الكورد

لا يوجد ردود
User offline. Last seen 13 سنة 48 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 21/04/2006

يوجد جهل مطبق أو مركب عن الكورد وثقافتهم وتأريخهم قبل وبعد الإسلام وموطنهم عند كثير من المثقفين، ولا أعرف سبب هذا الجهل، هل هو ذاتي، أي أنه لم يسع إلى التعرف على هذا الشعب العريق، أم أنه محكوم بخلفية فكرية لا ترى في الكورد إلا مجموعة من أتراك الجبال، أم أنه يعيش في بطون بعض الكتب التاريخية التي تصف الكورد بأنهم من الجن.

على كل حال فالنتيجة واحدة وهي المعرفة الضحلة والقليلة عن الكورد، ودورهم الحضاري في إثراء التراث الإسلامي، بعشرات من النوابغ في كل العلوم، والقادة الأفذاذ الذين جاهدوا في سبيل الله، وحرروا المقدسات الإسلامية من دنس المحتلين، وفي الآونة الأخيرة، خاصة بعد سقوط نظام الحكم في العراق والانفلات الأمني الذي حصل في المنطقة وتبعه أعمال السلب والنهب من بعض ضعاف النفوس طفح إلى السطح بعض الآراء المسمومة التي تصف الكورد بنعوت غريبة وبعيدة كل البعد عن المعرفة التامة بهذا الشعب الكريم، والملتزم بدينه و يعتز به، ولا أريد أن أخوض هنا في الرد على ما قيل فلكل وجهة في كتاباته وأغراض يريد تحقيقها، ولكن الذي يجب أن نضعه أمام أعينينا معشر الكتاب هو قول الشاعر:

فما من كاتب إلا وتبقى *** كتابته وإن فنيت يداه
فلا تكتب بكفك غير شيء ***يسرك في القيامة أن تراه

وأحاول متوكلاً على الله على بيان تأريخ الكورد ودور علماء الكورد ووضعهم في العالم المعاصر بشيء من الاختصار، من أجل التعرف على هذا الشعب الكبير الذي يعيش منذ عقود طويلة في الشتات وتحت الظلم والجور من الحكومات في الدول الإسلامية.

تأريخ الكورد قبل الإسلام:

عاش الكورد قبل الميلاد بآلاف السنين في الكوردستان أي الموطن الأصلي للكورد وقد خلق الله هذا الشعب كبقية الشعوب وأوجب عليه وعليها أن تتعارف أو تتدافع بالتي هي أحسن, وجعل الله في أفواه الكورد لغة كبقية اللغات في أفواه الشعوب, وجعل الله لهذا الشعب وطنا هي من أحب البلاد إليه شأن كل شعب يسكن أرضه ويحمي حدوده ويقيم عمرانه وحضارته.

إن كوردستان هي وطن الشعب الكردي منذ أقدم العصور من قبل ومن بعد التاريخ ولازال جبلهم الجودي حيث استوت السفينة المهاجرة بالبشرية إلى مهدها الثاني وقيل بعدا للقوم الظالمين, ويشهد التاريخ من الماضي إلى الحاضر كما تشهد جغرافية الأرض لكوردستان من جبالها وسهولها وسواحلها ووديانها وبحيراتها في الخرائط وعلى أرض الواقع حيث تقوم وتبقى كوردستان.

إن كوردستان هي البلاد التي يسكنها الكرد وهي مملوكة وممنوحة من الله رب العالمين، وكانت للكورد حكومات قبل الميلاد منها حكومة ( لولو) الذي قامت عام 3500 قبل الميلاد والتي استمرت 140 عاما تقريبا .

وحكومة ( كودى أو جودى ) التي تنسب إلى جبل جودي المذكور في القران الكريم ( واستوت على الجودى ) وهى إشارة إلى إرساء سفينة نوح عليه السلام على ذلك الجبل .

