المسيحية ومستقبلها في بــلاد الإسلام..

لا يوجد ردود
مشترك منذ تاريخ: 17/08/2006

من كتاب قبول الآخر..

للمطران حّـــنا إبراهيم

صور للكتاب..

المسيحية ومستقبلها في بــلاد الإسلام..

من كتاب قبول الآخر..
للمطران حّـــنا إبراهيم

مستقبل المسحية في بلاد الإسلام من المواضيع الكبيرة والحساسة والهامة في الوقت نفسه. لن يكون الحديث عن المسيحية في كل البلاد الإسلامية مثل: إندونيسيا والباكستان أو الفليبين والهند أو غيرها من البلدان حيث يعيش ملايين من المسلمين، وذلك لأن المسيحية في هذه البلدان يختلف وجودها، عن المسيحية في مناطق أخـرى من العالم، خاصة في بلدان الشرق الأوسـط، ويقُصد هنا البلاد العربية وتركيا وإيران.

العلاقة أولاً بين المسيحية والإسلام كديانتين، ثم علاثة المسيحية بالمسلمين كشعوب تعيش مع بعضها بعضاً ثانياً.

1
المسيحية ديانة ولدت في المنطقة، وصار لها وجود وشهادة بعد أن انتقلت من أورشليم حيث عاش ومات وقام السيد المسيح، ثم انتقلت المسيحية إلى أنطاكية حيث دُعي التلاميذ أولاً مسيحين، وأسس فيها مار بطرس الرسول الكرسي الأنطاكي.
ترسخت المسيحية في بعض المدن المهمة، وتفاعلت مع الحضارتين الآرامية والهيلينية.
ولا بد من الإشارة إلى المدارس الفكرية التي زودت المسيحية في المنطقة بعدد كبير من الأدباء والعلماء واللاهوتين، وفتحت آفاقاً جديدة في الفكر المسيحي منها على سبيل المثال مدارس أنطاكية، والإسكندرية والرها ( أديسا ).

إذاً المسيحية قبل دخول الإسلام متجذرة في تاريخ الأرض والشعوب في المنطقة، وهذه نقطة مهمة يجب أن يدركها كل من يريد أن يعرف باختصار تاؤيخ المسيحية في منطقتنا.
2

الإسلام دخل المنطقة بفتوحات أي بالسيف: لكن المنطقة كانت مهيأة لقبول الفاتحين الجدد الذين عرفهم المسيحين من خلال بعض القبائل العربية، وبعض هذه القبائل دخلت المسيحية فتشكلت نواة لكنيسة عربية مسيحية.

3

ما لا شك فيه أن بدء تاريخ العلاقات بين المسيحين والمسلمين يؤكد روح التسامح والمودة والتعاون كانت موجودة، وهذا لا ينفي ما حصل من أعمال غير مقبولة، ما أدى إلى دخول الكثيرين من المسيحين إلى الإسلام.
أن الحضور المسيحي بشكل عام أخذ يتيغير ويتبدل رويداً رويداً، وبدأ الانحسار المسيحي في بعض المناطق، ولكن هذا الأمر يبقى طبيعياً إذا قورن بتحولات مشابهة حصلت في مناطق أخرى من العالم، فكل ديانة جديدة تضع برنامجها إلغاء الديانة القديمة، أو حتى كل حضارة جديدة تعمل على إلغاء الحضارة السابقة. مثلاً المسيحية عندما دخلت منطقتنا عملت بإصرار على إلغاء معالم الديانة التي كانت سائدة فيها. فنحن مثلا في الكنيسة السريانية حتى التسمية تبدلت وتغيرت فالآراميون الذين كانوا في المنطقة بعد دخولها في المسيحية سُّموا سرياناً، ليتميزوا عن الآراميين الذين بقوا في الوثنية.
فالإسلام استطاع على نحو مباشر أو غير مباشر أن يثبت وجوده، وبذلك تأثرت المسيحية عدداً: لأسباب منها لأن كثير من المسيحين دخلوا في الإسلام. ونشاطاً: لأن بعض الكنائس تحولت إلى جوامع.
وأصبح الإسلام ديانة فوية في المنطقة لأنه انتشر بسرعة، وهيمن عدداً على مرافق الحياة ومن هنا دخلت المسيحية في صفحة جديدة من تاريخها إذ بدأ الانسحار في انتشارها ونمو عددها. وكذلك في النشاطات التي كانت تؤديها في المدارس الفكرية والأديرة وبقية الكنائس المرتبطة بها.

