في اليوم العالمي لحرية الصحافة 3 أيار/مايو 2016: سوريا الأولى عالمياً في عدد الانتهاكات بحق الإعلاميين، والحدث السوري محاصر بإعلام غير مهني

2016-05-03

بعد مرور أكثر من خمس سنوات على الثورة السورية، لا يزال العالم عاجزاً عن وضع حد لماساة السوريين ووقف الانتهاكات التي تحصل بحق الإعلاميين والمراكز الإعلامية فيها، كما لا تزال الكثير من الدول عاجزة عن توفير الأمان للإعلاميين السوريين على أراضيها وتتعامل معهم بشكل غير لائق، من جهة أُخرى يؤكد الإعلام الحكومي السوري يوماً بعد آخر، وكذلك بعض وسائل الإعلام العالمية افتقادها إلى المهنية، وتحولها من وسيلة لنقل الحقيقة الى وسيلة لانتهاكها، وللاعتداء على الضحايا أنفسهم وانتهاك حقوقهم.
 
لقد تحولت سوريا إلى مقبرة كبيرة للإعلام، تضم بين جنباتها الآلاف من قصص الانتهاكات التي تشكل كل واحدة منها وصمة عار على جبين المجتمع الدولي الصامت حيال ما يجري، وعلى جبين مقترفيها، الذين يتشابهون رغم الاجندات المختلفة التي تحركهم، ذلك أن الشئ الوحيد الذي تكاد تتفق عليه مختلف الأطراف المسلحة، وعلى رأسها نظام الأسد هو استهداف الإعلام المهني لتجفيف منابعه، وذلك لاحلال أدواتها الإعلامية التي تستخدمها كسلاح لترويج الايديولجيا التي تتبناها، وتسويق رواياتها.
 
لم تكتفي معظم الأطراف المسلحة في سوريا بمحاربة الإعلاميين المهنيين وقتلهم وارتكاب مختلف الانتهاكات بحقهم، بل عملت على ترويض العاملين في مؤسساتها الإعلامية، حتى تحول هؤلاء إلى أدوات لحروبها النفسية وفقدوا كل صلة لهم بمواثيق الصحافة الأخلاقية، وهكذا وجدنا إعلاميي النظام السوري، يقومون بالتعدي على المهنة من خلال تحولهم إلى أداة تضليل، كما شاهدنا بعضهم يشترك في ارتكاب جرائم ضد الانسانية والاعتداء على حرمة الضحايا، من خلال التحقيق مع جرحى مدنيين، مباشرة في موقع تعرضهم للاصابة، أو من خلال التنقل بدم بارد بين جثث الضحايا والظهور في صور "سيلفي" معها، وكان آخر ما حدث في هذا الخصوص هو ظهور الصحفية في التلفزيون الحكومي السوري كنانة علوش، ضاحكة في صور "سيلفي" انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، وخلفها عدد من الجثث، في مدينة حلب التي تتعرض الحياة والبيوت فيها للحرق حالياً، عبر هجمات جوية من الطيران الروسي والسوري.
 
لم يعد الإعلام الذي تمتلكه الأطراف المسلحة في سوريا يكتفي بنقل الأحداث والفظائع التي تحصل، بل أصبح من المساهمين في تلك الفظائع وفي الترويج لها، وسلاحاً تستخدمه تلك الاطراف في حربها النفسية ضد بعضها البعض، وضد المدنيين من جهة أُخرى، فقد عرض إعلام حزب الاتحاد الديمقراطي صوراً لشاحنة عسكرية كبيرة، صُفت عليها جثث كثيرة في نهاية شهر نيسان/ابريل الفائت، وذلك خلال مرورها في شوارع مدينة عفرين، التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب التابعة للحزب. من جهة أُخرى فقد امتدت اللامهنية إلى وسائل إعلامية كُبرى حول العالم، وفي هذا الخصوص نشرت قناة "بي بي سي عربي" في نشرتها الصباحية ليوم 30 نيسان/ابريل 2016 صوراً لقتلى وجرحى ودمار في مناطق من حلب، قالت بأن النظام يسيطر عليها، وبأن الضحايا سقطوا جراء قصف قوات المعارضة عليها، في حين أن الحقيقة كانت مخالفة لذلك تماماً، فقد كانت الصور من مناطق خارجة عن سيطرة النظام، استهدفتها الطائرات الحكومية السورية وحليفتها الروسية، فتسببت بوقوع ضحايا وحصول دمار كبير.
 
