وليد فارس : الاحتراق والمترقبون

2014-10-26

قول ابن حزم الأندلسي: "من اشتغل بأمور العامة فعليه أن يتبرع ببعض من عرضه", ولاشك أن ألسنة الناس نارٌ كاويةٌ لا ترحم, وهذا في ظل الظروف الطبيعية التي تكون فيها بيئة العمل طبيعية, وظروف التنبؤ تخضع لمقاييس ومعادلات معروفة وقابلة للتقدير.
 
وفي ظل الثورة السورية المباركة, انخرط عددٌ كبير جداً في أمور الثورة, ثم سرعان ما انسحب قسم واسعٌ منهم إلى الخلف, منهم من فرّ بروحه خارج بلده بعد اعتقاله, ومنهم من جلس في مكان ما واعتزل العمل أو اكتفى بالمراقبة والاشراف, وكثير منهم من قبل بممارسة عمل خلفي بسيط, تاركاً الساحة الأمامية لغيره.
 
ومما يلفت الانتباه حُجج طيفٍ واسعٍ من هؤلاء, بالابتعاد عن الساحة, والاختفاء عن المشهد, بأن المرحلة الراهنة هي مرحلة احتراق, خاصة في ظل غياب المركزية والاستراتيجية والرقابة, واختلاط الحابل بالنابل, والهش بالصلب, والغث بالسمين, وفي ظل عدم تقدير الكفاءات, وعدم احترام دور الخبرة, والأهم من هذا في ظل الثورة على النظم والتقاليد, سيئها وجيدها, منظمها وفوضويها, سلطويها وبيروقراطيها, يمينها ويسارها.
 
إن المرحلة هي مرحلة احتراق للعاملين على الساحة اليوم, هذا صحيح, وخاصة ألوائك الذين تصدروا أو يتصدرون المشهد اليوم في مختلف المجالات, محاولين أن يقدموا ما يستطيعون ضمن طاقتهم وإمكانياتهم ومواردهم, وعلى الجانب الأخر قد يحصد المترقبون من الصفوف الخلفية فرصاً أفضل للدخول في المشهد الأمامي, حينما تكون الظروف أكثر مناسبة للدخول, هذا صحيح.
 
كل هذا يحصل في ظل سقوط عشرات الشهداء يومياً, وفي ظل إصابة مئاتٍ أخرين, وفي ظل حملات اعتقال لا يزال النظام يشنها على الشعب السوري, وفي ظل معاناة مئات الآلاف من النازحين والمشردين, وفي ظل وجود عشرات الآلاف من اليتامى والأرامل والمحتاجين, وفي ظل سقوط عشرات البيوت التي تدمر كل يوم, وفي ظل معارك يومية, وأنات وغصات وآهات لا يعلمها إلا الله.... ينتظر المترقبون.
 
ينتظر المترقبون.... فرصة أكثر ملائمة للظهور على الساحة, تساعدهم على النجاح لكي لا يضحوا بأسمائهم, أو كفاءاتهم, أو إمكاناتهم, أو مواردهم, في مشهدٍ يشبه إلى حدٍ كبير, صورة طفلٍ سقط في بحيرةٍ يقف قربها رجلٌ يخشى النزول إلى الماء لكي لا تتبلل ملابسه!.
 
فأي إنسانية في هذه الصورة؟!, بل أي دينٍ, وأي وطنيةٍ, وأي مدنيةٍ, وأي نخوةٍ, وأي ضميرٍ, في هذا المشهد!؟.
 
رجالٌ يقدمون أرواحهم ودمائهم, وأخرون يقدمون أموالهم, وأخرون يقدمون بيوتهم, وأخرون وقتهم, وأخرون علمهم,..... وأخرون يتهربون من تحمل المسؤولية, ويبخلون بالتقدم حفاظاً على اسمائهم, وابتغاء الدخول في اللحظة المناسبة التي تضمن لهم تعظيم المكاسب وتحقيق الانجازات,... بحجة أن المرحلة الراهنة مرحلة احتراق!.
 
إذاً فليتوغل المحترقون في النار أكثر, بتصّيد أخطائهم الذي أصبح مهنة للكثيرين, وبتركهم منفردين في الساحة دون أي عونٍ أو أدوات, أو لأن المرحلة أصعب من الجميع, وليعيشوا أيامهم السوداء –من دخان الاحتراق- راضين عن أنفسهم مرتاحي الضمير, وليترقب المترقبون تلك الفرصة المواتية للدخول في مسرح الأحداث الرئيسي, وليهنئوا بمكتسباتهم على حساب الضمير.
 
وليد فارس, حمص, 23-10-2014