خزف القاشاني في العهد الاسلامي

رد واحد [اخر رد]
User offline. Last seen 13 سنة 36 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 11/10/2006

خزف القاشاني في العهد الاسلامي
إن أقدم حرفة عرفها الإنسان على وجه الأرض هي حرفة الخزف وصناعته، التي تعود إلى القرن السابع قبل الميلاد، فقد دلت الاكتشافات الأثرية المبكرة على ذلك بعد أن أصبح في يديها بعض النماذج الخزفية وهي على صورة أشخاص وحيوانات وأدوات منزلية. وقد استخدمت عجلات الخزف في آسيا الصغرى، وعرف المصريون أول العجلات التي تدار بالأقدام, وظهرت صناعة الخزف في بلاد الشام منذ القرن السادس قبل الميلاد وكانت مركزاً هاماً لصناعته.
والكتاب الذي بين يدينا يسلط الضوء على هذه المهنة الفنية العريقة من خلال ما يتناوله من دراسة إطلالة على التاريخ، وما قدمه المسلمون لصناعة الخزف، الخزف في العصر العباسي، أسرار صناعة الخزف الإسلامي، الخزف الإيراني في عصري السلاجقة والمغول، الخزف في الطراز المغربي، الخزف العثماني، الخزف فن وصناعة، النماذج والطرز، طريقة صناعة الخزف، الزخارف الغائرة والنافرة، ألواح وبلاطات القاشاني والسيراميك، أجمل نماذج القاشاني التاريخية في الأوابد. ومما يضفي لمسة جمالية على هذا الكتاب ما يزينه من أجمل صور القاشاني والزخارف الفنية التي حواها بأجمل الصور والألوان
الخزف السوري الاسلامي (القاشاني)
صنعت سوريا أنواعا عديدة من القاشاني، فقد كانت صناعة الفخار معروفة في سوريا خاصة، حتى أنها امتازت بها على بلاد الشرق القديم. وقد استمرت هذه الصناعة بالنهوض خلال العهود الاسلامية. وليست صناعة الخزف الا نوعا من صناعات الفخار المصنوع من تربة ناعمة متماسكة, يشوى ثم يطلى بطبقة الجص، ثم يزخرف الاناء فيغشى بطبقة زجاجية تسمى المينا. وتكون هذه الطبقة ملونة أو غير ملونة يطلى بها الاناء ثم يعاد للشي من جديد، فتسيل المينا ببطئ وتتماسك وتغشى جميع الجوانب المطلية، وبهذه العملية يصبح الاناء أشد متانة وأسهل تنظيفا وألطف شكلا...
وللخزف القديم أنواع عديدة تختلف عن بعضها من حيث التربة والصنعة والأسلوب وموضوع الزينة. وقد اشتهر كل مركز من مراكز هذه الصناعة في بلاد الامبراطورية االاسلامية، بانتاج صنف أو أكثر حتى غلب اسم المكان أحيانا على الصنف، فدرج على اللسان، كأن تقول مثلا الخزف القاشاني، لان قاشان، وهي مدينة ايرانية، اشتهرت بنوع من الخزف مان يزين به الجدران والمحاريب وأعالي النوافذ والأبواب، وهكذا التصق اسم المدينة بالنوع وعرف به، ومن ثم مالبث هذا الاسم أن ساد وأصبح المقصود بكلمة قاشاني الخزف أينما صنع...
فالخزف كان معروفا في بلاد ايران وبيزنطة قبل الاسلام، واستعمله العرب منذ العهد الأموي أما نمو صنعته وازدهارها فقد حدث في العصر العباسي والفاطمي. والأنواع التي صنعتها سوريا في العصر الفاطمي، كانت ذات بريق معدني، ويدلنا على ذلك ماتضمه المتاحف العالمية من نماذج تشهد على تقدم هذه الصناعة: فلدى متحف اللوفر سلطانيتان، الأولى حلبية الصنع يزينها أرنب بري. والثانية وجدت قرب دمشق ومزينة بأشكال لزهرة اللوتس وبعض لكتابات عربية.. وقد وجدت بمدينة الفسطاط قطع سوريا تختلف عن النماذج المصرية في أساليبها، اذ أن العجينة رمادية اللون بينما تتميز عجينة الفسطاط باللون البرتقالي المحلي... ويوجد بمتحف اللوفر نماذج عديدة عليها زخارف تشبه الحروف الكوفية وأخرى نباتية ذات بريق معدني محضر على أرضية أرجوانية..
