الفنانة نجاح حفيظ: جاري مام جلال أصبح رئيسا وهذا يدعو للفخر

لا يوجد ردود
User offline. Last seen 11 سنة 34 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 03/02/2007

ابراهيم حاج عبدي/ دمشق

نجاح حفيظ هي فنانة رائدة في مهنة التمثيل، فقد حققت حضورا محببا منذ البدايات الأولى لانطلاقة التلفزيون السوري، عندما شاركت في بطولة مسلسل "صح النوم" بجزأيه. هذا المسلسل، الذي بث بالأبيض والأسود، ويعرض، حتى اللحظة، على شاشة بعض الفضائيات، شارك فيه فنانون آخرون حققوا، فيما بعد، شهرة واسعة مثل الفنان الراحل نهاد قلعي، والفنان الراحل عبد اللطيف فتحي، والفنان دريد لحام الذي لا يزال يعمل...وغيرهم.

نجاح حفيظ جسدت في هذا المسلسل دور (فطوم حيص بيص) صاحبة الفندق، وهي تظهر كفتاة جميلة، بريئة وساذجة، تعشق حسني البورظان، بينما الآخرون، وخصوصا غوار الطوشة (دريد لحام)، يخطبون ودها دون جدوى، ورغم ظهورها في أعمال درامية لاحقة مثل "بسمة الحزن"، "البحر أيوب"، "رقصة الحبارى"، "جذور لا تموت"، "قلوب في دوامة"، "أشواك الندم" وغيرها، إذ جسدت أدوار الأم الحنون، صاحبة الدموع السخية، لكن المشاهد لم يستطع النأي بنفسه عن عقد مقارنة بين شخصية فطوم حيص بيص تلك، وبين شخصيات نجاح حفيظ اللاحقة، فقد بقيت تلك الشخصية طاغية، وغدت مقياسا لتجربة نجاح حفيظ التي عملت، فضلا عن الدراما في السينما كذلك، إذ شاركت في أفلام مثل: "عندما تغيب الزوجات"، "أنت عمري"، "حارة الجواري"، "تجارب عائلية"، كما شاركت في عروض مسرحية وأعمال إذاعية.

هذه التجربة الطويلة في مضمار الفن أكسبتها معرفة واسعة بما يدور في كواليس الوسط الفني، الذي بات تحكمه "الفوضى والمزاجية"، وذلك نتيجة النزعة الجامحة لدى الفنانين نحو الظهور والشهرة بطرق سهلة وسريعة"، كما تعبر حفيظ هذه السرعة، والاستسهال أفقدا، في رأيها، الممثل الصدقية في أداء الدور، فهو يعمل بشكل حثيث، فما إنْ ينهي مشهدا في هذا المسلسل حتى ينتقل إلى تجسيد مشهد آخر في مسلسل مختلف، ومثل هذا الإيقاع السريع، المتداخل أساء إلى سمعة الممثل، والى مكانته"، وهي تشير إلى أنها، وخلال تجربتها الطويلة، رفضت، مثلا، القيام بادوار شريرة كي لا تشوه صورتها أمام المشاهد الذي عرفها في ادوار المرأة الطيبة، والأم الرؤوم".

وتعقد حفيظ مقارنة بين طبيعة الفن في الماضي، وبين طبيعته اليوم، فتقول: "في الماضي كان الفنان يجتهد، ويحارب وسط صعوبات فنية واجتماعية، ويعمل لسنوات حتى يحقق الشهرة التي تقدم، اليوم، للممثل على طبق من ذهب، دون أية جهود، فالفضائيات، اليوم، في وسعها أن تلمّع فنانا مغمورا، عديم الموهبة، وتتجاهل، في الآن ذاته، فنانا آخر يتمتع بطاقات وقدرات تمثيلية رفيعة المستوى"، لافتة إلى أن هذه التكنولوجيا الفضائية هي" نعمة ونقمة في آن واحد، فهي تتيح للممثل حضورا جماهيريا واسعا على عكس الماضي، وأنا لا أزعم أن شهرة كل الفنانين زائفة، بل هناك من يستحق هذا الانتشار الفضائي حقا، بينما في الماضي، كانت رقعة انتشار التلفزيون محدودة جدا، وهو ما شكل عائقا أمام الانتشار الواسع للفنان سواء كان جيدا أم رديئاً".

وتضيف حفيظ، في نبرة حنين إلى الماضي، "كانت الأعمال الدرامية قليلة جدا، وكان ثمة عشق لهذا الفن الوليد، وكنا نخشى من الوقوف أمام الكاميرا، ونأخذ رأي الجمهور، وردود أفعاله، في الحسبان، فالإطلالة على الشاشة لم تكن سهلة، بل كانت لها محاسنها ومساوئها، لذلك كنا ندرس النص، ونقوم ببروفات مضنية، ونناقش ونتحاور مع كاتب السيناريو والمخرج للوصول إلى الصيغة النهائية التي نراها مناسبة، وكان كل عمل درامي جديد هو بمثابة ولادة جديدة، وحدث استثنائي، أما الآن فقد كثرت المشاغل والمسؤوليات، وهيمنت القيم الاستهلاكية، وسادت الرغبة نحو جني الأموال، لذلك يرتبط الفنان بأكثر من عمل في وقت واحد، فلا يعطي كل الوقت والجهد الذي يستحقه كل عمل على حدة".

