عبدو خليل : كيف نقضي على الصراصير خلال أسبوع واحد.

2017-03-10

هذا العنوان قد يظنه البعض خاص بالدعايات الترويجية لمكافحة الصراصير، وقد يشبه في جانب آخر منه دعايات المواد التجميلية و الأدوية. من قبيل كيف تقضي على التجاعيد أو الحكة الشرجية وما إلى ذلك من آفات وعلل، لكن للأمانة. العنوان، ليس من باب الدعابة و لا للجذب، لأن الموضوع الذي نحن بصدده. الأبوجية، كمنظومة إيديولوجية وعقائدية ترهق كاهلنا كشعب كردي. بالتأكيد هي أبعد و أخطر من الصراصير و من الحكة الشرجية، و المشترك بينهما هو سبل و طرق المكافحة. لذا اقتضى هذا التشابه في الحلول. عنواناً كهذا، حتى يليق بالمهزلة التي نعيش تفاصيلها.  
 
 
في الواقع معاناة الشعب الكردي من سطوة العمال الكردستاني ليست وليدة المرحلة إنما تعود في جذورها إلى منتصف ثمانينات القرن الماضي. لكنها لم تظهر بهذه الحدية و الفجاجة إلا بعد تمكنه من فرض قوانينه و سلطاته في السنوات الأخيرة. 
لكن قبل الولوج لصلب الآفة التي ابتلينا بها. دعونا بادئ ذي بدء، نتعرف على المرحوم خليل شيخو سيدو. لا تستعجلوا الأمور. هذا ليس شطط عن سياق المقالة. أعرف أن الكثيرون منكم لا يعرفون عن الرجل شيء. خاصة أهلنا في القامشلي و كوباني، قصته التي سأوجزها مختصراً الكثير من التفاصيل ستقودنا لصلب المشكلة. 
خليل شيخو سيدو ينحدر من قرية حدودية في منطقة عفرين تسمى " ميدٌانٌه" قتل في أواخر ثمانينات القرن بطريقة شنيعة على يد زبانية العمال الكردستاني. طريقة قتله لا تختلف كثيراً عن طرق داعش أو جماعات بوكو حرام و لا عن أساليب منظمة الخمير الحمر في كمبوديا، ولم تكن ببعيدة عن فنون الحجاج بن يوسف الثقفي في قتل معارضيه وخصوم خلافته.  قام أنصار الكردستاني بخطف المرحوم و تعذيبه لعدة ساعات، و من ثم بترت يده و إحدى أذنيه و قطعوا له لسانه قبل أن تُسمل عينيه. فُقئت، ثم رٌجم بالحجارة حتى لفظ أنفاسه الأخيرة. الجٌناة كانوا ملثمين. قيل إن البعض منهم كان من القرية نفسها التي ينحدر منها المرحوم. تعرف عليهم الأهالي من خلال نبرات أصواتهم، و أخرون دلت لكنتهم على كرد تركيا. ترافقت هذه الوحشية مع شعارات التمجيد للقائد " آبو" .
تلك حادثة من بين حوادث كثيرة ضمن هذا السياق من القبح و الأجرام جرت في عفرين قبل عقدين ونيف وبمباركة من أجهزة النظام السوري، مثل ضرب القابلة القانونية " فضيلة" و زوجها و غيرهم من الضحايا. ممن طوتهم الذاكرة و باتوا في مهب النسيان.
ربما تفسر تلك القسوة مدى تمسك العمال الكردستاني بمنطقة عفرين منذ بدايات تواجده على الأراضي السورية. لأمور عدة. أهمها وعورة الجغرافيا و قربها من حلب. كخزان كردي احتياطي، لذا لم يكن غريباً أن يرتكب الكردستاني مجزرته الشهيرة بحق عائلة الشيخ حنان، تزامناً مع بدء الحراك السوري السلمي. تم التمثيل بالجثث بوساطة الفأس. البلطة، وتركت في العراء بالقرب من مشفى ديرسم ليوم كامل، إلى أن تدخل بعض الوجهاء لدفن الجثث بصمت و دونما صخب. كانت تلك بداية النقلة الثانية لدى الكردستاني في رحلته مع القمع والتنكيل.