وفي الفترة الممتدة بين القرنين الثاني عشر والخامس عشر جرى الخزافون السوريون على استخدام الأشكال الزخرفية والأساليب الصناعية التي عرفها العصر الفاطمي، وهذا مايظهر بصورة واضحة في الأواني المدهونة بطلاء من لون واحد وتضم مجموعة الكونتسيه دي بيهاج بباريس، زهرية هامة من صنع سةرية عليها رسوم من بريق معدني ذهبي فوق أرضية زرقاء وتتكون زخارفها من كتابات كوفية بحروف كبيرة على أرضية جميلة من التضريعات النباتية. وهذه التعبيرات من ميزات رسوم الخزف الذي عثر عليه بسوريا من القرن الثالث عشر.
وفي هذا المجال يمكن أن نذهب إلى القول بأن سبب تقدم دمشق والفسطاط في هذه الصناعة على المراكز الأساسية لصنعه، إنما يعود لانتقال الصناع الايرانيين المهرة إلى هذه المراكز الشديدة حيث نالوا من التشجيع ماجعلهم يتقدمون بها، وقد عمل النماذج والتلاقح الحضاريان والتزاوج مع أبناء البلاد الأصليين وعمل ذلك كله على انتقال هذه الصنعة وتقدمهم فيها. حتى وصلت في القرن الصالص عشر إلى تلك الطفرة...
أما في الفترة بين القرنين السادس عشر والثامن عشر فنلاحظ أن اللون الأرجواني الفاتح حل محل الأحمر الذي امتازت به أواني آسيا الصغرى، ويمتاز الانتاج الدمشقي في هذه الفترة بالرشاقة والتأنق المعهودين في مدرسة دمشق.
ولو حاولنا العودة إلى عهد المملوكي لوجدنا أنواعا فاخرة.. ذلك أن خزف دمشق يضرب به المثل من حيث رشاقة الموضوعات التي يعالجها ورقتها وسيادة التعبيرات المزهرة الكبيرة. وتضم مجموعة متحف المتروبوليتان عددا كبيرا من البلاطات ذات الأسلوب السوري إلا أنها تعود إلى القرنين السادس عشر والسابع عشر... وهناك بعض البلاطات الأخرى التي تزينها أشكال من تفريغات الأزهار والمراوح النخيلية المحورة وقرن الغزال والقرنفل.. حتى أنه يمكن القول بأن أسلوب الزخرفة في هذه الفترة في سوريا، أصبح أكثر حرية وإذا كان الخزف قد جرى على نفس التقاليد في القرن الثامن عشر، من حيث مزج الألوان واستخدامها، إلا أن رسومه أقل صورة من رسوم القطع التي سبقت.. ويوجد الآن بمتحف المتروبوليتان قطعة تمثل أسلوب هذا القرن أصدق تمثيل وعليها لفظ الجلالة (الله) واسم النبي (ص) والخلفاء الأربعة الراشدين.
وقد انتشرت أساليب أخرى أهمها رسم الزخرف تحت الطلاء بلون واحد أو بألوان متعددة.. ويميل مؤرخو الفنون الاسلامية إلى أن ينسبوا إلى الشام نوعا من الخزف ذي البريق المعدني على هيئة أوعية أسطوانية، وتوصف باسم (البارتو) وزخارفها أشرطة أفقية أو حلزونية قوامها رسوم فروع نباتية وزهور نباتات منقوشة بالبريق المعدني ذي اللون الأخضر الزيتوني...
وقد ذكر محمد كرد علي في موسوعة خطط الشام بأن القاشاني من الصناعات التي كانت تجود في دمشق وحلب دون سائر بلاد الشام.. وكانت صناعة القاشاني من مفاخر دمشق ومن مواد ربحها.. وكان القاشاني، يصنع من الرمل الأبيض والجص، ويجبلان معا ويفرغان في قوالب على الشكل المطلوب، وتكتب على سطوحها آيات وأحاديث أو أشعار، أو ترسم عليها نقوش مختلفة بمواد ثابتة، ويذر عليها مسحوق الزجاج (وربما المينا) أو تطلس به ممددا بسائل غروي وتشوى في تنور معد لذلك، فيسيل الزجاج (المينا) ويكسوها قشرة رقيقة تقيها من النوائل والمؤثرات زمنا طويلا، وتظهر النقوش رقيقة تقيها من النوائل والمؤثرات زمنا طويلا، وتظهر النقوش والكتابات زاهية بألوانها الطبيعية..
