علي رضا : رسالة إلى صديقي… بعد 1000 عام

2016-08-24

تخيلت لو أن طالباً ما في مدرسة بعد ألف سنة سيقرأ التاريخ ويرى في كتابه أحداثنا هذه، فما الذي سيُكتب له يا تُرى؟ هل سيُكتب له تاريخٌ كالذي قد كُتب لنا!
 
جلست، وفكرت، وكتبتُ رسالة وجهتها في خيالي لشاب مثلي يعيش بعد ألف سنة. وعلى الرغم من أن ما سوف أكتبهُ لن يصله على الأغلب، لا لشيءٍ سوى أني لست واعظا أو مطبّلا للسلطة، أو لأنني لست مؤرخاً وحسب. لكني سأكتب.
 
إلى صديقي!
 
دع عنك كتب التاريخ هذه، ولا تصدق كل ما يكتب فيها. فلربما كان المجرم في كتاب تاريخك صالحاً في حقيقته، ولربما كان الصالح فيه من أخبث الناس. إياك أن تُخدع كما خُدعتُ، وخدعنا.
 
فـ داعش أو ما يعرف بـ “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، ليس جيشاً للمسلمين جاء لهداية الناس ونشر السلام.
 
داعش حاول نشر إسلامه الخاص به، مضرّجة يده بدماء الأبرياء، وادعى انتماءه لدينٍ يقول في نصوصه “لَهَدمُ الكعبة حجراً حجراً أهون من قتل إنسان”.
 
ولربما سيكتب بعضهم أن أبا بكرٍ البغدادي كان قائداً ورجلاً صالحاً، أفنى عمره في الجهاد وهُدي على يديه الآلاف!
 
لا، لا تصدق. بل كان قاتلًا! ومن كتب التاريخ لك يعلم ذلك تماماً. لقد قتل الكثير والكثير لكن، وكما جرت العادة، سيكتبون لك أنه كان صالحاً، لا لشيء سوى أن الضحية ليست من دينهم أو طائفتهم.
 
أتعلم يا صديقي أنهم الآن يطلبون مني تصديق أن كل الخلفاء العباسيين أو الأمويين كانوا عادلين رغم كل ما فعله بعضهم!
 
كيف لي أن أصدق وأنا شاهدت بعيني جرائم بعض حكام العرب في الوقت الذي يُمتدحون فيه وتعطَّر سيرهم زيفا وكذباً!
 
فاعذرني يا صديقي، فهم لم يعشقوا إلا طائفيتهم وأنا أبغضهم لأني مع المظلوم حتى لو كان كافراً، وضد الظالم حتى وإن كان زاهداً عابداً.
 
إياك أن تصدق! أجدادك قدموا للبشرية الكثير، نعم. قدّموا علماءً كان لهم الفضل والأثر الكبير على تقدم البشرية. لكن أتعلم أن الكثير منهم عاشوا وماتوا مُكفّرون في مجتمعهم، مُحاربون من السلطة، وربما الناس!
 
إياك أن تنبهر بأي شخصيةٍ تاريخية مهما قرأت عنها. لقد لقنوني القصائد فقط لجمالها اللغوي من دون مضمونٍ معتبر. وربما سيذكر لك التاريخ بعض شعرائنا وفنانينا الآن، فلا تصدق دون تدقيق.
 
وختاماً يا صديقي، قد تكون تائهاً مثلي في أزقة التاريخ. مصدوماً بوجهه الآخر. أو مشغولًا بشيءٍ آخر. أو ربما لا يعنيك لا تاريخك ولا حقيقته وهذا جميل، مع أن الحقيقة المُرّة أجمل بكثير من أكاذيب مغلفة مُجمّلة! لكن إياك أن تصدق أن كل تاريخك كان عظيماً، لأنه لو كان كذلك فعلاً لما كان هذا هو حال حاضرك.
 
فالتاريخ كتبه المنتصرون، كما كتبوه لي. ولربما أغلب المنتصرين كانوا في حقيقتهم مجرد قتلة.
 
عن الكاتب: علي رضا، مدوّن ومتطوع مدني من العراق. مهتم في شؤون الأديان. كتب لعدة صحف عراقية ومواقع و مدونات عربية، وعرف بتدويناته الصغيرة على تويتر.