وأيضا كان للكورد مملكة مشهورة بمملكة ( ميديا ) والتي قضى عليها الفرس الأخمينيون عام 550 قبل الميلاد , وكان ذلك أشد ضربة قاصمة لهم في تأريخهم القديم .

وحول تسمية الكورد والكوردستان قيل بأن الكورد عاشوا على ارض كوردستان و جبالها العالية منذ العصور القديمة. يقول بعض المؤرخين بأن تسمية (الكورد) تعود إلى اسم إحدى القبائل القديمة المعروفة ب Guti أو Goto و التي تعود إلى القرن الثالث و الرابع قبل الميلاد.لكن عدد من المؤرخون يذكرون اسم الكرد في كتاباتهم ب(الكاردوخ) أو (الكاردوخيين).

بعد القضاء على مملكة الكورد بيد الفرس الأخمينيين تفرق شمل الكورد ولم يقم لهم اسم بعد هذا يجمعهم بل عاشوا في جماعات في مناطق وأقاليم منفصلة، و كان حكام الفرس يستخدمونهم لمواجهة أعدائهم من الرومان و غيرهم حتى ظهور الإسلام، الذي رأى فيه الكورد حلمهم من أجل التحرر من تحت قبضة الفرس فرحبوا بالإسلام وسنأتي على ذكره.

تاريخ الكورد من دخولهم الإسلام إلى العصر الحاضر:

في المقال الأول أشرت إلى تأريخ الكورد قبل الإسلام مختصراً، وتعرفنا على الحالة التي كانت يعيشها الكورد من التمزق والتشتت بين الإمبراطوريتين الكبيرتين (الساسانية والرومانية)، وكانت أرض كوردستان مسرحا لكل الحروب التي دارت بين هاتين الإمبراطوريتين العظمتين، واضطُهد الكورد وأجبروا على طقوسهم وعاداتهم، ولكنهم لم يأخذوها جملة إذ أنهم حافظوا على أعرافهم وعاداتهم، ولكن سلب منهم أغلى ما في الوجود وهو الحرية، فكانوا يتطلعون إلى من ينقذهم من جور الفرس والروم، فما أن بزغت شمس الإسلام من الجزيرة العربية ودخل الناس في دين الله أفواجا، وتجسدت عالمية هذا الدين الجديد في الممثلين للقوميات عند النبي (صلى الله عليه وسلم) فكان بلال الحبشي وصهيب الرومي وسلمان الفارسي و(كابان أو جابان) الكوردي رضي الله عنهم كما أشار إليه الفقيه ( ابن حجر العسقلاني ) رحمه الله في كتابه ( الإصابة في تمييز الصحابة ), وروى كابان حديثاً واحداً عن النبي(صلى الله عليه وسلم) والحديث في صحيح البخاري في كتاب النكاح، رواه عنه ابنه ميمون.

دخل الإسلام إلى كوردستان في زمن الخليفة العادل ( عمر بن الخطاب ) رضي الله عنه وذلك سنة 16 هجرية ، وقد دخل الكورد في الإسلام دون مقاومة تذكر رغم وجود الفلول الهاربة من جيش كسرى الذين احتموا بجبال كوردستان الشاهقة والوعرة واستخدموا الكورد كدرع بشري ضد قادة الفتوحات فحدثت معركة شهرزور بين فلول الجيش الساساني والمسلمين التي استشهد فيها عدد كبير من المسلمين بسبب لدغة عقارب شهرزور الشهيرة، ولكن الكورد أسلموا وآمنوا بالإسلام مع وصول أول قافلة من المجاهدين من إخوانهم العرب الذين حملوا إليهم راية الحرية والعدالة والمساواة ، وخرجوا من ديارهم لنشر الإسلام وتعاليم القرآن لإخراج إخوانهم البشر من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، وبهذا خرج الكورد من الحكم الفارسي الجائر ودخلوا في حكم الإسلام . وأصبحت أرض كوردستان قطعةً من أرض الخلافة الإسلامية ، وأصبح الكرد جزءاً من الأمة الإسلامية ، وكانوا في خدمة الدين وبدأوا بالجهاد وتقديم التضحيات في سبيل هذا الدين . وشاركوا في أغلب الفتوحات الإسلامية في مراحلها المختلفة وفي كافة العهود من عهد الخلفاء الراشدين مروراً بالأمويين والعباسين والعثمانيين ، وكل ذلك من أجل إقامة شعائر الله وتثبيت حكم الله في الأرض ، وهي أصل وظيفة الإنسان في الأرض .

