خواطر من الطفولة الضائعة (9)

4 ردود [اخر رد]
User offline. Last seen 7 سنة 32 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 19/07/2007

تحياتي أحبّائي في كليلك ..

هذه الحلقة التاسعة من سلسلة (خواطر من الطفولة الضائعة) .. والتي رسمت في ذاكرتي بعض الملامح الحزينة عن فترة مهمة من طفولتنا .. حين انتقل بنا الزمن بتطوره التقني من حالة الانكماش على الذات وما حولنا من ملهيات بسيطة.. إلى حالة الاطلاع على خارج هذه الدائرة الضيقة ومعرفة أحوال الشعوب والأمم عبر ذلك الصندوق الذي يسمّى التلفزيون.. وإليكم الحكاية من البداية ..

التلفزيون..

من يتذكر بداية اقتناء الناس للتلفزيونات؟!..

أتذكر تلك الأيام .. فقد كانت عدة عوائل فقط من لديهم هذه الآلة المرئية الناطقة .. إما عوائل ثرية نوعًا ما .. أو عوائل تحب الشهرة بين الناس ليقولوا عنها أن لديهم تلفزيون.. وإن كان الثمن الذي اشتروا به دينًا أو قرضًا إلى موسم الحنطة أو القطن .. لا يهم كثير من الناس هذه الإشكالات .. بل المهم أن يكونوا معروفين بالوسط الاجتماعي أنهم فعلوا كذا وكذا ..

ومن كان لديه تلفزيون ملوّن يكون أشهر من علم في رأسه نار .. ويكون إقبال الأطفال على باب بيته أكثر ..

نعم .. دخل هذا الصندوق الناطق مجتمعنا الكردي الفقير .. بصورة متدرجة .. وربما لم تكن هناك إلا محطة سورية وأخرى عراقية.. ولكن ما تعلق بذاكرتي وترسخت مذ ذاك الوقت في ذهني .. تلك الجماهير البريئة من الأطفال الذين تبدأ تجمعاتهم بعد العصر على أبواب هذه العوائل .. لمشاهدة التلفزيون .. وكنتُ واحدًا منهم .. وكان من حسن حظي أن أحد الجيران المقرّبين من بيتنا كان لديهم التفلزيون.. فكنتُ عضوًا دائمًا عندهم.. :wink:

يتجمع الأطفال على باب (أبي فوزي) وينتظرون وقتًا طويلاً حتى يفتح لهم الباب .. هذا إذا فتح الباب!! .. لأنه في الغالب يطردهم ببعض الكلمات القاسية .. إلا إذا كان سعيدًا في ذلك اليوم وكان مزاجه (رائقًا) .. أو جاءته الأوامر من وزارة الداخلية (أم فوزي) بالسماح للصغار بالدخول :lol: .. وأحيانًا يقف أحد أولاد هذه العائلة على باب البيت ويختار هو بنفسه من يدخل ومن لا يدخل .. :cry: .. والله ذلّ ما وراءه ذلّ ..

وفترات الدخول كانت مختلفة – طبعًا – حسب ظروف أهل البيت .. وحسب أوقات العروض المعروفة في ذلك الوقت .. رغم أن معظهم لا يعرفون من المعروض شيئًا سوى حركة الصور والأصوات .. لأنهم لا يفهمون العربية أصلاً .. فكانت الفترة الأولى بعد العصر ويدخل الصغار أفواجًا إلى الغرفة التي يتربع فيها التلفزيون داخل خزانة كبيرة .. تحفّها من الجوانب رفوف وأدراج تحمل أشكالاً وأنواعًا من الأكواب والصحون الزجاجية.. و يجلس (أبو فوزي وأم فوزي وفوزي وإخوته) في أطراف الغرفة مستندين إلى جدار الغرفة ومتوسدين على مخدات القطن الطويلة بعلو واستكبار.. وأما الأطفال فيأخذون أماكنهم في وسط الغرفة على شكل مجموعة.. وما هي إلا نصف ساعة أو ساعة .. حتى يقوم أحدهم بإغلاق التلفزيون ويقول للصغار: يلا إلى بيوتكم انتهى الفلم :D ...

فيخرج الجميع سعداء وفرحين .. لأنهم شاهدوا فلمًا لم يفهموه .. ولم يكمّلوه .. :lol:

وأما الفترة الثانية.. كانت أمتع وأحلى .. هي الفترة المسائية .. حين يخرج أهل البيت التلفزيون إلى الحوش .. على طاولة صغيرة .. وأعيان القوم من (أبو فوزي وأم فوزي) وبعض الزائرين من الأقارب الذين جاء بهم التلفزيون لزيارة أهلهم .. هؤلاء يجلسون في الصف الأول .. وعلى الفرش والمخدات .. مع شرب الشاي والضحكات .. وأما الصغار فيجلسون خلفهم على تربة الأرض القاسية .. وأعدادهم في هذه الفترة أكثر .. لأن الحوش يستوعب عددًا أكبر ..