رغم ذلك، تعترف حفيظ بـ "نجاح وتميز الدراما السورية"، والذي جاء نتيجة تراكم طويل، "فالأعمال الدرامية التي أنجزها الرواد أسست لمثل هذا البروز"، وأعربت حفيظ عن استيائها مما يحصل من خلط في التخصصات، "فالمصور الآن يخوض تجارب إخراجية، ومدير الإضاءة يصبح كاتبا للسيناريو، بين ليلة وضحاها، والمنتج لايني يتدخل في كل كبيرة وصغيرة رغم أن هذا المنتج قد لا يفقه من الدراما شيئا، لكنه يفرض رأيه بصفته ممولا للعمل!"، وهي تؤكد بان "على الفنانين والفنيين تجاهل الجهة المنتجة، وان يكون ذلك شرطا لدى البدء في العمل".

ورغم اعترافها بان بعض العيوب التي تعاني منها الدراما كانت موجودة في السابق كذلك، كالشللية، مثلا، لكنها تقول بان "الفنانين كانوا، آنئذ، قلائل، وبسهولة كان يمكن معرفة الفنان الناجح من الفنان المدّعي، أما الآن فثمة أعداد هائلة من الفنانين، ومن المسلسلات، ومن المحطات الفضائية، ومن الجهات المنتجة، فغابت المعايير الدقيقة، القادرة على الفرز بين غث الفن وسمينه".

جارة مام جلال:

نجاح حفيظ تسكن في بناية في حي المزرعة، صدف وان سكن في أحد شققها السيد جلال طالباني الذي أصبح رئيسا للعراق، وهو لا يزال يحتفظ بهذه الشقة كرمز على سنوات النضال والكفاح التي قضاها في صفوف المعارضة العراقية، والتي تكللت بسقوط النظام القمعي، وهي تقول بأنها سعيدة لأنها كانت جارة لمام جلال. كانت هي تسكن في الطابق الثالث، بينما مام جلال كان يسكن في الطابق السابع، وهي تضحك هنا، وتعلق: "ألم يصبح رئيسا؟، كان من حقه، إذا، أن يسكن في الطوابق العليا".

وتضيف حفيظ، "ما كنت اعرفه عن مام جلال، عندما كان جارا لنا في البناية، انه إنسان عراقي ويناضل لأجل قضية، ورغم أنني لم أكن اعلم تفاصيل هذه القضية، فنحن في سوريا لم نعرف يوما هذا الفصل الحاد بين الكورد والعرب كما كان الحال سائدا في العراق، لكن ما أتذكره هو أن مام جلال كان شخصا ودودا، لطيفا، وفي منتهى التهذيب، وكان يمضي أيامه مسافرا، فلم نكن نلتقي به إلا في أوقات متباعدة. كان يأتي كطيف عابر، جميل يقضي أياما عدة، ثم سرعان ما يحزم حقائب السفر نحو بلاد أخرى".

وتتابع حفيظ، "كان مام جلال كريما، ويتمتع بأخلاق عالية، ولا تفارق الابتسامة شفتيه، وكان حاضر البديهة، وكان يحظى بحس ساخر والنكتة حاضرة على لسانه، ولم نكن نشعر بأنه غريب بين أصحابه وأصدقائه في سوريا، وهو، بدوره، كان حريصا على هذه العلاقة الودية، ولم يتخلف يوما عن أداء واجب الجيرة، فكان يساهم مع الجيران في كل ما تتطلبه البناية من مصاريف ونفقات رغم انه لم يكن مقيما بصورة مستقرة ودائمة، وهو بذلك فرض احترامه على جميع سكان البناية، مثلما كان يحترمهم فرداً فرداً".

وتقول حفيظ بأنها "شعرت بالفخر والاعتزاز، وفرحت كثيرا عندما سمعت بان مام جلال، جارها السابق، أصبح رئيسا للعراق"، وتتذكر أجواء الفرح التي سادت حي المزرعة الدمشقي، وكيف قام السيد عبد الرزاق توفيق مدير مكتب الاتحاد الوطني الكوردستاني بدمشق، بتوزيع السكاكر والحلوى، وعقد الشباب الكورد حلقات من الدبكة، وراحت الأغاني الكوردية تصدح أمام مكتب الحزب الذي لا يبتعد عن شقة مام جلال سوى أمتار قليلة. وتضيف كان "جاري وصار رئيسا، ولابد لمثل هذا الأمر أن يسعدني".

وتشكو حفيظ من أنها لم تتمكن في الزيارة الأخيرة لمام جلال إلى سوريا من أن تستقبله بالشكل المطلوب، كانت تريد، كما قالت، أن تفرش مدخل البناية بالورود، وأن تأتي بأطفال يقدمون الزهور لسيادته، كتعبير صادق عن حبنا له. لكن مشاغله الكثيرة وبرنامج زيارته المكثف، والحراس الذين كانوا يراقبون كل كبيرة وصغيرة، والرسميات التي أحاطت بالزيارة حالت دون استقبالنا له بالشكل اللائق لدى مجيئه إلى شقته، خلال زيارته الرسمية. وأعربت حفيظ، أخيرا، عن أمنيتها في أن يخرج العراق من دوامة العنف، وان يعيش شعبه بكل مذاهبه، وقومياته، وأعراقه في وئام، وتسامح، وإخاء.