تركيا بين قبضة الجيش وقفاز أردوغان

لا يوجد ردود
User offline. Last seen 12 سنة 42 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 25/04/2007

تركيا بين قبضة الجيش وقفاز أردوغان

مرشد اليوسف 20071029

النظام القومي العلماني التركي الحالي تأسس على يد مصفى كمال أتاتورك وتكرس في دستور عام 1922وكل التعديلات الدستوريه التي تلت قيام الجمهورية كانت تهدف الى تعزيز النظام القومي العلماني , ,وعندما تأسس الحزب الديمقراطي وحكم عدة دورات انتهى أمره بانقلاب عسكري في أيار عام 1961 وجرى اعدام رئيس الجمهورية جلال بيار , ورئيس الحكومة عدنان مندريس, ورئيس البرلمان رفيق كولتان بتهمة تهديد النظام العلماني وأسلمة نظام الدولة ,وفتح دستور عام 1982 الباب أمام التعددية الحزبية والسياسية وأطلق حرية التعبير لكنه احتفظ بالبنود التي تمجد الكمالية وتعاقب من يسيئ اليها, وتقرر المادة الثانية من الجزء الأول من الدستور بوضوح (أن تركيا جمهورية علمانية تدين بالولاء للقومية الأتاتوركية) , وامعانا في سياسة التتريك يذهب الدستور الى وحدة الأمة التركية, وأن اللغة التركية لغة البلاد, ويتجاهل الدستور القوميات والمجموعات واللغات الأخرى التي تتمتع بالعراقة والقدم في البلاد ولاسيما اللغة الكردية والأرمنية والسريانية, , وبناء على الطلب الأوربي, وفي محاولة للاقتراب من معايير كوبن هاكن أقر النظام التركي في آب عام 2000 مشروع قانون يسمح بشكل محدود بفتح المدارس الخاصة والتعليم باللغة الكردية,ويسمح ببث البرامج عبر الراديو والتلفزيون بمختلف اللغات واللهجات التي يتحدث بها المواطنون الأتراك في حياتهم اليومية ويسمح باصدارالجرائد والمجلات باللغة الكردية .

وتحظى المحكمة الدستورية وفق الدستور - وهي الهيئة القضائية العليا - بأهمية خاصة في الحياة السياسية التركية , ووظيفتها الأساسية حماية الدستور والدفاع عنه , وأحكامها نهائية, وهي التي أقصت حكومة حزب الرفاه بقيادة أربكان ومن بعده حزب الفضيلة بتهمة تهديد النظام الأتاتوركي العلماني, وأكثرالبنود اثارة للجدل في الدستور التركي هو دور المؤسسة العسكرية التي نصبت نفسها للدفاع عن المبادئ العلمانية الأتاتوركية منذ عهد أتاتورك وحتى اليوم, وهذه المؤسسة التي لم تتورع يوما عن التدخل بشكل مباشر في الحياة السياسية التركية عبر الانقلابات العسكرية وغير مباشر عبر ممارسة الضغوط على السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية و المؤسسات المدنية ,وحفظت المؤسسة العسكرية لنفسها دورا رقابيا وتنفيذيا عبر مجلس الأمن القومي,وقد أنشئ هذا المجلس العتيد في عام 1961 ليوفر للجيش تغطية قانونية تعطيه صلاحية التدخل في الشأن السياسي ,ولقرارته أولوية التنفيذ والتي من المفترض أنها تتعلق بأمن وسلامة ووحدة تركيا وسلامة أراضيها, ويتمتع المجلس بنفوذ سياسي واسع ويلعب دور حكومة الظل في الأزمات,ويدرك معظم السياسيين الأتراك دور الحكومة الخفية هذه وأن اختلفوا بتوصيفها, والحقيقة ان حالة التفاهم و التماهي التي كانت قائمة بين مؤسسة الرئاسة العلمانية المتمثلة بشخصية الرئيس وبين الجيش ومجلس الأمن القومي كانت قادرة دوما على اخفاء وحبس التناقضات ,لكن الوضع اختلف اليوم, فلأول مرة في التاريخ التركي الحديث تشهد أنقرة سلطة كاملة من لون واحد ابتداء من رئيس الجمهورية ومرورا برئيس الوزراء والوزراء ورئيس البرلمان والأغلبية البرلمانية والمدراء العامين ...الخ وهذا الوضع الجديد من شأنه أن يخلق واقعا جديدا على الساحة التركية فيما يتعلق بدور الجيش ودور مجلس الأمن القومي في الحياة السياسية التركية, فمن جهة خسر الجيش موقع الرئاسة العلماني وبذلك خسر أحد جناحيه, وأصبح دستوريا تحت أمرة رئيس ليس من ثوبه ,والرئيس غول بموجب الدستور يرأس مجلس الأمن القومي و يدعو المجلس الى الاجتماع ,ويرأس جلساته, ويعين رئيس الأركان, وهو المرجع الأعلى لاعلان الحرب وفرض القوانين العسكرية وقانون الطوارئ ,واذا علمنا أن المجلس يتألف من رئيس الجمهورية و رئيس الأركان وقائد الجيش البري وفائد القوات البحرية وقائد القوات الجوية وقائد الجندرمة ,ورئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والخارجية والداخلية وعددهم عشر, نصفهم من حزب العدالة والتنمية الحاكم حينئذ يمكن أن ندرك حجم تراجع تأثير قيادة الجيش في تمرير القرارات وهذا يعني أن الجيش خسر نصف قوته , وضمن هذه المعادلة يمكن أن نفسر سبب عزوف الجيش التركي عن التدخل في الشؤون السياسية في الأونة الأخيرة,وجاء رفض قادة القوات المسلحة لنداء دولت بهجلي رئيس حزب الحركة القومية اليميني ومناشدته لهم بتحمل مسؤلياتهم التاريخية لحماية النظام الأتاتوركي من سلطة حزب العدالة والتنمية الاسلامي ليؤكد صحة ماذهبنا اليه, وهناك عوامل أساسية اجتماعية وسياسية داخلية وخارجية جديدة ساعدت على هذا التحول, أهمها فساد المؤسسة العكسرية و فشل الطبقة السياسية التركية العلمانية المتحالفة مع الجيش في معالجة الأزمات الاقتصادية والمشكلة الكردية, ونجاح حزب العدالة والتنمية النسبي في معالجة مشاكل تركيا عبر حزمة من الاصلاحات الداخلية و تسوية المشاكل الخارجية بالطرق السلمية مع اليونان وسوريا وايران, وكان للمساعي الأوربية دور كبير في تحجيم دور الجيش كشرط للدخول في الاتحاد الأوربي ,بالاضافة الى دعم أمريكا لحكومة العدالة والتنمية التي ترى فيها النموذج الأمثل الذي يمكن تطبيقه في العالم العربي والاسلامي , باعتباره يجمع بين الاسلام السياسي المعتدل والعلمانية ,وضمن هذه المتغيرات والمعايير يصعب على الجيش استعادة مواقعه في الحياة السياسية التركية من جديد,وأعتقد أن رئيس الأركان يدرك تماما أنه لايستطيع القضاء على حزب العمال الكردستاني الذي يتمتع بتأييد واسع لدى جميع الأكراد ,انما يختلق الأزمة الحالية من أجل اعاقة عمل الحكومة التركية ووقف عجلة الاصلاح السياسي في تركيا ,وخلق حالة متقدمة من التوتر مع الشعب الكردي ليعيد للجيش الأيام الزاهرة التي عاشها في السبعينات والثمانينات والتسعينات من القرن الماضي ,والسؤال الذي يطرح نفسه في الوقت الحاضر:

