شيار عيسى : المجلس الوطني الكري في كوباني وحرب الرهانات الخاسرة

2014-10-08

شيار عيسى -خاص بولاتي
مرة أخرى, و كعادته,يتخذ المجلس الوطني الكردي متأخراً ردة فعل مفاجئة, تمثلت في بيانه في كوباني, و الذي أعلن فيه عن تشكيل قوة عسكرية تابعة له للدفاع عن كوباني.يبدو أن المجلس الوطني في موقفه هذا , و من خلال سياسته التي أصبحت مكشوفة المعالم, يراهن على أن قوات التحالف لن تقوم بمساعدة قوات حماية الشعب من خلال التنسيق معها لقصف مواقع داعش حول كوباني بفاعلية,
و بالتالي فإنه بخطوته تلك, و من ثم بتحالفه مع كتائب الجيش الحر, سيشكل حلفاً مقبولاً لقوات التحالف, لتقديم مساعدات عسكرية مباشرة لإنقاذ كوباني, و التي و إن سقطت, فإن أعضاء المجلس الوطني يتأملون أن تقوم القوات التركية, بعد دخولها لكوباني, بتسليمها للمجلس الوطني على طبق من ذهب بعد انسحابها منها.
 
لفهم موقف المجلس هذا لا بد الرجوع إلى كيفية انضمامه للائتلاف السوري, بعد أن كان قبلها بأيام قد شارك في مباحثات إنشاء الإدارة الذاتية, و لكنه و على وقع تهديدات البيت الأبيض بقصف نظام الأسد, عجل بالانضمام للائتلاف, كي لا يخرج من العملية السياسية خالي الوفاض, ظاناً أن إدارة أوباما ستقوم فعلاً بضرب النظام و إسقاطه, الأمر الذي لم يحدث, ليجد نفسه متورطاً في مستنقع الائتلاف بكل خيباته و سقطاته السياسية, بالإضافة إلى تهميش المجلس الوطني الكردي, و عدم تنفيذ الاتفاقية التي وقعها معه, و التي لا تلبي أصلاً الحد الأدنى من المطاليب الكردية, حتى أن أعضاء المجلس الوطني في الائتلاف أرسلوا رسالة إلى المجلس الوطني يشتكون فيها من عدم تنفيذ الائتلاف للاتفاق الموقع مع المجلس الوطني, و تهميش أعضاءه في الائتلاف, و قد تم نشر نص تلك الرسالة في العدد الأخير من صحيفة الحزب الديمقراطي الكردستاني- سوريا.
 
بناءاً على ما تم ذكره, و من خلال عدة مواقف مشابهة, فإن مقاربات و مواقف المجلس الوطني الكردي, تكون دائماً على أساس الرهان على التدخل الخارجي, في ظل شلل تام في كل مفاصل بنية المجلس التنظيمية, و كذلك مواقفه السياسية المتذبذبة, و التي تؤثر على اعتماده الدائم على الخارج لإحداث تغييرات يقطف ثمارها بدون جهد, و كذلك تأخره الدائم في التماشي مع التغييرات الحاصلة, لتكون مواقفه دائماً ردات فعل متأخرة, ليس لها لا تأثير سياسي, و لا تأثير من الناحية العملية على أرض الواقع.
 
بالعودة إلى بيان الموقف الوطني و رغبته في بناء قوة عسكرية, للاستفادة من الحلف الدولي, و رهانه على قدرته على إقناع الحلفاء, بالحصول على سلاح, و إسناد عسكري جوي, فإنني أعتقد أن قراءة المجلس الوطني الكردي متجزئة و قاصرة, في سلسلة طويلة من مواقف وقراءات قاصرة, قدمها المجلس خلال ثلاثة أعوام من عمر الثورة, لأسباب عديدة منها أن الإدارة الأمريكية لا تتخذ موقفها بناءاً على الآليات التي يعتقدها المجلس الوطني الكردي. 
 
من نافلة القول أن الإدارة الأمريكية تريد حلفاءاً خاضعين لها بشكل كامل, لكنها في الوقت ذاته قامت و من خلال حروبها في أفغانستان و العراق, و من ثم أثناء قصفها لليبيا, بالجلوس مع ألد أعدائها السابقين, و تفاوضت معهم, و قدمت لبعضهم السلاح حين كانت تحتاجهم, تحت ضغط الظروف. فالبرغم من أن الإدارة الأمريكية تعرف أن حزب الاتحاد لن يكون حليفاً سهلاً ينفذ كل ما تريده الإدارة الأمريكية, كما يفعل الإئتلاف مثلاً, إلا أن تلك الإدارة تعلم أيضاً أن القوة الوحيدة التي وقفت بنجاح في وجه تنظيم داعش خلال عامين هي قوات حماية الشعب, و أن سقوط كوباني و من ثم دخول القوات التركية لسورية لن يكون بمثابة نزهة, و سيزيد الوضع تعقيداً بالنسبة للأزمة السورية, و كذلك للأمريكيين, فالإدارة التركية الحالية أثبتت مرات عدة منها خلال حرب العراق أنه ليس بحليف منضبط يمكن الاعتماد عليه بشكل كامل. بالإضافة إلى هذا و ذاك, فإن المقاومة الضارية التي أبدتها القوات الكردية أثبتت ما كان قائماً من جهة جاهزية تلك القوات, و قلبت الطاولة من ناحية أخرى, حيث أن الكثير من الانتقادات بدأت تتوالى على الإدارة الأمريكية, لعدم تسليحها لقوات حماية الشعب, في حملة تقودها وسائل الإعلام الأمريكية, التي بدأت تشكل ضغطاً على الإدارة, و خاصة في  ظل تخوف وسائل الإعلام تلك من ارتكاب مجازر في كوباني, إن سيطر عليها تنظيم داعش, وكذلك في ظل الضربات الجوية الموجودة أصلاً, و التي ممكن أن توجه إلى قوات داعش المهاجمة لكوباني بقوة, و ليس كما يفعل جهاز الجو الأمريكي في غاراته حتى الآن, حيث أنه لا يقصف خطوط الجبهة الأولى بشكل جدي يؤدي إلى نتائج ملموسة على الأرض.
 
أعتقد أن رهان المجلس الوطني على تشكيل قوة عسكرية, و الحصول على سلاح لإنقاذ كوباني, رهان خاسر, لأن الإدارة الأمريكية لن تسلح قوة لم تختبرها, بتلك البساطة, في ظل وجود قوة أثبتت جاهزيتها العالية, و خاصة خلال المقاومة الكبيرة التي أبدتها في كوباني. بناءاً عليه و كذلك على الضغط الداخلي الذي بدأت الإدارة الأمريكية تتعرض له, و الذي سيعرضها لهزة كبيرة إن حصلت مجزرة في منطقة في مرمى نيران سلاح جوها, و تستطيع إنقاذها إن أرادت, فإنني أعتقد أنه فيما لو تمكنت قوات حماية الشعب من الصمود لأسابيع قليلة إضافية, فإن الإدارة الأمريكية ستقصف إرهابيي داعش بعنف, و توجه له ضربات قاصمة في كوباني, الأمر الذي سيساهم في دحرهم منها.