ويكثر القاشاني في الجوامع الدمشقية التي بنيت في عهد العثمانيين وفي بعض الدور القديمة التي يعود بناؤها إلى أكثر من قرنين. ولاتكاد قاعة قديمة في البيوت القديمة التي بناها الأغنياء تخلو من القاشاني البديع، وفي زقاق السقطي في الصالحية بيتان باسم وقف السقطي، تجد في الأول منها (16) قطعة مربعة من القاشاني على صورة محرابي كتبت عليه أسماء الخلفاء الراشدين وفي البيت الثاني قطعة مسدسة الشكل وأربعة قطع أخرى مربعة.
ومن أجمل النماذج الموجودة حاليا عمودان طول كل منهما متر في محراب جامع الدبانة في المناخلية جوار باب الفرج، ويعود سبب تسمية هذا الجامع، لوجود بلاطة قاشاني رسم عليها دبانة عليها خطوط يعتقد القوم أنها بمثابة رصد يمنع دخول الدبان إلى المسجد. كما يوجد في تكيتي السلطان سليمان وسليم وفي جامع تنكز القديم وفي جامع الدرويشية وإلى عهد قريب في سوق الحرير حمام يسمى حمام القاشاني وإلى اليوم يوجد سوق يسمى سوق القاشاني وفيه تباع أشغال الابرة والنوفوتيه ولوازم السيدات وهذا السوق يظهر أنه ليس نفس السوق القديم الذي كان يسمى بسوق القاشاني، بل أن اسمه كما يبدو كان تيمنا بذلك السوق القديم الذي نبي في القرن السابع عشر ليكون قاعة لخلع الملابس لحمام عام لكنه حول إلى سوق ويعرف الآن بحمام القيشاني، وكما يستدل من اسمه فالقاشاني يزين واجهة وجداره الغربي.. وهو من صنع دمشق، وبابه مصنوع من الحديد وفوقه زخارف قيشانية جميلة.
ويظهر أن مراكز هذه الصناعة كانت متجمعة في منطقة الحواكير، ذلك أنه أثناء بناء هذه المنطقة مؤخرا وجدت أشياء كثيرة، وهي ذات ألوان ثابتة لم تؤثر عليها الرطوبة الأرضية ولاتقادم الزمن، وقد وجد في أحد الحواكير كأس من القاشاني مطلية بغشاء ذهبي ذي زخارف، كما يوجد أوان عديدة. ويقول الرجل الذي وجدها بأن القطعة منها بيعت بأربعة مجيديات. كما وجدت في حواكير أخرى أوان عديدة محفوظة في خواب كبيرة من الفخار.
وتمثل موجودات القاشاني الحالي التي تم التحقيق فيها بلاطات وفساقي وزهريات وأواني وأقداحا... بل وأصص زهور وسلطانيات وأباريق وفناجين وقوارير ومسارج وبيوتا للطيور ومساند للأقلم، وغير ذلك من الأواني والتحف...
ذلك من بلاطات زرق مكتوب عليها بخط أبيض اسم (الغفري) وفي مقام الشيخ محي الدين، سألت الشيخ عبده الامام عن الغفري فحدثني بأنه كان يستعمل الغضار الأبيض، ويأتي به من مقالع في أطراف دمشق، بطرق خاصة، وقد كان يدفع به للشي فور انتهاء صنعه مباشرة ويضيف بأنه مدفون في بلدة النبك.
............................................................................................................
ضمت المعابد والجبانات والقصور الملكية، في العصور الفرعونية، ورشا عمل بها حرفيون متخصصون؛ في صناعة الأثاث والحلي والزجاج والمعادن وغيرها من المنتجات. وتزخر المقابر بمشاهد وأشكال حية تصور مجموعات مختلفة من الحرفيين، مثل النجارين والنساجين، في ورشهم. وتمتلئ متاحف العالم بمختلف المنتجات من إبداع أولئك الحرفيين الأفذاذ. ولقد أتى الحرفيون المصريون، على امتداد أربعة آلاف عام، بمختلف الأنواع من الفنون الصغيرة التي تباينت في الأسلوب وفي المذاق الفني؛ وعرفت في جميع أنحاء العالم. ولقد برزت مهارة المصريين القدماء في فنون الحفر في جميع أنواع المعادن؛ بأشكال زخرفية، وتطعيمها بحليات من الأحجار شبه الكريمة ومن الزجاج الملون. كما برعوا في الأعمال الخشبية، مبدعين أنواعا مختلفة من الأثاث للقصور الملكية؛ كانت في الغالب مطعمة بالذهب، ومحلاة بالأحجارشبه الكريمة.