- هل سينجح الجيش في اعادة العجلة الى الوراء عبر شن هجوم شامل على اقليم كردستان العراق؟ و ماهي المواقف والخيارات ؟

أعتقد أن الحكومة التركية بقيادة أردوغان أمام مفترق طرق.

فمن جهة :

- تتناغم مع الجيش و ترغب في احتلال كردستان العراق وكركوك والموصل والقضاء على الحلم الكردي, وضم اقليم كردستان العراق بشكل نهائي الى تركيا رغبة في تحقيق الحلم الأتاتوركي القديم خاصة بعد تصريح سيادة الرئيس مسعود البرزاني الذي هدد بالتدخل في شؤون تركيا عبر آمد اذا تدخلت تركيا بشؤون كردستان عبر كركوك, وبذلك رفع الرئيس البرزاني درجة التحدي وكان محقا بذلك, ولايفل الحديد غير الحديد, واعتبرت تركيا هذا التحدي بمثابة اعلان حرب وتجاوز على الخط الأحمر الذي رسمه أتاتورك واستفزاز للجيش والكيان التركي برمته.

ومن جهة أخرى:

- تواجه مجموعة من المواقف الصعبة التي تحول دونها وتحقيق نصر كبير مفترض على الأكراد أهمها الرفض الأمريكي والأوربي للاجتياح الواسع وتصميم حكومة كردستان وحزب العمال الكردستاني على الدفاع ,وخشية الحكومة التركية من اتساع رقعة الحرب على الأساس العرقي لتشمل الأكراد والأتراك في تركيا ذاتها, والحقيقة أن تصريح سيادة الرئيس البرزاني خلط الأوراق في أنقرا ,وأوقف الجيش التركي على الحدود,وجعل أردوغان يتردد و يعد حتى المليون قبل أن يقدم على هذا العمل الأحمق, وأعتقد أن أردوغان سوف لن يحصل على الضوء الأخضر من أمريكا في الزيارة الحالية وهو أيضا يعتقد ذلك, لكنه يراهن على عامل الوقت من أجل تهدأة الموقف داخل تركيا ومن أجل اقناع العسكر بعدم جدوى هذا الاجتياح الذي قد يدخل المنطقة برمتها في نفق مظلم ويودي بوحدة تركيا,وليس من مصلحة نظام أردوغان اعادة العسكر الى الواجهة كما في السابق, وربما يدفع أردوغان العسكر الى القيام بتوغل محدود بموافقة أمريكا لملاحقة حزب العمال في الجبال النائية من أجل حفظ ماء وجهه ومن أجل كسر شوكة الجيش أمام الرأي العام لأنه يعلم علم اليقين أن الهزيمة والخسائر الكبيرة ستكون من نصيب الجيش في تلك الجبال الموحشة ,وليثبت أيضا للرأي العام التركي أن لا جدوى من محاربة حزب العمال وأن هناك حلول أخرى لمعالجة الأزمة سلميا ودمج الشعب الكردي في الدولة والمجتمع, وحل مشاكل تركيا بالاصلاحات وحل مشكلة قبرص بالتفاهم مع اليونان والاتحاد الأوربي, والخوف كل الخوف أن ينهزم قفاز أردوغان الناعم أمام قبضة الجيش , وعلى الأغلب فان العسكر يفضل حربا حقيقية علىالشعب الكردي ولو جاء ذلك عبر الانقلاب العسكري .