 مع بالغ الأسف تركت عفرين آنذاك لمصيرها. من قبل الأشقاء في باقي المناطق الكردية في سوريا وخارجها، وبرر البعض. بسذاجة وصبينة، تلك المجزرة. بالتقليل من أهمية عفرين. تارة، و بالاستهزاء من سكانها تارة أخرى. و سبق أن عرجنا على تلك الوقائع من على صفحات الموقع ذاته. ولاتى مه، و نعتنا البعض بالمناطقية و أخرون شخصوا الحالة على أنها ليست أكثر من لغط، و إذ أعيد رسم الصورة مجدداً. ليس لإعادة مظلومية عفرين هذه المرة، إنما لتسليط الضوء على وقائع جرت كما خطط له العمال الكردستاني. أولاً، استطاع سحق الحركات الكردية الحرة التي تشكلت في عفرين و حلب. لمناهضة النظام و فضح سياسات العمال الكردستاني المشبوهة. في آن واحد، و ثانياً استطاع تعبيد الطريق للوصول إلى القامشلي. حيث يتمركز قادة الحركة الكردية. وصل لمبتغاه و أمتلك زمام الأمور، بينما كانت هذه الأخيرة مشغولة بالتفاوض معه لتقاسم السلطة والنفوذ. هذا الوقت، الذي هٌدِر في التفاوض. كان كافياً ليتمكن الكردستاني من تقوية منظومته العسكرية وترتيب تموضِعه على الأرض.
في المرحلة التالية. بعد فشل اتفاقية أربيل و دهوك ، سادت حالة ذهول أوساط الحركة الكردية. بدا وكأنهم يكتشفون العمال الكردستاني للمرةِ الأولى. كانت القامشلي قد احُتلت، و تصاعدت موجات الهروب الجماعي مع ارتفاع وتيرة القمع والتضييق والقتل، ضمن هذا المشهد ظهرت حقيقة الكارثة التي تم السكوت عنها، ليس خلال السنوات الأخيرة فقط، إنما طيلة العقدين الماضيين. 
مازال الحديث يتم عن العمال الكردستاني من قبل خصومه السياسيين المتمثلين بأحزاب المجلس الوطني الكردي، ومن لف لفه من نشطاء ومثقفين. تنصب كل الانتقادات حول احتكاره للساحة و رفضه الشراكة. لم يتجرأ أحد على رفع الصوت أمام همجيته وإرهابه. ظناً مِنهم أن ذلك يخدم أعداء الكرد، والمقصود هنا. تركيا، مسمار جحا الذي يعلق عليه الكل فشله. مع أن كل الصفاقة التركية طيلة السنوات الماضية، و كل سياسات البعث السوري لم تتسبب بما تسبب به العمال الكردستاني بمفرده حيال كرد سوريا، من تهجير وقمع وقتل ومعارك لا جدوى منها.  
هذا التخاذل الناعم، إن جاز التعبير. لدى النخب السياسية الكردية، في سوريا وخارجها، و التي حاولوا  حصرها في المحاصصة كانت في جانب منها قصوراً في الرؤيا، وما حدث في شنكال. المواجهة المسلحة، و تصاعد الأمور مع حرق مكاتب المجلس الكردي والاعتقالات التعسفية بحق أعضائه، ليست أكثر من تداعيات تلك المرحلة التي تم ترحيلها إلى يومنا هذا.
هذا السرد و التذكير. الممل أحياناً. من أجل فهم دروس الماضي و استنتاج العبر. حيث لا مفر من حتمية التاريخ. الصدام، مع من يحاول تجاوز إرادة الشعوب، و لا جدوى من سياسات ترحيل المشاكل أو التغاضي عنها بمقولة. حرمة الدم الكردي على الكردي. تلك كذبة كبرى و ليست أكثر من محاولة لتحقيق نرجسية البعض في تقاسم السلطة والنفوذ مع العمال الكردستاني، و الحالة الكردية بالعموم ليست استثناء ضمن صراعات الراهن السوري، الكثير من السوريين اصطدموا ببعضهم البعض. رغم قوة ومتانة الروابط الدينية و الاثنية و الجوار و التاريخ والمصير المشترك. 
