ابراهيم شتلو : لماذا مسعود البارزاني رئيسا ؟

2015-03-14

الحديث عن رئاسة الإقليم في جنوب كردستان خرج من كواليس الحجر المغلقة إلى الشارع وأصبح يتناوله الكتاب والصحافيون كل على هواه و حسب طريقته. هذا الأمر الحساس جدا وخاصة أننا في جنوب كردستان شعب ندين في القضايا العامة للعشائرية والإرتباطات العائلية والإنتماء القبلي بولاء يفوق الشعور بالوعي القومي للكرد وكردستان
بحيث يتقمص المصير القومي ليصبح متقوقعا في الولاء لرئيس العشيرة وزعيم القبيلة. ولكن ، هل لنا أن نتهجم بطريقة مطلقة على هذه الحالة لدرجة أننا - عن وعي أو بدونه – نشعل نار الفتنة بين أبناء جنوب كردستان بل ونتسبب في صب الزيت على الجمر الراقد تحت الرماد في جميع أرجاء كردستان ، ونجعل من مشاكلنا الداخلية الخاصة بنا سلعة في بازار الإعلام المعادي أصلا لكل مايمت إلينا من تطورات وأحداث؟
أقول دائما ، إنه لمن أسهل الأمور أن يتفوه المرء بالتهم والشتائم والنعوت السلبية  تجاه من يشاء وضد من يريد...وموضوع رئاسة إقليم جنوب كردستان أصبح حديث الساعة يتناوله القاصي والداني ، القريب والبعيد ، أبناء الشعب وأعداء الشعب ، أصدقاء الكرد والمتربصين به والذين يتلون الصلوات والأدعية داعين المولى لحفظ جنة عدن الصغيرة والمتربصين بها الذين لايألون جهدا وهم بحفرون الحفر للإيقاع بها.
أما نحن ، فعلينا ونحن نرفع أيدينا إلى السماء بالدعاء لحماية الكرد وكردستان من كيد الكائدين ، وحقد الحاقدين ومؤامرات العنصريين والمارقين من الجيران والطامعين ، علينا أن ننهى بأنفسنا عن تحميل بعض مسؤولينا أكثر مما هو عليه واقع الحال وأن لانلهث وراء شعارات طنانة ونظريات رنانة وعناوين براقة قد تناسب مقاس وحجم مشكلتنا أو لا إما لضيقها أو فضفاضتها.
فلاشك ، أننا نرجو لبلدنا جميع المواصفات الجميلة في نظامه الدستوري من ديمقراطية شاملة وحرية كاملة وملكية لثرواته مشاعة للجميع من أبنائه وحقوق محفوظة مصانة الممارسة فعلا وعلى أرض الواقع في الحياة اليومية للمواطن ، وعلى الصعيد الخارجي حدود آمنة وقوة  مهابة جديرة بالإحترام . وهذه الرغبة الجميلة ولابد أنها أملنا جميعا وقد ضحى من أجلها أجداد أجدادنا ولا زال أبناؤنا وبناتنا  يقدمون أنفسهم قرابينا لتحقيق تلك الأهداف السامية يجب أن يقوم أصحاب القرار السياسي ومن بيدهم زمام الأمور مسؤولية تحقيقها لأبناء هذا الوطن الذي إرتوت ذرات ترابه بدماء الشهداء بسخاء وعطاء قد لايجد تاريخ البشرية مثالا له. ولكن هل يقوم هؤلاء من رئيس الإقليم إلى رئيس الحكومة والوزراء وأصحاب القرار والقائمين على رسم خطوط سياسته ومنفذيها بما يتطابق ومع آمال وأماني الشعب وبتناسب مع تضحياته الجسام عبر قرون وعقود من النضال الدامي المرير ؟
قبل الإجابة على هذا التساؤل المحق أود أن أستعرض المقومات الرئيسية لتطور الأحداث في جنوب كردستان والنتائج التي تمخضت عنها في صورة الوضع الحالي القائم ضمن الإطار الدستوري العام للإقليم:
أولا: إن الطبيعة الإجتماعية للديمغرافية البشرية لجنوب كردستان قبلية عشائرية وعائلية يدين أفرادها بالولاء لزعيم القبيلة وشيخ العشيرة ورب العائلة والطاعة القصوى له في جميع مجالات الحياة وتنعكس هذه الولاءات على التكوين السياسي والإقتصادي والإجتماعي للمجتمع في ميكانيكية تطوراته وبالتالي تعكس نفسها بصورة آلية على طبيعة وشكل وجوهر القرارت السياسية والإقتصادية والإجتماعية والمذهبية.
 