4

مع مجيء الإفرنجة يعرفون في التاريخ خطأ بالصليبين، بدأ تحول جديد في المنطقة ، فأهداف حملات الفرتجة لم تكن واضحة لسكان المنطقة من مسلمين ومسيحين. والتاريخ يبين بأن الفرنجة الوافدين من أوروبا ضربوا المسيحية والمسيحين قبل أن يضربوا الإسلام والمسلمين، لأن مراكزهم المهمة كانت عرضة لانتهاك مثل القسطنيطينية والرها ( إديسا ) ورعش وأنطاكية وذلك قبل أن يصل الفرنجة إلى القدس.
من هنا نرى أن المسيحين في الشرق تعاونوا مع المسلمين ضد الفرنجة.
وبناءً على مصادر تاريخية نرى أن الحضور المسيحي تزعزع أكثر من أي وقت مضى.

الكل نسي أن المسيحية نبعت من بلادنا، ونمت في أراضينا وترعرت في أنطاكية والرها ( إديسا ) والإسكندرية والقسطنطينية قبل أن تبرز في مناطق أخرى.
أن حروب الفرنجة كانت لها انعكاسات سلبية مازالت حتى بومنا هذا.

5

بعد حروب الفرنجة دخلت المنطقة في متاهات أخرى، وبدأت الأقوام الغربية مثل التتر والمغول والمماليك تعبث بها، وكل هذه الأقوام هدمت الثقافة في منطقتنا، ولم تأبه لدور المسيحية الفعّال.
ومع العثمانين وحكمهم الجائر وجهلهم الحقيقة أخذت المسيحية تعاني، واضطهدت اضطهاداً عنيفاً، ومنع بنو عثمان نموها وأدخلوا المسيحين متاهات الرعب والذعر والذعر. واستعلمت الإسلام سلاحاً ضد المسيحين وربما في هذه الفترة أخذ المسيحين يفكرون بالانتقال من مكان إلى مكان آخر، ليس على شكل أفراد إنما على شكل جماعات، مجموعة من الناس تنتقل من مدينة إلى مدينة حفاظاً على حياة أفرادها وعندما تنتقل هذه المجموعات نتصور كيف يتخلون عن مراكزهم، وأديرتهم، وكنائسهم وكل ما يتعلق بتراثهم المنقول وغير المنقول. ومن هنا نجد كيف أن أعداداً كبيرة من الكنائس.. أصبحت خالية وخاوية.
في هذه الفترة بدات مجازر المسيحين على نحو جماعي وعلني. المجازر طالت ليست الأرمن فقط بل كل المسيحين، وفي مقدمتهم الأرمن. في كنيسة أنطاكية السريانية الأرثوكسية لدينا إحصاءات شبه أكيدة، تـــشُير إلى أننا فقدنا أكثر من مئة ألف شهيد خلال أربع سنوات، أي بين عامي /1914 و 1918م/
هذه الصفحة الأليمة المأساوية غيرت الكثير من مفهوم العلاقات بين المسلمين والمسيحين، لأنه بعد الحرب العالمية الأولى غادرت مئات الآلاف من المسيحين أراضيهم التي عاشوا فيها مئات السنين، مثلاً كيليكيا في تركيا اليوم كانت تشهد على اليد المنتجة للأرمن في بناء ثقافة في تلك المنطقة. عددهم اليوم في كل كيليكيا أصبح نادراً جداً..
وهكذا الحال في الرها التي كانت عاصمة للآداب السريانية.

وهكذا الحال في ماردين وأطرافها وطورعبدين وتوابعها والقسطنطينية وكبادوكيا وغيرها من المناطق المعروفة في الشرق، فهذا التغيير الحاصل أثّر كثيراً فيما يتعلق بالوجود المسيحي في المنطقة مستقبلاً.

6
اليوم المسيحيون في المنطقة المشار إليهم لا يتجاوز عددهم الخمسية مليوناً في محيط يضم أكثر من ثلاثمئة مليون مسلم، إذا اضفنا تركيا وإيران إلى البلاد العربية.

نستيطع أن نتصور الكنائس المسيحية اليوم وهي بعيدة عن عقلية الانقسام التي سيطرت عليها مدة طويلة من الزمن. فالتراشق بالكلمات واستغلال الواحد للآخر وعدم صفاء الجو بين الكنائس وانقسامها على بعضها.
كل هذه الأمور أدت إلى وجود توترات بين المسيحين لم تساعد على العمل معاً لمواجهة التحديات المتعددة ولكن بعد دخول كل الكنائس إلى ما يعرف بالحركة المسكونية، تغيرت الأحوال.

في الشرق الأوسط لم نُعد نتحدث بلغة الكنائس لأننا نجتمع تحت اسم عائلات مثلاً: العائلة الكاثولكية تضم سبع كنائس لها هيكليات متعددة ورئاسات محلية متنوعة.
والعائلة الشرقية الأرثوكسية مثلها مثل العائلة الكاثولكية لها ثلاثة بطاركة في أنطاكية والإسكندرية وكيليكيا سريان وأقباط وأرمن.
وهكذا العائلة الأرثوكسية المعروفة بطقسها البيزنطي، ثم العائلة الإتجيلية في المنطقة، ولم يبق خارج هذه العائلة سوى كنيسة واحد هي كنيسة المشرق القديمة المعروفة خطأ بالنسطورية لأنها لم تنضم إلى العلائلات الأربعة.
بمجلس كنائس الشرق الأوسط، وهذه قوة جديدة للشهادة المسيحية، وقد استطاع هذا المجلس أن يعلن في أكثر من مناسبة وبصوت مسيحي وجهوري واضح على رسالة الكنيسةوواقعها في المجتمع المتعدد الأديان والمذاهب، ماجعل المسيحين يبتفاءلون بسمتقبلهم.

