د . محمود عباس : سوريا والأربعين حرامي 2/2

 الكرد في سوريا القادمة
 
    حضور المجلس الوطني الكردي بتلك النسبة في مؤتمر الرياض عكست ضعف المجلس أمام المعارضة العروبية الإسلامية، وادعاء ممثلية الائتلاف أو مفوضية المؤتمر بأن الكرد كانوا حاضرين، من خلال هيئة التنسيق وغيرها، جهالة مقصودة،  ودلالة على أن القادم على سوريا لن يكون بأفضل من سلطة بشار الأسد، وما جرى في مؤتمر ديريك لم يكن بأفضل من الرياض، والغريب أن الطرفان الكرديان لا ينتبهان إلى أن تعامل القوى الإقليمية مع الكرد سياسيا لا تؤثر سلبا في الأطراف المعادية للقضية الكردية، ما لم تدخل في الواقع الفعلي على الأرض، فرفض اشتراك أل ب ي د أو أل ي ب ج تيمننا باشتراك معظم الفصائل المسلحة المعارضة  لم تكن من منطق معاداة السلطة أو التعامل معها، بقدر ما ينظر إلى هذه القوة المسلحة، كقوة كردية، قد تتوسع لتمثل كلية الحركة الكردية والشعب الكردي وستتمكن من فرض فيدراليتها على حكومة سوريا القادمة، ولا يتوقع بأن موقفهم ذاك سيتغير فيما لو كانت القوة من المجلس الوطني الكردي أو قوات كردستانية مشتركة تمثل كل أطراف الحركة الكردية. فالقضية ليست في تعامل هذا الحزب الكردي أو ذاك، بل هي في البعد الثقافي للمعارضة العروبية الإسلامية، والدول الحاضنة لهم والتي تستعمر كردستان. وتبقى هذه المعادلة معتمة على الأحزاب الكردية المتصارعة، أو أنهم يتناسونها تحت ضغوطات إقليمية، وبالتالي خدماتهم في عمقها، وفي الجهتين، لا تصب في خدمة القضية الكردية بقدر ما تصب في خدمة المعادين لها.
 
   لقرب انتهاء إدارة براك أوباما، سيضطر، ولأسباب ذاتية وخاصة بالحزب الديمقراطي الأمريكي، على قبول كل الحلول المطروحة، من كل الأطراف وخاصة من الطرف الروسي، وسيفرض على المعارضة السورية، عن طريق السعودية وتركيا، التنازل عن مواقفها، ولعدة اعتبارات، باستثناء رحيل بشار الأسد، وعليه نرى تحركات وزير خارجيتها جان كيري المكوكية والسريعة، حاملا في معظمه الملف السوري بيده. وقد ظهر أن له القدرة على الحل الترقيعي، وأول مؤشر هو قدرته على جمع المعارضتين السياسية والمسلحة دون استثناء، إلا من النصرة المحظورة، على طاولة واحدة، وقبولهما تشكيل وفد في أقل من يومين، وتبينت القدرة ورغبة وضع حل سريع من خلال إعادة أحرار الشام وتغيير قرار الخروج من مؤتمر الرياض ذاتيا، وإعادتهم تحت إملاءات، والتي عكست وبشكل واضح هيمنة الإدارة السعودية، إضافة إلى الحصول على موافقة روسيا الاجتماع في نيويورك، كتمهيد لتقديم عرض على مجلس الأمن.
 
  معظم المنظمات المسلحة تابعة أو تتعامل مع النصرة، ويفرزون كمجموعات تكفيرية لدى الروس والأمريكيين معا، لأن حضورهم من العوامل التي ستمهد طريق تسهيل الحل، خاصة وأنهم بشكل أو آخر وافقوا على الشراكة في السلطة القادمة مثلها مثل المعارضة السياسية. ويتوقع المراقبون بأن أصرار الروس على بقاء بشار الأسد هي خدع دبلوماسية، والتصريحات هي من ضمن أوراق الضغط، والحل الذي سيحصل، لن يتجاوز عملية ترقيع للمشكلة السورية، فالمعارك ستستمر، والصراعات السياسية والعسكرية ستبقى سيدة الموقف في الحكومة القادمة، الانتقالية أو حتى التي يتوقع بأنها ستنتخب، لأن الأغلبية ترجح نجاح شبيه بشار الأسد في الانتخابات حتى ولو كانت تحت إشراف الأمم المتحدة، إلا في حال منع مؤيديه من الترشح، إلى جانب الظهور المفاجئ لقائمة بأسماء المنظمات الإرهابية والتي تضم معظم المعارضة الإسلامية التكفيرية المسلحة، بينهم بعض التي تدعي بالاعتدال، مع غياب المنظمات التي تساند سلطة بشار الأسد من القائمة، وهي ليست قائمة نهائية، وإذا ثبتت على هذه الأسماء، فالحلول ستكون وهمية ولن تعكس الواقع.
 