ويبدأ العرض التلفزيوني الذي لا يفهمه أكثرهم.. سواء .. يوميات جحا .. أو أفلام كرتون (توم وجيري) .. وتظهر أعراض النعاس على محيا الجميع .. وبعضهم ينام على كتف الذي بجانبه .. وبعضهم الآخر متابع بلا وعي .. فالمهم عندهم أنهم يشاهدون التلفزيون :lol:

وبين الفينة والأخرى يلتفت (أبو فوزي) قائلاً لهم: "سكوت .. ما بدي أسمع صوت .. بطلعكم برا ها"... فيسكت المساكين برهة .. ثم يعودون ثانية إلى الوشوشة .. فيقوم بطرد واحد منهم .. ليخوّف البقية.. وبعد مضي ساعة تقريبًا .. يقول للأطفال: "يلا إلى بيوتكم انتهى الفلم وسوف ننام" .. فتخرج هذه الجموع البريئة قبل أن ينهوا فلمهم بقلوب منكسرة :cry: .. وفي حقيقة الأمر أن الفلم لم ينته وأنهم لن يناموا إلا بعد أن ينتهي وقت البث ويسمعوا صوت الخشخشة .. لأنهم لا يختلفون كثيرًا عن الأطفال في حبّهم للتلفزيون وجلوسهم أمامه من بدء البث إلى نهايته بالخشخشة.. :lol: :lol:

وبعد خروج الأطفال من العروض .. يبدأ كل واحد بترديد أي كلام أو دعاية أو أي شيء آخر سمعه من التلفزيون.. من غير أن يفهم معناه أو عن ماذا يتحدث!! .. المهم أن يثبت لمن حوله أنه يتابع التلفزيون ويشاهد كذا وكذا..

ولم يكن الأمر مقتصرًا دائمًا على الأطفال فحسب .. بل خضن في مزاحمتهم النساء أيضًا.. فكنّ يجتعمن عند راعية البيت وسيدة التلفزيون .. (أم فوزي) .. يقدمون بين يديها أنواع الحب والطاعة .. فضلاً عن الثناء التي تناله (أم فوزي) منهن داخل غرفة التلفزيون وخارجها في اجتماعاتهن اليومية بعد العصر عند أبواب البيوت ..

وأما أبناء هذه العائلة الصغار.. فإنهم ذو مكانة علية بين الأطفال المرتادين إلى بيتهم .. ولا يتجرأ أحد منهم أن يخطئ معهم أو يذكرهم بسوء .. لأنهم سيحرمون من مشاهدة التلفزيون .. :lol:

ومن الطرائف التي حدثت لبعض الأطفال مع إحدى العوائل التي عندها التفلزيون .. أن صاحب البيت كان يتمدد بغرفة التلفزيون و يطلب من هؤلاء الأطفال بتدليك رجليه وظهره وكتفيه .. بشكل متناوب ليسمح لهم بمشاهد التلفزيون :lol: .. وأمام زوجته وأبنائه.. والأطفال الأبرياء مبسوطين على هذا المسّاج .. بل يتنافسون عليه .. لأن همّهم التلفزيون وليس شيئًا آخر.. إلى أن عَلِم والد أحدهم بالأمر .. فجاء على هذا الرجل وكادت أن تنشب حرب عائلية في الحارة لولا تدخل الجيران .. :evil:

بقيت هذا الخاطرة في ذاكرتي.. لأنقلها للجيل الجديد .. ليعرفوا قيمة النعمة التي يعيشونها الآن .. وأن طفولة أجيال كاملة ضاعت مع الحرمان من أبسط الأشياء .. :?

لقد أحدث التلفزيون في مجتمعنا الكردي البسيط بعد ذلك وإلى سنوات قريبة كثيرًا من النوادر والغرائب الاجتماعية .. فترى عائلة كاملة .. بصغارها وكبارها .. تزور عائلة أخرى .. من أجل مريض لها .. أو قدوم مسافر.. أو حتى صلة رحم .. لكنها أول ما تصل إلى البيت المزار .. يبدأ كل واحد منهم بأخذ مكانه المناسب من شاشة التلفزيون .. ليشاهدوا بشكل جماعي مسلسلاً أو فلمًا طويلاً أو أغنية .. في جوٍّ ساكن وصامت.. وقد توجّهت عيونهم وعقولهم إلى ذلك الصندوق الناطق .. وما أن ينتهي العرض .. حتى يقوموا إلى بيوتهم .. وقد أدّوا الواجب الاجتماعي والعرفي :lol: :lol: .. وكان بإمكانهم أن يفعلوا ذلك وهو جالسون في بيوتهم .. ولكنها عادة دخلت بيننا وبقيت عقودًا من الزمن .. وربما لا يزال بعض آثارها إلى الآن ..

وتقبلوا تحياتي .. والسلام عليكم ..