ولم يفكر الكورد يوماً ما أن يميزوا أنفسهم وأرضهم من الأمة الإسلامية الكبرى ، وعلى العكس من ذلك كانوا دوماً من المدافعين عن الخلافة الإسلامية حتى سقوط الخلافة سنة 1924 بيد الاستعمار الغربي ومخطط الصهيوني العالمي، والذي سنأتي على ذكره وذكر الثورات المضادة من قبل الكورد لإرجاع الخلافة الإسلامية.

لقد قدم الكورد مئات بل آلاف من المؤرخين و العلماء البارعين الأفذاذ و الفقهاء الكبار، منهم المؤرخ و القاضي الكبير ابن خلكان صاحب وفيات الأعيان (تعود نسبة اسمه إلى اسم قرية في كوردستان العراق باسم (خلكان) و الفقيه الشهير ابن صلاح الشهرزوري صاحب (مقدمة ابن الصلاح) ، والعالم الأصولي الكبير سيف الدين الآمدي و الحافظ المحدث العراقي و ابن الأثير و الآلوسي و ابن الحاجب وكمال الدين الشهرزوري و العلامّة شيخ الإسلام ابن تيمية و الزهاوي و الصواف وسعيد النورسي وشيخ سعيد البيران وناصر السبحاني وغيرهم من العلماء و المؤرخين.

كما وأن الشعب الكردي قدمّ كثيراََ من القادة و المجاهدين للإسلام والمسلمين من أبرزهم القائد المسلم البطل السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي الذي فتحَ الشام وحرّرّ القدس الشريف من الصليبين، وكان قائد الدعوة العباسية وفارسها في الشرق أبو مسلم الخراساني كردياً ولعب دوراً بارزا في توطيد دعائم الخلافة الإسلامية، وإنهاء عهد بني أمية.

وكانت كوردستان ولاية إسلامية مستقلة في عهد الخلافة العباسية وساهم أبناؤه في التصدي لأحداث جسام كانت قاصمة الظهر للخلافة الإسلامية، ولم يمنعهم هذا من تشكيل حكومات وإمارات إسلامية في ظل الدولة العباسية والعثمانية فكانت لهم حكومات مثل (الحكومات الأيوبية) المتتالية في الشام، والحكومة الزندية والاردلانية في إيران والدوستكية في ديار بكر تركيا، والبابانية في العراق، وحسنويه البرزكاني في شهرزور، بقي لهم هذه الخصوصية في الإمارات إلى بعد الصراعات الدامية بين الدولة العثمانية والدولة الصفوية التي كانت أرض كوردستان مسرحاً لأحداثهم، وانتهى صراعهم باتفاقية (جالديران) بموجبه تم تقسيم كوردستان بين الدولتين العثمانية والصفوية، وتأقلم الكورد مع المناخ السياسي الجديد مضطرا إلى الحرب العالمية الأولى ومعاهدة سايكس بيكو وإلغاء الخلافة الإسلامية في 1924، إذ بدأ للعالم الإسلامي ومن ضمنه الكورد مرحلة جديدة سميت بمرحلة إنشاء وتكوين الدويلات على أساس القوميات فتم تكوين 23دولة للقوميات العربية، دون أن يكون للكورد كيان يجمعهم ولكنهم تم تقسيمهم بين خمس دول كبار (تركيا وإيران والعراق وسوريا وأرمينيا)، بهذا السرد السريع وصلنا إلى العصر الحاضر، ونحاول فيما يلي توضيح جغرافية كوردستان وعدد نسمتهم.