حلّ كردستاني للصحراء الغربية؟ مقالة

لا يوجد ردود
User offline. Last seen 16 سنة 39 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 11/05/2007

حلّ كردستاني للصحراء الغربية؟

المستقبل اللبنانية

جورج الراسي

من رابع المستحيلات أن يتخلى المغرب عن "سيادته" على الصحراء الغربية.
ومن رابع المستحيلات أن تتخلى جبهة البوليساريو عن "حق تقرير المصير".
ومن رابع المستحيلات أن تنشب حرب بين المغرب والجزائر من أجل الصحراء الغربية، وكان الرئيس بوتفليقة واضحاً جداً بهذا الصدد منذ أمد غير بعيد.
ومن رابع المستحيلات أخيراً أن تعود البوليساريو إلى العمل العسكري من دون ضوء أخضر جزائري. فكيف تستطيع أن تستخلص "مُمكناً" واحداً من بين أربعة مستحيلات؟.
وبين هذه المستحيلات الأربعة ذهب وفدا المغرب والجبهة الصحراوية لجولة مفاوضات مباشرة يومي 18 و19 حزيران الماضي في ضاحية نيويورك "منهارست" بحضور الجزائر وموريتانيا كمراقبين.
ومن يذهب إلى مفاوضات يُعلم مُسبقاً أن عليه أن يُقدّم شيئاً للطرف الآخر حتى تنجح المفاوضات، خصوصاً إذا كانت محفوفة بهذا الكم الهائل من الضغط الدولي. فلا مفاوضات من دون استعداد للتراجع والتنازل والمساومة والمحاصصة مهما كان السقف عالياً في البداية، ومن أصول المفاوضة أن يكون كذلك.
فماذا يمكن للمتحاورين أن يُقدّما للخروج من هذا النفق المظلم الذي يُنكّد حياة 80 مليون مغاربي، ويُبقي على "اتحاد المغرب العربي" في حالة موت سريري منذ أكثر من عقد من الزمان؟
وهل من سبيل للتوفيق بين "السيادة خط أحمر" كما يقول المغرب، "ولا تنازل عن حق تقرير المصير" كما تقول البوليساريو؟
الجواب هو: نعم، وإلاّ لما تكبّد الطرفان عناء السفر إلى نيويورك.
فالمغرب الذي قام في الأشهر الأخيرة بعملية تسويق واسعة لمشروع "الحكم الذاتي" الذي أطلقه، وجعله فضفاضاً إلى أقصى الحدود، بحيث إنه لم يتمسك فيه إلا "بمفهوم السيادة" و"مرجعية الحكم الذاتي"، وأوكل إلى مؤسسة أميركية مُتخصّصة بالدعاية السياسية الترويج له، كان يقول على الدوام إن همّه الأول ينصب على "العلم" و"طابع البريد". وكان العاهل المغربي قد أنشأ منذ عامين تقريباً "المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية"، ووضع على رأسه الصحراوي خلّي هنا ولد الرشيد. ومن الطريف أن مندوبي البوليساريو إلى نيويورك رفضوا مصافحة الصحراويين الموالين للمغرب المنضوين داخل وفد المملكة، وهذا تكتيك قديم سبق أن لجأ إليه الوفد الجزائري المفاوض في "ايفيان" على استقلال الجزائر مع الوفد الفرنسي الجالس بوجهه.
الأمور حالياً محصورة بتوصية القرار 1754 الصادر عن مجلس الأمن، الذي يقول ان هناك اقتراحين لحل نزاع الصحراء، هما اقتراح المغرب "بالحكم الذاتي"، واقتراح البوليساريو "بتقرير المصير". وكان مجلس الأمن قد أجرى جولتي مشاورات حول القضية الصحراوية خلال الشهرين الماضيين، انطلاقاً من التقرير الذي قدمه الوسيط الدولي بيترفان فالسوم. وكان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون قد اضطر إلى شطب فقرات من التقرير الأخير الذي رفعه إلى مجلس الأمن حتى لا يبدو متحيّزاً إلى أي من الفريقين. لكن من الواضح أن المقترح المغربي يحظى بدعم دولي واسع كانت آخر تجلياته التصريحات الصادرة عن المندوبة الأميركية في مجلس الأمن السفيرة جاكي ساندرز في 11 تموز الجاري، عقب انفضاض جلسة مُغلقة للمجلس وجاء فيها: "إن الوسيلة الواقعية التي لها فرصة نجاح في شأن الصحراء الغربية هي اقتراح الحكم الذاتي الحقيقي. والمبادرة المغربية مؤهّلة لتوفير إطار واقعي لبدء المفاوضات على خطة تؤدي إلى توفير حكم ذاتي حقيقي رهن بموافقة السكان المحليين عليه". والواقع أن عقدة النجار هي هذه العبارة الأخيرة "السكان المحليين"، إذ من غير الممكن تحديد عدد هؤلاء، لا لأن المشكلة قائمة منذ أكثر من ثلاثة عقود فحسب، لكن كذلك بسبب التداخل الواضح في القبائل وفي الانتماءات والولاءات، الأمر الذي حال حتى الآن، وسيحول دائماً، دون اللجوء إلى استفتاء غير مُتعارف على أصوله، وعلى من يحق له المشاركة فيه.
وبانتظار العودة إلى طاولة المفاوضات في 10 آب المقبل، يبقى هناك حلاّن مُمكنان ومرجُوان.
الأول هو حل على الطريقة "الكردستانية" حيث هناك "حكم ذاتي" يصل إلى حدود رفع العلَم الكردي دون العراقي، وجيش "البشمركة" القائم بذاته الذي يتلقى أوامره من القيادة الكردية، وهناك حتى ممثليات خارجية للأكراد في بعض الدول الأجنبية، إضافة بالطبع إلى المطار والجمارك وخطوط الطيران إلخ. ومع ذلك فالأكراد جزء من الحكم المركزي في بغداد لا بل هم على رأس الدولة، ويأخذون نصيبهم من ثروات البلاد أسوة ببقية المحافظات، ولو أن قانون النفط الجديد موضع ملابسات كثيرة. فهل من الممكن أن يرفرف العلمان المغربي والصحراوي جنباً إلى جنب فوق التراب الصحراوي، فيبقى الملك "أميراً للمؤمنين"، ويتولى الصحراويون إدارة شؤونهم؟ وما الضير في استعمال "طابعي بريد"؟
أوليس من الأفضل في هذه الحالة أن تكون الصحراء هي "العروة الوثقى" لإطلاق البناء المغاربي من جديد بدل أن تظل "العقبة الكأداء"؟!.