لقد وثق المركز السوري للحريات الصحفية في رابطة الصحفيين السوريين وقوع أكثر من 700 انتهاكاً بحق الإعلام في سوريا منذ خمس سنوات، وكان من بين الانتهاكات التي جرى توثيقها مقتل 337 إعلامياً، ما بين صحفي ومواطن صحفي، من الجنسين ومن جنسيات مختلفة، ولا يزال أكثر من 40 إعلامياً مجهول المصير، بعد أن تعرضوا لعمليات اعتقال أو خطف على أيدي القوات التابعة للنظام السوري والمجموعات المسلحة الأُخرى، كما طالت الانتهاكات عشرات المراكز والمؤسسات الإعلامية، من خلال عمليات قصف وحرق ونهب ومنع من العمل، وكان آخرها عملية الحرق المتعمد الذي تعرض له مقر إذاعة "آرتا" نهاية الشهر الماضي، في مدينة عامودا الواقعة شمال شرقي سوريا، والتي تسيطر عليها قوى أمنية وعسكرية تابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي.
 
تابعت الفصائل المسلحة ملاحقة الإعلاميين السوريين خارج سوريا، وقد تزايدت مؤخراً الانتهاكات التي تعرض لها الصحفيون السوريون خارج بلادهم، فأصبح الإعلامي السوري، الذي غادر بلاده مكرهاً بين مطرقة الفصائل المسلحة وسندان الدول التي يقيم على أراضيها، وأصبح يفتقد الأمان نتيجة التهديدات المستمرة التي تلاحقه، والتعامل غير اللائق من قبل سلطات بعض الدول، وعمليات الاعتقال المستمرة التي تطاله، وقد وصل الأمر الى حد تعرض صحفيين سوريين لعمليات قتل في تركيا، وكان آخر الضحايا الصحفي زاهر الشرقاط، المذيع ومقدم البرامج في قناة حلب اليوم، والذي تعرض لعملية اغتيال في شهر نيسان المنصرم، في مدينة غازي عنتاب التركية.
 
وهكذا، لا يكاد يمر يوم إلا ويحدث فيه انتهاك بحق الإعلام في سوريا، حتى أصبحت بذلك الدولة التي يقع فيها أكبر عدد من الانتهاكات في العالم خلال مدة خمس سنوات، دون أن يستطبع أحد وقفها أو ملاحقة مرتكبيها، والتي يشارك في ارتكابها عدد غير محدود من الجهات المسلحة، يقف على رأسها نظام الأسد وحلفائه من حزب الله وإيران وروسيا، بالاضافة إلى تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" وحزب الاتحاد الديمقراطي، عبر أجهزته الأمنية والعسكرية وحتى الإعلامية.
 
يتوجه المركز السوري للحريات الصحفية في رابطة الصحفيين السوريين، بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة بالتحية إلى أرواح الإعلاميين السوريين، الذين ضحوا بأنفسهم تجسيداً لقيم الصحافة الأخلاقية، من خلال عملهم المهني ونقلهم صورة ما يجري في البلاد. كما يحيي المركز الإعلاميين السوريين الذين يصرون على العمل رغم المخاطر التي يتعرضون لها، ومن هؤلاء الصحفيون الذي يبثون رسائل الحقيقة من وسط الركام في حلب، على وقع سقوط الصواريخ المدمرة على رؤوس المدنيين في المدينة، حيث نجحت صورهم الحية في تحريك العالم مرة أُخرى.
 
يدين مركز الحريات بشدة الانتهاكات ضد الإعلاميين والاعلاميات السوريين والأجانب، ويدعو إلى الالتزام بقرار الأمم المتحدة 1738 لعام 2006 الداعي إلى وقف الهجمات ضد الصحفيين وموظفي وسائل الإعلام والأفراد المرتبطين بهم، واعتبارهم أشخاصاً مدنيين يجب احترامهم وحمايتهم بصفتهم هذه، وإلى إعتبار المعدات والمنشآت الخاصة أعياناً مدنية لا يجوز أن تكون هدفاً لأي هجمات أو أعمال إنتقامية، كما يدعو المركز إلى احترام العمل الإعلامي والكشف عن مصير عشرات الصحفيين والمواطنين الصحفيين الذين يحتفظ باسماء الكثيرين منهم، واطلاق سراح الموقوفين منهم لدى مختلف الجهات، ومحاكمة جميع المسؤولين عن الانتهاكات ضد الإعلاميين.
 
 
المركز السوري للحريات الصحفية
رابطة الصحفيين السوريين
3 أيار/مايو 2016