أكثر الأشياء التي تميز الغرب في هذا العصر عنا هو فردية كل شخص، بمعنى أنه هناك من التنوع في أفراد هذه المجتمعات ما لا يتصوره عقل احد منا، والأمر بالنسبة لمجتمعاتنا معاكسة أي الفردية أمر مخيف، ويضعك في مواجهة هائلة نفسية، ومادية مع كثير من القوى في المجتمع...

الفردية مرتبطة بالحرية ارتباط كبير، فمعنى أني حر، يعني أنه يحق لي أن أكون مختلفاً، مختلفا بماذا؟ ولماذا أصلا يكون الفرد مختلفا؟...

الأمور التي تحقق فردية الشخص، تبدأ من اللباس، وتنتهي بالاعتقاد أو الايمان...
يعني هل كل انسان يحق له أن يلبس ما يشاء، او أن يؤمن بما يشاء،

وموضوعات أخرى، مثل، فكرة أي شي جديد (له علا قة بالتكنولوجيا أو بالموضة التي استطاعت أن تدخل بدون ما تواجه رفض كبير)،

الفردية عبر العصور هي المحرك الأساسي للحضارات، والفرد هو الذي اخترع، وهو الذي اكتشف، وهو الذي يجعل الحياة غنية، ومليئة، والمجتمع اللي يستحمل ويستوعب اختلاف الأفراد، يستطيع أن يأخذ القوة منهم ليستمر ....
الفردية هي الحق في الاختلاف هي الحق في انتقاء كل ماتريد لنفسك كما تراه انت مناسبا بدون ضغط من الاخرين..في الملبس..المأكل..المشرب..الهوايات..العمل.وأخيرا: الحرية في ان تعتقد ماتشاء..ان تختار اعتقادك او عدم اعتقادك بفكرة او دين او سياسة.. أن تقوم بكل ماسبق بدون ان يؤدي هذا لان تصبح خارج الوعاء الاجتماعي الذي تنتمي اليه.اليس هذا ماتريد ان تقوله؟..ولكن لنتكلم منطقيا: لو فعلت كل تلك الاشياء دفعة واحدة..ألن تكون بالضرورة خارج أي وعاء؟ألم تقم بصنع نموذجك المختلف؟..مامعنى انتماءك لمجتمع ذو هوية محددة اذا؟ هذا بالضرورة غير محقق..وان كنت ضمن مجموعة فعلت كلها مافعلته انت..ماهو القاسم المشترك الذي سيجمعكم؟عليك ان تقول انه:تجمعنا الحرية الفردية..ولكن ما أن باشرت بوضع نظم تربط مجتمعك الجديد هذا..ستبدأ بالتخلي تدريجيا عن الكثير من فرديتك.. وستضطر ان تصغي لرب عملك..أو موجهك العلمي..أو طبيبك النفسي..اليست هذه خدعة؟ ستقول لي انك هنا اخترت من سيعلمك ومن سيكون رئيسك ومن سيعالج مرضك النفسي ..ولم يملي عليك أحد ماتريد.
انت تعود شيئا فشيئا للقبول بضوابط ومعالم تلتمس فيها طريقك..
ها انت تتزوج..تنجب..وبأتيك طفل عليك تربيته..هل ستقول له اذهب وسر في طريقك واكتشف معالمه..أم أنك ستعطيه خلاصة خبرتك..انت تملي عليه اذا نتائج ل(يختار منها)..وهكذا تضيق مساحة الفردية مرة اخرى..
بالحصيلة..يجب ان تصل الى منظومة فكرية يسير فيها المجتمع..هذا مايبحث عنه الغرب اليوم..بعد ان نقض كل المنظومات المتوارثة..عندما طرح مبادئ الحرية الفردية في وجه كل المنظومات الفكرية المتقادمة.ولكنه اليوم يسير حثيثا لوضع منظومته.المبنية على الحرية الفردية..فهل تضمن ان هذه المنظومة ستحقق السلام النفسي والفكري للشعوب؟؟؟؟. وماهي المشعرات التي تؤكد نجاحه في ذلك.؟؟..استباقا اقول لك أنا أرفض ربط التقدم العلمي والتقني بهذه المنظومة..لأن هذا التقدم هو حصيلة بشرية شاملة تمت في ظل مختلف الثقافات والنظم الاجتماعية..أما كون الغرب هو الاكثر قوة واكثر سيطرة واكثر تقدما..فهذا يعتمد على اسس واسباب اكثر تنوعا وتعقيدا..ولا يرتبط بنمط تربوي كـ(الفردية)..الا ببعض الجزيئات..لذلك لايجوز انشاء علاقة تبادلية بين الامرين..لأنه ان فعلت ذلك عليك أن تقبل تعريفا جديدا:..أن المنتصر هو من يملك النمط الاجتماعي والتربوي الصحيح...وتسوق ذلك تاريخيا على مجمل الانتصارات التي حققتها الامبراطوريات المتعاقبة على تاريخ البشرية..بدئا من اليونان..مرورا بالاسلام..وصولا الى امريكا..
التقدم والتطور البشري..قادته تلك الامبراطوريات..وكانت كل واحدة منهم تحمل منظومة فكرية مختلفة..ولكنها اشتركت جميعا بانها كانت اكثر تقدما من سابقاتها..كما كان زوالها ناتج عن فساد المنظومة الداخلي( والذي اعتمد أساسا على شيوع امراض الفردية في الهرم المسيطر) الذي ادى الى جمودها وتوقف عجلة التقدم فيها..
اذاً الحرية الفردية يجب أن تحتوى في وعاء المجتمع حتى نحقق الانتماء، الذي لا بد منه ليكون هناك مجتمع أولا وأخيراً...
فما هو الوعاء الذي يقدمه مجتمعنا لنا الآن؟

وما هي الخطوط الذي إذا أستطعت تحقيقها ستشعر بالانتماء؟

وهل إذا حققت كل تلك الخطوط سيضمن لك المجتمع عدم المهاجمة والاحترام، وفي نفس الوقت ستحقق قدرا من الفردية ؟

وهل إذا خرج فرد عن الوعاء، سوف يحاكمه المجتمع بنضج؟

منقول