لا يعني هذا الكلام بالمطلق التوجه نحو الاقتتال الكردي البيني، ولا لدخول تصفيات دموية. و سبق أن أشرت لذلك في أكثر من موضوع. لكنها دعوة أخرى لتغيير الآليات و الأدوات السياسية بمواجهة العمال الكردستاني، من أجل تغيير المواقف الرمادية لدى المثقفين و النشطاء والمستقلين و الأحزاب. خاصة الفئة التي تختبئ تحت نهج الخط الثالث للتنصل من اتخاذ المواقف خوفاً من تحمل التكاليف. 
من الضروري التوجه نحو تحريك الأغلبية الصامتة من الجمهور الكردي. في الداخل والخارج، كشريك في صنع القرار. لا كمراقب ومتفرج، لتحمل مسؤولياته، و لا كضحية تبحث عن محام للدفاع عنها، من يمارس السياسة بتلك العقلية. عقلية محام الدفاع، يعيد نسخ تجربة العمال الكردستاني في استعباد الشعب الكردي ومصادرة إرادته، و يعمل على ديمومة تفاقم الأزمة ويخشى الحلول التي يمكن لها أن تطيح به، ومن يسعى لمقارعة العمال الكردستاني من خلال أدوات خارجية. عسكرية. عليه أن يدرك جيداً أن تلك الطريقة أيضاً بمثابة خشبة النجاة التي تلقى له من أجل إنقاذه. كلما ضاقت به الظروف، عدا عن كونها حُجته في تخوين الآخر و إقناع جمهوره بالانقياد خلفه.  
المطلوب اليوم. أكثر من أي وقت أخر، التخلي عن الهوية الحزبية الضيقة لصالح العام، و إشراك الجمهور الكردي من عفرين إلى كوباني وصولاً إلى القامشلي في معركة تهديد وجوده. ليس فقط لدرء المخاطر الخارجية المحدقة به، إنما للحد من الطاعون الذي يفتك به من الداخل، والمتمثل بالعمال الكردستاني، يقتضي هذا التنازل عن وهم المكاسب الخلبية و الآنية. المتمثلة بافتتاح مكتب هنا أو هناك أو المشاركة بمؤتمر أو مفاوضات. هذه الجزئيات. مع عدم التقليل من أهميتها، لكنها لن تكون بديلاً عن الجمهور الكردي، لأن الانشغال بمنافسات رخيصة للاستحواذ على منصب أو الوصول إلى كرسي و ما إلى ذلك من تفاهات تعتبر مقتلة لجوهر القضية و المشكلة. لذا توجب التوقف عند هذه التفصيلات احياناً و نبذها و فضحها لأنها جزء من الاستعصاء في التاريخ الكردي الحديث، لا بأس من مواجهته بمنتهى المسؤولية والشجاعة.
و أخيراً. بالعودة إلى العنوان، و حسب نظرية مكافحة الصراصير. التي تقول فحواها، لا يمكن لك القيام بمكافحتها بمفردك إن لم يبادر جيرانك في البناء بفعل. المكافحة، تزامناً مع ما تقوم به. ببساطة ستنتقل الصراصير مجدداً عبر الشقوق و فتحات التهوية إلى منزلك بمنتهى السهولة واليسر، وتبوء كل محاولاتك بالفشل، وتكتشف بالنهاية أنك صرفت الكثير من المال و الوقت عبثاً، أما عند تحقيق شرط. التعاون والتزامن، يمكن القضاء عليها بظرف أسبوع، وتلك الحلقة. التزامن و التعاون هي المفقودة بين الجمهور الكردي و من يدعي بتمثيله من أحزاب سياسية. لذا نرى الصراصير تسرح وتمرح جيئةً و ذهاباً من عفرين إلى القامشلي مروراً بكوباني.