وبالنسبة لعهود خلافة وولاية حكام المسلمين، فإن صناعة زجاج المشربيات وفن الأرابيسك؛ كانت رائجة وشائعة أيضا. ولم تزل أنواع الأواني الزجاجية الشفافة المختلفة باقية إلى اليوم؛ وحتى تلك الصغيرة من بينها، قد صنعت بتفاصيل دقيقة للغاية وتحمل رسوما لمختلف الآثار. ومن الجدير بالذكر أن الأواني الزجاجية في العصور الفرعونية كانت تصنع حول قوالب جاهزة. ولم تستخدم طريقة نفخ الزجاج حتى العصر الروماني. وكان النسج فنا شائعا ازدهر خاصة في الحضارة القبطية واستمر خلال العصور التالية من خلافة وولاية حكام المسلمين؛ حيث انتشرت صناعة القماش والسجاد الفاخر، عالي الجودة.
ولقد سمح وجود أعداد كبيرة من الحرفيين بأساليبهم الإبداعية الخلاقة، بأن تنتقل خبرتهم من جيل إلى جيل. وكان الحرفيون يقسمون إلى مجاميع، لكل منها رئيس أدار شئونها وسوى الخلافات بين أعضائها. وكانت لأحياء مصر مناطق مخصصة للحرفيين وصناع المشغولات الذهبية والنحاسية. ومن الواضح أن يكون الحرفي المصري قد تلقى تعليمه وتدريبه على يد والده، في سن مبكرة. وكان الأطفال يساعدون مجموعة العمل التي يعمل بها أباؤهم؛ لتعلم قواعد الحرفة. وكان ذلك هو الحال في مصر حتى العصر العثماني؛ حيث خسرت مصر الكثير من حرفييها وفنانيها المهرة الذين أجبروا على الانتقال إلى اسطنبول، حاضرة الإمبراطورية. وعليه، فقد شهدت مصر فترة من الركود الفني، استمرت حتى بداية العصر الحديث
القاشانى عبارة عن مادة طينية لامعة ومزينة بألوان عديدة
إن أقدم حرفة عرفها الإنسان على وجه الأرض هي حرفة الخزف وصناعته، التي تعود إلى القرن السابع قبل الميلاد، فقد دلت الاكتشافات الأثرية المبكرة على ذلك بعد أن أصبح في يديها بعض النماذج الخزفية وهي على صورة أشخاص وحيوانات وأدوات منزلية. وقد استخدمت عجلات الخزف في آسيا الصغرى، وعرف المصريون أول العجلات التي تدار بالأقدام, وظهرت صناعة الخزف في بلاد الشام منذ القرن السادس قبل الميلاد وكانت مركزاً هاماً لصناعته.
والكتاب الذي بين يدينا يسلط الضوء على هذه المهنة الفنية العريقة من خلال ما يتناوله من دراسة إطلالة على التاريخ، وما قدمه المسلمون لصناعة الخزف، الخزف في العصر العباسي، أسرار صناعة الخزف الإسلامي، الخزف الإيراني في عصري السلاجقة والمغول، الخزف في الطراز المغربي، الخزف العثماني، الخزف فن وصناعة، النماذج والطرز، طريقة صناعة الخزف، الزخارف الغائرة والنافرة، ألواح وبلاطات القاشاني والسيراميك، أجمل نماذج القاشاني التاريخية في الأوابد. ومما يضفي لمسة جمالية على هذا الكتاب ما يزينه من أجمل صور القاشاني والزخارف الفنية التي حواها بأجمل الصور والألوان.

User offline. Last seen 10 سنة 1 اسبوع ago. Offline
مشترك منذ تاريخ: 10/06/2006

شكرا أخ ميمو جان على هذه الموضو ع الرائع