(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل:125)

الحكمة قبل الموعظة والجدال بالتي هي احسن يأتي بعد استنفاذ فرص الحكمة والموعظة الحسنة ..
إن أولى واهم مقومات الدعوة إلى طريق نحن مقتنعون باستقامته هي أن نصيخ السمع للمدعو وان نفتح له آذاننا ومن ثم عقولنا فقلوبنا حتى إذا تشربنا القائل استطعنا أن نصل من خلال ألفاظه إلى معانيه ومقاصده
والألفاظ هي مطية للمعاني قد يكون نفس اللفظ مطية لمعنى عندي وآخر مخالف تماما عندك .. وهكذا أحاسبك على المعنى الذي افهمه من اللفظ الذي نطقت به لأني ظننت أن هناك تلازما عضويا بين الفظ والمعنى
بينما اللفظة بنت واقعها وتاريخها فإذا كنت تريد المعنى المجرد يجب أن تعيدها إلى أصلها اللغوي وان تبين ذلك وإلا لا بد أن تفهم محيط وحيثيات وتاريخ الكلمة عند القائل ... يقول محمد نبيل الخياط ( باحث في اللسانيات وعلوم اللغة ) كلام العربي المعاصر أحرفه عربية ولكن 90% من مصطلحاته غربية لذلك لا بد لكي نفهم المصطلحات المعاصرة أن نضطلع على الأدب الغربي ..

مثلا كلمة أنفال تعني بالعربية سورة من القران وعند الأكراد تاريخ من التصفية العرقية والإبادة الجماعية التي
قام بها صدام حسين على مدة 6 اشهر

وللوجود ثلاث مراتب كما يقول أبو حامد الغزالي وأضاف عليها جودت سعيد مرتبة رابعة : الوجود الحقيقي والوجود الذهني والوجود اللفظي و أضاف جودت سعيد الوجود السنني فبين الحقيقة واللفظ حاجزان ...
لا بد أولا أن أصغي السمع للآخر لكي أتعرف على بدء خلقه فأتوقع نهاية خلقه ومن ثم مواقع ضعفه وقوته مواطن الخلل والاستقامة .. الأبواب المفتوحة والمغلقة ومن ثم المفاتيح المناسبة للأبواب المغلقة ...
الشرط الثاني أن اترك له مساحة في عقلي ومن ثم في قلبي ..
من حق أي إنسان أن يعتقد انه على صواب قبل النقاش ولكن يجب أن لا يضمن ذلك بعده أي يجب أن يترك مساحة للآخر في نفسه .. أي بكلمة أخرى أن يعيش الأستاذية والتلمذة ( ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ) ..
الحكمة هي وضع الشيء في موضعه أي أن لا يكون هناك مجال للاهتزاز والاختلال ( أن يكون محكما في مكانه ) ..
الحكمة تحتاج إلى جلد شديد ومصابرة ومرابطة ومدافعة لهوى النفس ..
تحتاج لدراسة للآخر وتصنيف لاهتماماته ومنكراته ومن ثم وضع خطة للتغيير تقوم على العمل المتراكم أو الكر والفر أو المحاسبة والتجاوز ومن ثم بعد أن تكون قد حرثت تربة نفس الشخص بالحكمة وبعد أن تكون قد آخذت عليه نفسه من جميع أقطارها وأجبت عن جميع تساؤلاته تأتي الموعظة كالمطر الذي يهب الحياة للأرض وليعطي للكلام معنى لينقل الشخص من مرحلة الفهم إلى مرحلة الإدراك ..
حتى هنا يكون الشخص حجة للسامع أما بعدها إذا لم يستجيبوا فلا بد مع ذلك أن لا ييأس بل ينتقل إلى مرحلة الجدال بالتي هي أحسن .. حتى لا يكون لهم حجة أو مبرر لسوئهم وبعدهم بل يظهر سافرا لأنفسهم أولا ومن ثم للناس وشعارنا
( معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون ) ..
وفي نهاية الآية يلفت الله أنظارنا إلى حقيقة مهمتنا التي هي بعيدة عن ذواتنا
فليست هي تصنيف الناس لمهتد وضال وفق ما يريحنا أو يناسب هوى النفس
ولكن ( إن ربك هو اعلم من ضل عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين )
مهمتك وصلاحياتك تنتهي عند الدعوة فلا تتجاوز حدودك ...

عندما نكون بعيدين عن الحق نصبح ضيقي الصدر نضيق ذرعا بمن لا يوافقنا وعندما نكون مع الحق نحزن على الناس لا منهم ونغضب لأجلهم لا بسببهم ولا مكان هنا للحنق أو الجهل أو اللا توازن والانفعالية ...أما إذا كنت منتم إلى فكرة أو اتجاه ومست هذه الفكرة او ذلك الاتجاه المقدسان

( وما هما بمقدسين ) اثور انتصارا لنفسي اللتي هي فكرتي او اتجاهي وهذا يتستر بستائر الحق .. واغلب خصمي بالحق والباطل وقليل من الحق يغني عن كثير من الباطل كما يقول جعفر الصادق .. وبقية الله خير لكم لو كنتم تعلمون ...

