجوب شرب لترين من الماء في اليوم وانتظام مواعيد الطعام والنوم له دور كبير جداً في نجاح حميتي  كما أن الأملاح والمخللات من أكثر العوامل التي تسبب احتباس السوائل…. .” قاطعني الطبيب بقهقهة بليدة  بعد بعض الدهشة  ، سائلاً : فلم أنتِ هنا إذن ؟ !
 
الحقيقة أني لم أعلم لِمَ ، ولعلي حتى اللحظة لم أجد جواباً أكثر منطقية على سؤاله من ( التناقض ) فبالرغم من معرفتي لكل أسباب السمنة إلا أني أتبعها ، ورغم معرفتي بسر التخلص منها إلا أني غير مبالية بشكل فعلي ، والأهم من ذلك أني مهتمة جداً باسترجاع صحتي ، و راغبة بشدة في الحصول على وزن مثالي ، إلا أني لم أخطو من قبل سوى خطوات شبه فاشلة تثمر عن انقاص كيلوين أو ثلاث ثم عودتهم أضعافاً !
 
أرى الكثير من تفاصيل حياتنا هكذا بالضبط ، نعيشها بتناقض عجيب ، والأدهى من ذلك كله أننا نمزج هذا التناقض بثوب رقيع من المكابرة والإنكار .
 
فكم منا أحب بل ربما عشق ، ثم كان سبباً في شقاء محبوبه وإهانة كبريائه ، وكسر شوكته ( على حد زعم الأول ) لأتساءل بعدها : هل بين المحبين أشواك ؟! ربما ..
 
كم منا يعلم يقيناً أن الوقت مهم لا يُعوض ثم يُهدر بالساعات الطوال أمام شاشات التلفاز والانترنت و النوم وغيرها من المسليات مستسلماً لها مكابراً متعذراً بأنه متنفس وحيد له وراحة من عناء يومٍ شاق ؟
 
كم منا يدندن بأهمية العلم وقدسية مكانته ، ثم لا يخطو نحوها سوى خطوات الحصول على الشهادة ، ومن ثم توظيفها فيما هو أهم بالنسبة إليه وأولى أياً يكن هذا الأهم ؟ !
 
كم منا يشعر في صميمه بروحه الجائعة في ثنايا فؤاده ، وتئن للغذاء والسكينة ، ومع ذلك نلجأ للصخب والتطاول والفرار من أغنى مصادر هذا الغذاء ؟
 
كم وكم منا يصارع مواهبه حين تأجج في صدره الطموح ، فيعتق هواجس  نفسه ومخافه الوهمية ، لتطعن مهاراته وقدراته فيصبح عالة على المجتمع بدلاً من كونه يداً عليا ؟
 
كم منا يدعي الفضيلة ، ثم يكشف عورة القريب والبعيد ، ويكون أول من يغتال تلك الفضيلة ، ثم ينكر  ويكابر ، أياً كان نوع تلك الفضيلة؟!
 
كم منا يدعي سروره بنجاح الآخرين ، و هو في قرارته يموت كمداً وغيظاً ، وغيرةً تأكل قلبه ، أتساءل جداً لم؟ أيسرق نجاحك أم يستعمر أفكارك ؟؟ 
 
كم وكم منا يدعي الفهم  والفهم منه براءة ، وإن حاولت شرحاً استهجنك ، بل بالغ في ادعاء الفهم وهو يدور حولك ويدور ، وأنت في نهاية المطاف خارج تلك الدائرة ؟
 
كم وكم أثبتت من الأمور علمياً في دراسات وتجارب ، وكلها أكاذيب وأقاويل ، وادعاءات وافتراءات ، والأدهى أن الكاذب الذي جاء بهذا التلفيق يعلم بكذبه وزوره والأسوء من ذلك تصديقنا له والجري وراءه !!
 
كم منا يتدخل في شؤون غيره ويعايره وينقده ببعض الخصال ، وهو مليء بها من رأسه حتى أخمص قدمه ؟
 
إن كان عليّ جمع كل المواقف والتناقضات في الحياة فإني لن أقف عن كتابة هذا المقال حتى آخر لحظة في العمر ، إلا أنه  جدير بالذكر فعلاً تسليط الضوء على أسوأ تناقض في الحياة ، وهو أن نزين  ما يخصنا أمام الأعين  بأجمل  وأكمل ما يمكن ، وفي  دواخلنا نار تحرقها و تودي ببراءتها ، و بكل الأسف فإنها تصل أحياناً إلى حدٍ نصدق معه تلك المظاهر التي  ندعيها ونتناسى الحقائق التي نطوي صفحاتها  ونسدل عليها الستار ، فتبقى العيوب والشوائب  ثقوباً في أثواب نفسياتنا و شخصياتنا  ويبقى ذلك الغطاء أمام الناس يشف عما نضمر ، تفضحها سلوكياتنا التي تعكس رغماً عنا ……….. الحقيقة ………..
 