   القضية السورية مستنقع من عدة أوجه: الأيادي التي تعبث بالداخل السوري تحت حجة عرض الحلول أو حل المشاكل أو مساندة المعارضة أو السلطة، تجاوزت حدود التحكم بهم، وفرزهم ضمن طرفين أصبح من حكم شبه المستحيل. غابت قضية الصراع بين الشعب والسلطة، لتظهر عوضا عنها عدة أوبئة، انتشرت بسرعة وتعمقت في ثنايا المجتمع السوري، فسادت القضية المذهبية بين السنة والشيعة، والصراع بين المنظمات التكفيرية والأكثر تكفيرا، وبين الإسلام السياسي والعلمانيين، بين المعارضة الانتهازية والحقيقية، بين كل هؤلاء وسلطة بشار الأسد والمعارضة الفاسدة التي تدعمه في الخفاء، ولا ننسى القضايا القومية، وخاصة الكردية، وهنا لا ننسى الأدوار السلبية للدول الإقليمية والدولية ومصالحها وأجنداتها الذين يريدون حلها على حساب الدم السوري. كل تلك في طرف وعدم جدية الدول الكبرى في وضع الحلول لاعتبارات خاصة بمحاربة إرهاب الإسلام التكفيري السياسي في طرف آخر.
 
القضية الكردية على عتبات مؤتمري الرياض وديريك.
 
     مستعصية وستزداد تعقيدا، على خلفية:
 
1- التناسي المقصود من قبل مؤتمري فينا الدولي والرياض للواقع السوري الاثني، والطائفي، وبشكل خاص إهمال القضية الكردية تحت حجج واهية، ومثلها في ديريك، حيث التبجح الزائد بالديمقراطية في سوريا القادمة، عتمت على القضية القومية الكردية في سوريا، وهو مقصود في كثيره.
 
2- التشتت الكردي والتي تقف عليها سوية تعامل المعارضة والقوى الإقليمية والكبرى معهم، وستصبح من المعضلات الكبرى في سوريا القادمة، بل وفي المرحلة الانتقالية أو بعدها. وستكون سلبياتها على الكرد ثقيلة، في حال بقيت الأحزاب على طرفي النقيض، وتمسكت مجموعة الإدارة الذاتية بعنجهيتها، ورفضت الحوار والشراكة، وخاصة قضية إشراك بيشمركة روج آفا مع قوات الحماية الشعبية، ورفضهم القاطع التغيير في هيكلية هذه القوات.
 
التوقعات في:
 
  الواقع العسكري: في حال تشكل الحكومة الانتقالية، وقبول الفصائل العسكرية المعارضة المشاركة فيها والتي تجاوزت عشرة أكبر الفصائل في سوريا المشتركة في مؤتمر الرياض، وهو احتمال ضعيف، لكن في حال حدوث ذلك، ستبقى الإدارة الذاتية محتفظة بمنطقتها وقواتها وستدافع عنها، ولن ترضخ لإدارة فصائل تكفيرية أو حتى تحت اسم الجيش السوري، فالفروقات بينهما هائلة، إيديولوجية، وثقافية، وسياسية، وتبعية، ونوعية التكوين وغيرها، أنهما على طرفي النقيض، بين من يؤمن بالجهاد العنفي والفكر العلماني، ولكن القوة ستكون غير متوازنة، ولا بديل عن تقوية الإدارة الذاتية إلا باشراك كل الأطراف الكردية التي هي الأن خارج جغرافية الإدارة الذاتية وهي موجودة أن نفاها البعض أو سكت عليها، ولا يعني هذا تكوين جيش كردي لمحاربة جيش سوريا القادمة، بل لخلق ثقل عسكري مماثل للثقل السياسي، ليكون التعامل منطقيا، ويتم التحاور على المطلب الكردي كما يريده الكردي لا أن تملى عليه.
 
