كفى يا سيدي كفى
أحاول أن أكتب وأدس قلمي في بحر المعرفة ...فإذا بفأس قوي يضرب رأسي , يوقعني أرضاً , فأفقد الوعي ..
أحاول أن أرى من ضربني..
فإذا به يقول لي : لا تكتب .. لا داعي للكتابة .. فقبل عدة قرون .. قد كتب الآخرون .. هم أذكوا منا ..اتقوا منا ..ولم يبق لعصرنا وزماناً شيء ..سوى التخلف والجهل ..

أحاول استعادة قلمي الملطخ بالحبر الأحمر ..
أكتب يا قلمي أكتب ..أكتب ..أكتب بدموع المظلومين , أكتب بخبز الفقراء , أكتب بمداد المفكرين ..
أكتب ..كم سوطاً فكرياً نلت قبل هذا وأنت تحاول الكتابة ..
أكتب .. أحاول الكتابة ..فإذا بالفأس مرة أخرى ..لكن هذه المرة على قلمي ...
ماذا تريد مني ....

لا داعي للكتابة .. لا داعي للتفكير ...
من أنت حتى تكتب .. فللكتابة أهلها ..وللتفكير أهله وللعلم أهله وللفقه أهله وللدين أهله والفلسفة أهلها وووووووو....
لم يبق لك شيء للكتابة يا صاحبي ..أكسر قلمك وكفاك ركوب رأسك ...

لا سأكتب .. لا تكتب .. لا تكتب ... لا سأكتب ..سأكتب
هيا يا قلمي .. أسطر بدماء الشهداء .. الشهداء الأحياء الذين لم يموتوا بعد , بل أحياء بيننا يعيشون المحن , يذوقون الويلات , ويستشهدون ويموتون ويقتلون ألف مرة ولا يموتون .. يشهدون كل يوم صراع الحق والباطل , يألمون لجراحات الخير واستنزافه ...هيا يا قلمي أكتب .. أكتب ..

إذا بصاحب الفأس يقول : أطلت الكلام هذه المرة , فيقوي من ضربة الفأس , فإذا بالقلم ينكسر إلى نصفين ..
لا تكتب , فهم كتبوا , الشافعي كتب , والبخاري كتب , وابن تيمية كتب , ابن سينا كتب , الفارابي كتب , الأفغاني كتب , الغزالي كتب , الشعراوي كتب البوطي كتب .. كتب .كتب ...كتب ................
لا تكتب يا صديقي , فيكفينا ما كتبوا ...

لا يا صديق .. سأكتب بالشطرين المكسورين ( سأكتب ما أفهمه بسقفي المعرفي والزماني والروحي والتاريخي والقامشلوكاوي , وسأكون مسؤلاً عنه يوم القيامة أمام الله , فمن ذكرتهم لن يجادلوا عني يوم القيامة )
سأكتب بالشق الأول من القلم : ن
وبالشق الثاني : وما يسطرون
وبينما أضع شقي قلمي بين الآيتين لتكتمل الآية ({ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} (1) سورة القلم
فإذا بالفأس يباغتني على شقي القلم , فيلتحم شقي القلم , وينكسر الفأس ! وتكتمل الآية ...
في زخمة الموقف , أسمع من بعيد , صوت كأني أعرفه , صوت جميل ندي , يمس قلبي مباشرة . فإذا بالصوت يقول ({مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} (2) سورة القلم
هنا للمرة الأولى أتمكن من رؤية وجه صاحبي , فأقول له بابتسامة:
( لا تحرمني من نعمة الكتابة )
( لا تحرمني من نعمة التفكير )
( لا تحرمني من نعمة التسطير )