 
 
 
 
 
 
ثانيا:أراد وحاول الكثيرون من كافة الإنتماءات القبلية  والمستويات والطبقات الإجتماعية والتعليمية وتحت تأثير تعليمهم وثقافتهم وإنفتاحهم  واطلاعهم على الأحداث لدى الشعوب المجاورة والعالم الغربي أن ينقلوا هذه التجارب والصيغ السياسية والمبادئ والأفكار إلى ساحة النضال في كردستان العراق تارة بالكتابة والنشر وأخرى بتشكيل الأحزاب والإنتماء إلى المنظمات والنقابات والجمعيات بكافة المسميات وتحت مختلف الشعارات من الشيوعية والإشتراكية واليسارية والتقدمية والديمقراطية الغربية
والديمقراطية الشعبية وجعل  تجارب بعض الشعوب والبلدان والأحزاب والمنظمات مثالا يحتذى به أمثال : فيتنام وهوشي مه ن وماو تسي تونغ  وتشي غيفارا إلى درجة محاولة تقليد الحركات الفلسطينية كالجبهة الشعبية والجبهة الشعبية 
الديمقراطية ولكن تقلصت جميعها على ساحة التطورات العنيفة منها والسلمية في جنوب كردستان لنرى أنفسنا اليوم أمام هذا الواقع الذي وإن كنا نرى فيه الكثير من العيوب والثغرات إلا أن أعداءنا يستكثرونه علينا وهم ينسجون  ضده جميع أنواع المؤامرات ويحيكون له أقذر أنواع الشباك للإيقاع به وعلى حد سواء من داخله ومن خارجه ويتمنون له الإندثار اليوم قبل الغد لأنه يشكل نواة النهضة التحررية لشعبنا المضطهد رغم كل المعوقات في الداخل  الكردستاني وصيحات التهديد التي تطلقها أبواق الساسة العنصريون والقوميون الشوفينيون وأذناب البعث الصدامي وتلويح دول أخرى في الجوار بإجراءات ومحاولات للتدخل في رسم السياسة الكردستانية للإقليم.
ثالثا: أثبتت جميع تلك التطورات والمحاولات والتجارب على مر الأحداث التاريخية فشل إلباس المجتمع الكردستاني – في جنوب كردستان – رداء غير الرداء الذي لبسه وحافظ عليه القائد الأب الخالد الملا مصطفى البارزاني. أذكر هنا عمدا صفة الملا و أيضا إسم قبيلته بارزان ، لأنه كان فعلا ملا وكان إنتماؤه لعشيرة بارزان مفخرة له لأنها كانت العشيرة التي تقف في مقدمة جبهة صراع الكرد من أجل البقاء وضد أعدائه وكان هذان عاملان مرافقان ومتلازمان في جوهر شخصيته القومية الكردستانية ، هذه الشخصية التي تصلبت وتشكلت وتكونت وصقلتها تجارب  نضال مرير قاس جعلته معلقا بخط رفيع يلوح به بين الموت والحياة منذ طفولته وإلى أن غادرنا من هذه الحياة الدنيا مهاجرا يحمل معه هموم أمة بكاملها وكانت كل بقعة من كردستان موطنا مقدسا له  يذود عنها ظلم وعدوان أعداء الكرد وكردستان. 
رابعا:لم يكن لتتوج جميع محاولات السياسيين والمثقفين والأكاديميين والمنظرين والمقلدين من ضمن المجتمع الكردستاني في جنوب كردستان من إختراق الكيان القومي المناضل على الطريقة التي شكلها الملا مصطفى البارزاني بالنجاح ، بل باءت جميعها بالفشل الذريع لدرجة  أنها إنتهت وكأنها كانت من صنيعة أعداء الكرد وكردستان. وكمثال على ذلك إنشقاق أكثرية أعضاء المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني في عام 1964– دون ذكر للأسماء – عنه بحجة أنه – الملا مصطفى البارزاني -  رئيس عشيرة ذو تفكير رجعي ولاؤه للعشيرة وليس للحزب وإتهموه بالديكتاتورية وبعدم إلتزامه بديمقراطية الحزب ومبادئه ، وكان مآل هؤلاء المنشقين اللذين كانوا يرفعون ويتبنون الأفكار الثورية اليسارية  والإشتراكية والتقدمية والديمقراطية الشعبية أن رموا بأنفسهم في أحضان شاه إيران وثم عادوا مؤدين قسم الولاء لبغداد.
خامسا:لقد كان في تاريخ الشعوب ولا يزال دور للرئيس والقائد والزعيم سواء على الصعيد الروحي أو السياسي أو الفكري ، وتكمن الحاجة إلى القائد الملهم في الطبيعة البشرية وفي تكوين الإنسان كغريزة ثابتة فيه. وكل الشعوب وجميع الأمم تعتبر أحد أبنائها أو البعض من أبنائها قادة تاريخيين تستمد من أعمالهم مآثر فكرية ودافع روحي يضمن لها وللأجيال القادمة المتتابعة طاقة من الإستمرارية والحياة. ونحن لنا في أجدادنا ما يشكل سلسلة من ملاحم الحفاظ على وجودنا وشخصيتنا لطالما تذكرنا بمآثرهم ، ودرسناها لأبنائنا وأحفادنا لتكون مثالا ونبراسا لهم وللأجيال التي تليهم. والملا مصطفى البارزاني الخالد رمز تاريخي نعاني في جنوب كردستان وعمومها من التقصير القدر الكبير من إعطائه ما يستحقه من ذكر في رياض الأطفال والمدارس والمعاهد والجامعات.
 