 الواقع السياسي: وهو موبوء منذ اللحظة، وقبل الأن، فبعد مؤتمري الرياض وديريك، المرتبطين بالقوى الخارجية، والذين عقدا تحت إملاءات السعودية وإيران، وتشكيل اللجنتين، مثل الكرد في الطرفين بهزال، إما داخل اللجنة، أو ضمن الاعتبارات الدولية. علماً أن التمثيل لا اعتبار له إلا بعد الاجتماع القادم ( جنيف -3 أو فينا -3 أو واشنطن)، وفي المرحلة الانتقالية، وعند تشكيل الحكومة، ستظهر سلبيات التشتت الكردي في كل الأبعاد، تمثيلهم سيكون هشا في الحكومة، وسوف لن يكون لهم صوت مؤثر على عرض مطلبهم: النظام الفيدرالي، ولا مركزية الدولة، وبالتالي وفي حال نجاح المعارضة العروبية الإسلامية، ستتشكل الدولة المركزية، وكما يقولون الدولة المدنية ( ولمعرفة المدنية يجب قراءة تاريخ الإسلام من المدينة أو من الاتفاقية التي جرت تحت سقيفة بني ساعدة) وبالتالي سيطالبون من الإدارة الذاتية حل حكومات كانتوناتها، والتي لم تنتقل بعد إلى المرحلة الفيدرالية، مع ذلك لها وزارتي الدفاع والخارجية، وهي من ضمن التناقضات الغريبة سياسيا، والرفض سيكون سيد الموقف، وسيتوقعه مسبقا الأطراف العروبية الإسلامية المعارضة. ومثلما ستكون عليه رفض انضمام قوات الحماية الشعبية إلى الجيش السوري الإسلامي القادم، ستكون احتمالية المواجهة السياسية موجودة، والتشتت الجاري بين الأحزاب الكردية ستقوي موقف الحكام الجدد، وستسهل عملية الضغط الدولي، خاصة عندما تكون قضية داعش في مرحلة الضمور بعد رحيل بشار الأسد، لأنهما قضيتين متزامنتين ومتلاصقتين.
 
قبول الطرفين حضور مؤتمرين منفصلين دون أن يكون بينهما أي حوار أدت إلى توسيع هوة الخلافات بينهما، ولا ينتبهون إلى أن حوارات جرت بين ألد أعداء البعض، السلطة والمعارضة المسلحة! فهل الأحزاب الكردية أكثر عداوة منهما؟ أم أن الإملاءات تتجاوز قدراتهما؟
 
  الأحزاب الكردية في الطرفين، أمام قضية تاريخية مصيرية، وبشكل خاص المكونة للإدارة الذاتية والمتحكمة بأمور الحوار والقبول أو الرفض، فهم في هذا الجفاء والتشتت لن يتمكنوا من الحصول على الشرعية الدولية، وسيواجهون معارضة شديدة من جميع أطراف المعارضة السياسية والعسكرية العروبية والإسلامية، ولا يتوقع أن تقف إلى جانبهم جماعة سلطة بشار الأسد، مخلفات البعث، والمنتشين من الفكر القومي العروبي وسوريا الواحدة ومنطق إلغاء الأخر، وثقافة رفض القضية القومية الكردية، وسيعارضون وبقوة تشكيل إدارة ذاتية تحت مفهوم سوريا اللامركزية، كما وأن روسيا لن تبقى على صراع مع تركيا، فاحتمالية ظهور تراض بينهما أكثر احتمالا من توسيع الشرخ، ويجب أن لا ننسى العلاقات الاقتصادية بينهما، فلها هيمنة، وتعني هذا أن الدعم الروسي السياسي الدبلوماسي للكرد في غربي كردستان لن يستمر، وما يظهر ليست سوى غيمة سياسية تشكلت تحت ظروف وليست لقناعة بوتين وإيمانه بالقضية الكردية. لهذا فالتوافق بين كل أطراف الحركة الكردية في سوريا وفي هذه المرحلة بالذات، تعد مفتاح النجاح أو الفشل، والتوافق ستخلق لديهم شروط ذاتية قد ترفعهم إلى سوية التحرر من الضغوطات الإقليمية وإملاءات السلطات الشمولية، وبالتالي يؤمل أن يكون لهم قرارهم الذاتي الكردستاني، وعلى هذا الشرط الذاتي ستتركز عملية إقناع الأخرين بمطلبهم في النظام الفيدرالي ضمن سوريا لا مركزية، بدونها احتماليات ضياعنا لقرن آخر حاضرة.
 
 
 
د. محمود عباس
 
الولايات المتحدة الأمريكية
 
mamokurda@gmail.com
 
12/11/2015