ولنتذكر ان العثور هو ان نتحرر ان نكون قابلين للتلقي كما يقول هرمان هيسة
وكذلك لنتذكر ان الحكمة ضالتنا انا وجدناها فنحن اولى بها لنصبح من اولي الالباب الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه .....

جائني اليوم احد الاصدقاء لنتعرف على بعضنا , بعد ان تكلما حوالي الساعة في امور عدة وكانت جلسة جس نبض وفاتحة علاقة ذهبنا الى المدينة الجامعية ...
هناك صلينا جماعة مع بعضنا كنا 7 شباب احدنا شيشاني واخر عربي نصفه كردي
والبقية اكراد بعد الانتهاء من الصلاة اعددنا العشاء وجاء والد احد الاخوة لنصبح ثمانية اشخاص ..
اثناء تناول العشاء سالت الشيشاني بعض الاسئلة عن الشراكس ومعنى اسم غروزني ( ويعني الرهيب لانها استعصت على اجداد البطل الروسي الاسطوري ايفان وهو لم يدخلها الا بعد 200 سنه من القتال فسماها غروزني حين دخلها )
ومن سؤال الى اخر دخلنا في موضوع المجاهدين والجهاد في الشيشان
وتكلم عن المجاهدين العرب ...
قال بان معظمهم لم ياتوا جهادا في سبيل الله ولكن طمعا في دنيا ورياسة او هروبا من فشل داخلي ..قال بان العربي ياتينا طويل اللحية حليق الشارب يعتلي عمة وقد وضع على نفسه برميلا من المسك فينظر اليه الاعاجم نظرة المقدس والامام وسيد الاسلام يتبعونه ويطيعونه طاعة عمياء بسبب جهلهم الذريع ( لذلك ترى الدعوات للدعوة بين الاجانب قوية لانها لاتكلف شيئا بل على العكس تحقق مكاسب
كثيرة ومطامع للنفس )

تكلموا لنا عن الجهاد والقتال حتى ظنناهم صناديد في القتال حتى اذا ما اقترب الروس وبدات تسمع اصوات المدافع والطائرات هرب معظمهم والباقي هربوا عند بدء القتال ولم يبق منهم الا النذر اليسير وهم الذين لم يكونوا يتشدقون بالكلام والمواعظ الرنانة .. اما البقية فقد هربوا بعد ان اعطيناهم بناتنا واموالنا وبيوتنا
فما كان جزاؤنا الا الخيانة ... اهذا هو الاسلام ؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍

ياتي احدهم ليسرد علينا احاديث صحيحة .. حسب قوله ويتبعه الناس ليس لشيء فقط لانه عربي و( مقدس ) ثم ياتي اخر ليسرد احاديث اخرى ويتهم سابقه بعدم الصواب والمصيبة ان اتباع هذا وذاك يذبحون بعضهم البعض ودليل صحة كل منهم انه يتبع عربي ( مقدس) له لحية طويلة وشارب حليق ورائحة المسك تفوح منه ..

كانوا يقولون لنا يجوز ان تنكحوا نساء الروس وان تاخذوا اموالهم وتقتلوهم لانهم كفار ونسائهم سبايا واموالهم غنائم وحجتهم قصة الصحابي الذي رده رسول الله في صلح الحديبية واصبح يغير على القوافل ...

حتى عندما كان الاعلام يصور المجاهدين كان كلام المجاهدين الشيشان يدبلج الى العربية ( احدهم يحرك شفتيه بعشرة كلمات ليكون الصوت بكلمة او اثنتين )

بلاد العرب كانت بالنسبة لنا هي الفردوس والمدينة الفاضلة حتى اذا زرناها
قلنا هؤلاء هم قدوتنا .. اذا كان هذا هو المنبع فكيف نتوقع ان يكون الفرع الذي لدينا ( وكل اناء بما فيه ينضح)

عندما دخلنا غروزني وحررنا الشيشان بدل ان يدعوا الى اعمار البلاد والبناء خرج احدهم لا اعرف من اين ؟ على راس 100 شيشاني ليواجه 100 الف روسي في داغستان مدججين بالمدافع والطائرات .. لماذا؟

عندما كان الشيشاني يتكلم بالم وهدوء كان صديقي الذي تعرفت عليه لتوي تبدو عليه علائم الحنق والضيق والتململ بادية عليه وهو جليس المواقع الاسلامية التي تفوح منها رائحة الجهاد ...
لم يتمالك نفسه وبدا بالهجوم : هل جزاء الذين تركوا ديارهم واموالهم ليحرروا ارضك ان تهزا بهم ...
رد الشيشاني بهدوء :
ياخي انا لا اجزم بما اقول ولكن انا انقل لك اقوال شهود عيان