User offline. Last seen 4 سنة 2 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 07/08/2006

حلوة كتير ايه وكمان مساج وما بعرف شو .. بعرف انو اول من ادخل هذا الصندوق إلى البيت ((هدلة قرجي جا دوقو)) ..

ذكريات حلوة و ممتعة .. نتخيلك فيها .. ونتخيل مواقف التي لا اعتقد انها ستتكرر في هذا الزمن ,

gul
صورة  gul's
User offline. Last seen 5 سنة 27 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 21/10/2009

لا أعلم بماذا أعلق و انا أراني قد إندمجت و كالعادة عندما تنثر لنا ، متتبعي خواطرك لضائعه ، و أيامك البريئه ..

إلا بمزيد من الشكر على أن تتحفنا بذكريات هي من الماضي البسيط ..
ذاك الزمان الذي حوى نفوس خَيِّره ، و ضم ألباب طيبة ..

لربما نمتلك أيضاً ذكريات ، و لا شك ننطوي على أريج من عهد مضى ، و دهر فرط حباته على عتبات العمر الغض ..
بيدَ أن نرصها هكذا و هي تشكل سلسلة متماسكة ، و نسيج متشابك ..
لمن الصبر أن نتسلح به ..
دأب من دواعي المتعه ان تقوم به ، و ليت كل من نام على لغة متمكنه ، و ملك بيان سلس ، و مُنح قريحة فضفاضة أن يسلك ما سرت اليه ..
فقد تغدو في هُنيهة ما دوحة رخيه نؤمها ، و فلاة شجيه نعود لها ..
و في النفس آهةً على أيام ولت ، و على اللسان حسرة للعودة لها ، و كلنا توق لمعانقتها من جديد ..
....................................... و أنا أتأمل خواطرك أشاهدني قد وضعت يدي على خدي مأخوذة بسير أحداثها ، و مستلذة بتعاقب خُطاها ..
الى أن انتهي ، و رغبة لمزيد من التمادي في الغوص نحو نسيجها الهين ..
أكثر ما يشدني لخواطرك و انا انظر بعين الأدب ، تلك الإنسابيه و انتم تسردونها و بحرفية عاليه ، و تناول رخيم ..
بحيث لا مناص للقارئ إلا و ظن يحدوه انه بات داخل الحدث ، و زعم حاديه يتحول شخصية أخرى من تلك الوجوه ..

و تلك خاصية ليس لكل من أراد ان يلج هذا المضمار ان يتقنها ..

إستمتعت الى أقصى منازل المتعه الفنية ، فضلاً عن شعور بالإلفه و نحن ننحدر نحو تلك الحميمية التي إكتنفت نسغ النص ..

أنا هنا أترقب المزيد !

User offline. Last seen 14 سنة 7 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 17/11/2007

تحية طيبة للخال سوار

بتعرف ذكرتني بالفترة اللي نزلت فيها الكمبيوترات و الي كان عندو كمبيوتر كان ملك و بالمدرسة يحكيلنا عن امور ما كنا نفهما و بعدين طلعت اتفه الامور بالكمبيوتر .
و كان الي عندو كمبيوتر يحطو بغرفة القعدة و يحط حوليها أجمل المزهريات .

مرة كنت عند جماعة و نحنا قاعدين عيني ما فارقت الكمبيوتر و الله بعد شي ساعة من العذاب قال الأب لأبنو روح و شغلو الكمبيوتر و العبو و الله قام هالأبن البار و شغل الكمبيوتر بنفسية حقيرة , :twisted: , و قلي تعا نلعب و قفزت متل الارنب لعندو و نحنا عم نلعب وقف الكمبيوتر بدوري و علق , فجئة , الولد دمعو عيونو و خبر أبوه و الاب (الامبراطور) أجا و عيط و خانق و أنا خفت و لمح انو انا نزعتو ......... المهم بعد ما جبت كمبيوتر اكشفت انو بس كان بدو اعادة تشغيل :lol: ,

كردة فعل كنت خلي الكمبيوتر عندي مشاع لكل مين يجي لعندنا (طبعا تحت نظرات استياء و غضب من قبل والدي ) .

شكرا خال
تحياتي لك و لكل من ساهم في الفائدة للجميع

User offline. Last seen 7 سنة 32 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 19/07/2007

تحياتي للغوالي: إبراهيم .. gul .. cen الأعزّاء ..

وأشكركم على هذا التفاعل مع هذه الخواطر .. والتي تشكّل دافعًا ومحفّزًا لكم لتكتبوا أيضًا في هذا الميدان أو ما يشابهه .. والكلام موجّه لجميع الأعضاء .. لأن ذلك سيكون نقلة نوعية ومميزة لكليلك .. بشرط أن نتقيد ببعض القواعد البسيطة: صدق الرواية .. ترابط الأفكار .. سلاسة الأسلوب .. وسلامته من الأخطاء .. وإدخال روح الدعابة أحيانًا في المواقف التي تستدعي ذلك ..

والسلام عليكم ..