مشترك منذ تاريخ: 30/11/2009

هذا التناقض بين القول والفعل من أشد العوامل هدما للإنسان والمجتمع ، ولذلك استحق المقت العظيم عند الله تبارك وتعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (*) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ

وقد جاء بعد هاتين الآيتين قوله تعالى:

إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ

لإعلامنا أن التناقض بين القول والفعل مانع من الوصول للبنيان المرصوص الذي يحب الله عز وجل أن يكون المؤمنون مثله، فإما توافق بين القول والفعل نحو بنيان مرصوص، وإما تناقض بين القول والفعل نحو بنيان متداع للسقوط.

شكرا لك أستاذة  هدية.

ربِّ زدني علما

مشترك منذ تاريخ: 17/12/2008

هي هكذا رحلة الكمال لن يستطيع الصبر عليها إلا من اعترف بنقائصه .... وأدرك أهمية المواجهة والمداواة ....ومن خبرة معايشة الآلام ومداواة الجراح تكونت لديه ذخائر الحكمة رويدا رويدا... فلم يترك يدا ممدودة إلا شد عليها  ولا قلبا مهموما إلا شاركه الحزن.... تاركا المنظرين في أبراجهم العاجية يهرفون بما لا يفقهون إلا ظاهرا من القول يفتن به الجاهلون....
 

User offline. Last seen 7 سنة 28 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 19/07/2007

تحياتي أختي الغالية هدية ..


أبدعتِ في العرض والتشخيص ..


أضيف إلى ما ذكرت بأن التناقض يظهر بالعادة عند الذين يفقدون المبادئ في الحياة .. فالعقل الخاوي من الفكر والمبدأ يتعرض لهذا الداء النفسي .. والذي يكوّن شخصية مضطربة وغير متوازنة في معظم سلوكياتها .. لعدم وجود الأساس الفكري والعقدي.. وبالتالي تضطرب حالة صاحبه .. فيذهب يسرة ويمنة وفق المصلحة والهوى .. أو حسب ما يأخذونه الآخرون هنا وهناك ..


والتناقض من أكبر عوامل هدم المجتمعات وتأخرها .. وبالمقابل فإن الإيمان بالمبادئ قولاً وعملاً من أهم عوامل البناء والتقدم فيها.. والشاهد على ما أقول حال مجتمعاتنا التي تعج بالمهرجانات والشعارات وبيع الوطنيات  مع التصفيق والتصفير وغيره .. إلا أننا من أكثر المجتمعات تخلفًا وجهلاً وفقرًا .. لأن جميع هذه الشعارات والنداءات خلبية لا تستند إلى قناعات ثابتة .. وأما المجتمعات المتقدمة فإن لديهم قناعات يترجمونها إلى واقع بالعمل والحركة وليس بالضجيج والصخب ..


والسلام عليكم ..

مشترك منذ تاريخ: 27/09/2007

كل الشكر على هذا الطرح الرائع أختنا هدية

حقا إن ثقافة التناقض تملأ صفحات حياتنا من الطفولة إلى الوفاة .
و هي تسير بالتوازي مع التناقض الذي نلمسه و نتعلمه
في الكتب و بين حياتنا الاجتماعية و التربوية .
حيث يشعر كل منا بوجود هذا الشرخ الكبير بين هاتين الثقافتين
فنحن - و للأسف - نعد من الرواد في حفظ المفاهيم
والأنظمة لكننا أبعد الناس في تطبيقها و تنفيذها على أرض الواقع .

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

علمتنا الحياة أن ندفع ثمن كل ابتسامة سيلا من الدموع

صورة  Derya1988's
User offline. Last seen 11 سنة 39 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 24/07/2009

ذكرني مقالك بموقف 00000000

منذ عدة أيام شاء القدر أن أشارك شخصا يكبرني بالعمر كثيرا جلسة تبادلنا فيها أطراف الحديث وأحببت أن أستفيد قدر المستطاع من تجربته في الحياة وجاء حديثنا عما تفضلت في طرحه فعندما  بينت له رأي أخبرني أني مثالية أو بالأحرى خيالية ففكرت ألست ممن يعيشون في هذا الكون لما يصفني بالخيالية

فحزنت لوصف ربط الأنسان بين مبادئه وأفعاله بأنه ضرب من الخيال وفهمت منه و كأني سأعيش لفترة معينة في حلم و بعدها سأفيق من حلمي لأكمل حياتي الطبيعية بنظره وربما بنظر أغلب الناس وبصراحة فكرت لاحقا أن في كلامه شيء من الصحة ربما بعد ما يتقدم بي العمر أن أفكر مثله الله أعلم لأننا في مكان وزمان أذا فكر المرء بالتقدم بخطوة للأمام يرجعك كل الظروف التي تحيطنا بعشرة للوراء

أشكر طرحك المميز وأسعدني قراءتي لمقالك وكل التوفيق لك

لكي تحافظ على أحترامك لنفسك من الأفضل أن تزعج الناس بفعل ما تعرف أنه الصواب على أن ترضيهم بفعل ما تعرف أنه الخطأ.....