 
 
 
سادسا:إن النظام الدستوري لأي بلد ينبع من تاريخه وذاته وشخصيته وتكوينه الديمغرافي ودرجة تطوره الإقتصادي والإجتماعي ومعتقداته ودون مراعاة تلك العوامل تفشل كل محاولة لفرض دستور لا بأتي على مقاس هذا الشعب. وفي إقليم جنوب كردستان لا يمكن ولا يجب أن يكون النظام الدستوري مطابقا ماءة بالمئة للأنظمة المعمول بها في بلدان أخرى كالنظام البرلماني أو الحكومي – الوزاري – أو الرئاسي أو الملكي أو الأميري كما هو الحال في سائر دول العالم على إختلافها وتنوعها. وذلك ليس فقط لإسباب المذكورة أعلاه بل وللأسباب القانونية الآتية.:
- جنوب كردستان إقليم لايتمتع بصفات الدولة المستقلة كما هو لايزال جزء من جمهورية العراق الإتحادية أو الفدرالية  التي لم تجد إستقرار ولا قرارا بعد وهذا الواقع يعطي جنوب كردستان حالة قانونية عراقية خاصة بالدولة العراقية فريدة من نوعها لم يسبق لأية دولة في العالم  أن كانت مثيلة لها ، وكل تحرك للإقليم الكردستاني يجب أن يتناسب مع الأوضاع القانونية والمستجدات والإجتهادات التي ترتبط إرتباطا وثيقا بالدولة العراقية سواء في الداخل أو الخارج وهذا الأمر يحد من حرية إتخاذ القرار الكردستاني ويلزمه بالتطابق والإنسجام مع المعطيات والمستجدات على الساحة العراقية بشكل خاص. وهذه الحالة بصورتها المتكاملة والشاملة لجمبع العوامل الموضوعية الداخلية والإستراتيجية الخارجية تفرض علينا نحن كسياسيين كورد عدم التفريط بروح الإحترام والنظر بإيجابية  إلى القيادة السياسية للإقليم ومهما كانت لنا من تحفظات على سياساتهم في الداخل والخارج وذلك تحت شعارات الديمقراطية والتعددية الحزبية والشفافية ومكافحة الفساد ومناهضة ديكتاتورية الحزب أو العشيرة ، كل هذه التحفظات يجل أن لاتخرجنا عن تقاليدنا وثقافتنا وفروسيتنا تجاه الغرباء التي عرفنا بها المؤرخون ، فما بالنا بعضنا تجاه البعض الآخر؟ أين هي تصرفاتنا اليوم من فروسيتنا بصفاتها النبيلة ؟
-
- سابعا: إن جنوب كردستان بحاجة إلى رئيس ذو تاريخ نضالي وعلى إستعداد لممارسة المهام الصعبة لأكثر مناطق العالم توترا واضطرابا وحساسية ودموية. كما أن شمال كردستان أيضا بحاجة إلى القائد الملهم الذي يشحذ من عزيمة الجماهير ويثير فيها إرادة النضال والصمود وبعمق إيمانها بعدالة قضيتها وشرعية نضالها. ولنا في الزعيم عبد الله أوجلان مثالا حيا على تلك الحاجة الماسة للجماهير في شمال كردستان للقائد الرمز والقدوة. فقد راهن الكثيرون – وكنت أنا واحدا منهم – على إمكانية بقاء عبد الله أوجلان أمينا عاما لحزبه وقائدا للمقاتلين ، ولكن حالة السيد أوجلان كذبت توقعاتنا و ضربت أهم قواعد وأصول الأحزاب الثورية والإشتراكية واليسارية عبر الحائط  ليؤكد التاريخ مرة أخرى أهمية دور القائد في النضال ومسيرة التحرير لدى الشعوب المضطهدة.
-
- ثامنا:لاأرى أي عيب أو تقصير أو مأخذ على إستمرارية الأخ مسعود مصطفى البارزاني كرئيس لإقايم جنوب كردستان ولست من الداعين إلى تقليد أي نظام دستوري آخر أو أخذ أي نموذج لنقله إلى جنوب كردستان وذلك للأسباب الموجزة أعلاه ، ليس لأنني من مؤيدي النظام الديكتاتوري أو ضد الديمقراطية  بل لأنني أرى ومن حكم الواقع والتكوين الإجتماعي والفكري  لشعب ومجتمع جنوب كردستان وللظروف الحالية المحيطة ليس فقط بجنوب كردستان بل بكردستان ككل خاصة والمنطقة والعالم عامة ولضرورة عدم المجازفة في إدخال الإقليم في تجربة طائشة تأتي على ما قد بنته أجيال وأجيال بدماء شهدائها في ليلة وضحاها وعلاوة على أن  السيد مسعود يتميز بالتاريخ النضالي المشرف والتواضع والنزاهة وأثبتت تجربة حكمه عدم إنزلاقه في إتخاذ قرارات طائشة أو تصرفات غير متزنة.كما أنه قريب إلى قلوب عامة الشعب والمواطنين ومقبول من الأطياف القومية والدينية والمذهبية الأخرى التي تعيش في كنف جنوب كردستان كما أنه يعتبر مفتاح الحل السلمي لشمال كردستان ويتمتع باحترام وتقدير العالم الخارجي.
 