7
لا نستطيع أن ننكر بأن الأصولة الإسلامية تتنامى وأن الجهل في بعض مناطقنا يزداد، وعدد المسلمين في كل يوم يزيد عن اليوم السابق سبب النمو السكاني، بينما المسيحيون إما أن يحافظوا على عددهم أو أن ينحسر هذا العدد بسبب هجرتهم إلى خاج المنقطة.. لماذا الهجرة؟ لأسباب كثرة منها أولها الوضع الاقتصادي المتردي وهذه الظاهرة ليست محصورة بالمسيحين فقط ولكن تأثيرها سلبياً واضح فيهم وفي المسلمين.

في الماضي هاجر عدد كبير منهم إلى أمريكا اللاتينية وكلهم لم يعودوا وعدد آخر لا به هاجر إلى افريقية والسعودية والخليج العربي، ومعظمهم يفكرون بالعودة بعد جمع المال.!
ولكن اليوم ظاهرة الهجرة اصبحت خطيرة لأن الذي يغادر لا يعود وهكذا نخسرهم هنا ويخرسون أنفسهم هناك.
فالناحية الاقتصادية دافع من دوافع الهجرة ولكن الواقع أن هناك إحساساً بالخوف من المستقبل، لأن المجازر التي وقعت في بدايات القرن العشرين في أيام العثمانيين تترائى أمامهم وكأن المسلمين يستعدون لشن حملة اضطهاد على المسيحين في أي لحظة. الأمر الذي ينكره العقلاء وكل من يفهم معنى ما معنى الوحدة الوطنية والإخاء الديني والعيش المشترك. فالمسيحية في نظر البعض من ذوي العقول الضيقة في خطر في بلاد المسلمين منها بلدان الشرق الأوسط بينما في نظر القيادات الكنسية، والواقعين على الأمور هي بخير.

ففي كل المناسبات الدينية والوطنية يشرتك المسيحيون مع المسلمون بالأعياد والأصوام وهي واحدة من هذه المناسبات الدينية وكل المؤسسات التربوية والاجتماعية والخدمية تبقى مفتوحة للطرفين المسيحي والمسلم، والجامعات، والمدارس والمصانع والمعامل تجمعنا مع بعضنا بعضاً. لأنه لا المسيحي ولا المسلم يستطيع أن يعيش في عزلة عن الآخر لأن هذه النقاط مهمة في نظرنا تعمل الكنيسة على تطويرها من ناحية.
إن الانفتاح الوحوار والعلاقة المميزة بين الإنسان وأخيه الإنسان من الأمور المهمة التي يجب أن تتطور في فكر المسيحي والمسلم. وفي بعض الدول كما في سوريا مثلاً. الحكومات تشجع كل أنواع الحوارات بين أبناء الديانتين، وهذه واحدة من الإيجيابيات التي لا بد أن نذكرها باعتزاز.
يبقى السؤال: ما مستقبل المسيحين في بلاد المسلمين؟ في رأي إذا أراد المسيحي أن يستمر في حضوره الدائم المتميز في العطاء والخدمة. يستطيع أن يستمر في رسالته المنطلقة من تعالم الإنجيل المقدس، وكذلك بإمكانه أن يقدم شهادة حقيقية لصورة المسيحي.
أما إذا كانت الحروب في المنقطة كما في فلسطين وما حصل في لبنان والحرب الإيرانيةو العراقية وحرب الخليج والآن ما يتحدث عنه العالم بما يخص العراق ستؤثر في الوجود المسيحي من خلال هجرة أعداد كبيرة منهم وإذا استمرت هذه الظاهرة ستكون المسيحية في خطر من الحيث العدد وستغلق صفحة العطاء التي استمرت قروناً طويلة في المنطقة.
الواقع أن ما حصل في تركيا منذ حوالي مئة سنة لا نريده أن يتكرر في دول المنطقة. وإذا حصل سنكون فعلاً أما كارثة مأساوية تتعلق بالشهادة والحضور المسيحي، وإذا وعي المسيحيون دورهم كمواطنين بقيت صروة العطاء المسيحي لامعة للأجيال القادمة.

مختارات هنري الصغير

وهون النص جاهز اللي يحب يحملوا

قبــول الآخــر ( مختارات هنري الصغير )

الأمل ينام كالدب بين ضلوعنا منتظراً الربيع لينهض.. (إنديرا غاندي)