واكمل قائلا :
شامل باسييف الذي تحلفون براسه .. في الحادثة الشهيرة التي اجتاز فيها المقاتلون حقل الالغام رفض ان يتقدم المقاتلين واصر على ان يتاخر القواد للخلف
الا ان القادة رفضوا ذلك واصروا على ان يتقدموا المقاتلين .. عندها رضخ باسييف وتدحرج القادة بالعرض لكي يضمنوا تفجير اكبر عدد ممكن من الالغام لفتح الطريق امام المقاتلين .. استشهد كل القادة عدا باسببف الذي فقد رجله وعندما حمله المقاتلون الى المشفى كان يصرخ بهم ليسرعوا فما كان منهم الا ان رموه على الارض وقالوا نحن ننقلك لوجه الله فلا داعي لان تعاملنا بهذا الشكل عندها تغيرت نبرة كلامه ...
كان باسييف محاصرا من قبل 5 شيشانيين يريدون قتله لانه قتل اخا لاحدهم وذلك في بيت في قريته في نفس اللحظة جائت قوة من الكوماندوس الروسي اعتقلت الشيشانيين الخمسة وبقي باسييف حرا ...
كان هناك قائد فرقة من المقاتلين مشهور بشجاعته ولكن باسييف كان يتهمه بالجبن دائما حتى حمل ذلك القائد قنبلة يدوية ونزع منها صمام الامان ثم وضعها على الطاولة وقال سنرى من الجبان منا كل المقاتلين هربوا بما فيهم باسييف الا هو لم يحرك ساكنا وبقي جالسا حتى حمل القنبلة احد الحراس ورماها بعيدا ولم يتاثر الا بشظية في اذنه ...
وهكذا تكلم وتكلم بحرقة .. فما كان من احد الاكراد الجالسين الاان قال نحن الاكراد لا دخل لنا نحن بريئون من العرب ...
عندها لم يعد صديقي يحتمل وقال كيف تقول ذلك ما هذا الاسلام ما هذا التعصب الذي اتيتم به من الجزيرة وخلعتم عليه لبوس الدين
وخاض هو وصديقي الكردي نقاشا مريرا حتى هب قائما ليذهب قائلا ما قدمه العرب من خدمة على مى 1400 سنة هذا النور الذي حملوه لنا مهما قدما لهم لن نرد لهم الجميل وما قدمه لي العرب من خدمات لم يقدمه لي اخوتي ..رد الاخر انت لا تشعر بالانتماء الى الاكراد لذلك لا يساعدونك ..وقال الكردي الاكراد كلهم ملائكة والعرب مارقون ( يقصد عرب الجزيرة ) لانهم يعيشون او يرضون العيش على ارض مغتصبة .. هذا ليس بمنطق ولا دين .. وخرج تاركا الباب ورائه

واكمل عنه النقاش والد صديقي ...

مهلا يا صديقي العزيز لقد اخطات في اكثر من امر اولا غضبت من الكلام عن المجاهدين وبررته وعلقته على الغضب للدين من خلال الغضب من القوميين
وثانيا لقد كنت اصدق مثال على مقولة الشيشاني في اننا ضحية العمائم واللحى الطويلة ورائحة المسك وانت لا تدري ....

لم تتحمل حتى الكلام السلبي عنهم ...
ثم كنت تدافع عن امور غير واضحة بعيدة عنا فيها الكثير من الباطل والقليل من الحق مبررا لنفسك من خلال العرض المتطرف الذي طرحه صديقنا الاخر( وهو عرض خاطئ )

ولو انت اعطيت لنفسك فرصة والتقطت انفاسك لكانت المشكلة حلت ببساطة والكل وصل الى حل ولكنت حجة لهم او عليهم ولكن يا صديقي الامور محسومة لدينا والحلول جاهزة ونحن نرفض ان ياتي احدهم ليوقظنا من الحلم الوردي الذي نحن غارقون فيه ببساطة ووضوح ومباشرة ..

انا اسأل سؤالا ان كنت تصدق الاعلام وانت لا تعرف من وكيف يكتب وانت تعلم نهجننا في ابراز الجانب الايجابي وتضخيمه واخفاء الجانب السلبي لكي لا يضطلع العدو على نقاط ضعفنا فاذا كنت تصدق هذا الاعلام بنسبة 1% اليس من الاولى ان تصدق صاحب الماساة وشاهد العيان بنسبة اكبر ام ان الامر معكوس لان هذا لا يوافق هوى انفسنا وحلمنا الوردي ..

لقد غلبته بالحق والباطل وقليل من الحق يغني عن كثير من الباطل
والمسالة هي ان ناكل العنب لا ان نقتل الناطور لاننا نحقد عليه ونكرهه فلا نريد العنب بقدر ما نريد راس الناطور ..
( يا ايها الذين امنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولوا على انفسكم ...)

والحمد لله رب العالمين