 
 
 
 
- تاسعا: ومن أهم ما يترتب على السيد الرئيس أمر تنظيف البيت الحكومي والجهاز التنفيذي مما إعتراه من خلل وأصابه من صدأ على كافة الأصعدة وخاصة المالية والإقتصادية والأمنية وذلك بإجراء تغيير في بنية الجهاز التنفيذي في كافة مجالات الحياة وقطع سبل الإثراء عن طريق المحسوبية والإعتبارات القبلية والعشائرية والعائلية والحزبية ووضع حد لإستغلال  رابطة القرابة  والمنصب الوظيفي . وكفى لمن أثرى وتملك فقد أخذ كل منهم ما يكفيه بل وزاد وهنا يجب وضع حد لكل تلك التصرفات والتطاولات على المال العام. وهنا يحتاج السيد الرئيس إلى دعمنا  بالوقوف إلى جانبه ومعه في طريق الإصلاح المرتجى على الصعيد الداخلي  أولا.
-
- عاشرا: تشكيل هيئة رقابة  لها صلاحية الإطلاع على مجمل أمور جنوب كردستان الدستورية والإقتصادية والأمنية على أن يكون أعضاؤها من خارج التنظيمات الحزبية أو يفرض علبهم الإنسحاب الفعلي من عضوية التنظيم الحزبي في حال اختيارهم لعضوية هذه الهيئة ويجب أن تتمتع هذه الهيئىة بصلاحيات رقابة فعلية على جميع الدوائر والمؤسسات العامة وتكون تقاريرها مقبولة لدى القضاء وتعالج من قبل محكمة قضائية نزيهة غير قابلة للطعن من قبل رئاسة الإقليم أو أية جهة غير قضائية أخرى.
مع الرجاء بالتزام روح الإحترام والتسامح والمودة من الساسة والإعلاميين المهتمين بقضايانا المصيرية ، آملا أن يكون حديثى المقتضب والمختصر هذا محل القبول ويكون شمعة تضيفون عليها إضاءاتكم لتشع نورا يساهم هو الآخر في إضاءة الطريق للسيد الرئيس والمسؤولين في كردستاننا بشمالها وشرقها وغربها طريق الحق والصواب والقرار السديد.
إبراهيم شتلو
علوم سياسية – دراسات كردية وإسلامية
 / سلسلة التوعية
ألمانيا 12 آذار / مارس 2015 م