مشترك منذ تاريخ: 23/12/2005

د. بهاء الدين .. استشهاد جميل

وكم من تناقض بين الأفعال والأفعال وبين ضمائر الضمائر والأفكار والتنظير والتطبيق

وفي النهاية فإن القول أحد المرايا العاكسة لهذا التناقض

أشكرك جزيلاً 

 

Ehmed-s : وهذا رأيّ أيضاً ، الاعتراف بالنقص أقصر الطرق إلى الكمال

بوركت

 

 

صورة  sojye strinerm's
User offline. Last seen 5 سنة 46 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 12/01/2010

 

 

قاطعني الطبيب بقهقهة بليدة  بعد بعض الدهشة  ، سائلاً : فلم أنتِ هنا إذن ؟ !
لقد فهمك إذا" .... و الضحكة ليست بليدة ... بل استنكارية
فبالرغم من معرفتي لكل أسباب السمنة إلا أني أتبعها
خلصك الله من سمنة العقل لتتخلصي من سمنة ما يتحكم به
فكم منا أحب بل ربما عشق ، ثم كان سبباً في شقاء محبوبه وإهانة كبريائه ، وكسر شوكته ( على حد زعم الأول ) لأتساءل بعدها : هل بين المحبين أشواك ؟! ربما ..
ما دمت قد رأيت الأشواك فأنت في الطريق الصحيح ...... و هي موجودة لا محالة
 

فليبحث من يعاني هذه الطباع عن الأشواك في قلبه ...... فالعقل لا يكفي ... و الايمان ما وقر في القلب و صدقه العمل

و لينزعها بأشواك بيضاء

لا تعلمين مدى سعادتي بأشواكك هذه ........

stiryê min diyarîne jibo ê jiwan hezdikim

مشترك منذ تاريخ: 23/12/2005

سوار

عماد

شكرا لكما

 

Derya1988 : أتمنى أن تبقي في ذاك السبات :) إن كان سيضفي على مجتمعنا بعض الجمال

و خذينا معك إلى تلك الأحلام الجميلة ، لعلنا نطبع بعض بصماتها على الواقع

أسعدني حضورك

 

 

 

مشترك منذ تاريخ: 23/12/2005

sojye strinerm

 قهقهة الطبيب تعكس تناقضاً آخر  ولهذا وُصفت بالبلادة

فالمريض يشفى نفسياً قبل الأدوية البلهاء التي يصفها ( بعض ) الأطباء وهم يحسبون أنهم يحسنون وصفاً وتشخيصاً 

لا يحتاج المريض في كثير من الأحيان أكثر من مجرد الطبيب الإنسان !

وأما قصة زيارة الطبيب و الحمية و السمنة  ، فكانت صياغة  لمواقف التناقض تشبه أكثر من غيرها كل مواقف الحياة..

سعادتي بأشواكك أكثر  !

 

gul
صورة  gul's
User offline. Last seen 5 سنة 22 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 21/10/2009

.

مشترك منذ تاريخ: 23/12/2005

أهلا gul ومرحبا

بقدر لطفك أشكرك

كما أشكر الأخ sojye strinerm إذ كان طريقاً لمعرفة النبل الكبير في قلبك

ثقي أني كنتُ أقرأ رده وأنا أبتسم :)

وكتبت ردي وأنا أبتسم :)

لم أفهم من رده سوى الخير ، ولم يثر رده سوى احترامي وتقديري

وعلى كل حال فإحسان الظن عندي دوماً أولى

 

أعود لأشكر رقيّ محاولتك لتصفية أجواءٍ لم تتعكر مطلقاً 

لك الود مجدداً بقدر لطفك ورقتك

 لكني بأمانة أتساءل  لم تُرك الأهم في بعض الردود في كثير من المواقع

وتم التركيز على سمنتي ، هذا إن كنت قد وصلت إلى حد أوسم معه بالسمنة !!

 

 

و في نهاية هذا المقال  أستودعكم الله جميعاً لألتقي بكم إن شاء الله بعد عودتي من السفر

والذي قد يستمر لشهرين أو أكثر بقليل

 

السلام عليكم

صورة  sojye strinerm's
User offline. Last seen 5 سنة 46 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 12/01/2010

لكني بأمانة أتساءل  لم تُرك الأهم في بعض الردود في كثير من المواقع

وتم التركيز على سمنتي ، هذا إن كنت قد وصلت إلى حد أوسم معه بالسمنة !!

 

لأنها النسيم الذي دفع مزنك لتمطرنا بكل هذا الخير ... و لولاه لما انتعشت قلوبنا بربيع التوافق

و بالرغم  أنك أنت من ترين نفسك هكذا ....... أعتقد أنك لست كذلك كثيرا" ( حوالي السبعين كغ !؟) و أنك قوية كفاية .... لتكون حركتك سريعة .. و كذلك كلامك الذكي ... هذا ما تهمسه لي قفزات أحرفك ...................... تقبلي أشواكي ................................................................................. هدية

أخشى أن لا تكون أشواكي بهذه الجودة .... فإنك تلبسينها أزهارا مختلف ألوانها تسر الناظرين

أو ألا تكون القلوب كلها مجهزة بالمغارز المؤلمة للحكمة ............................................................................................................. gul

stiryê min diyarîne jibo ê jiwan hezdikim