حوارمع الروائي جان دوست

2014-08-13

على هامش روايته" عشيق المترجم" 
الروائي جان دوست
أكاد أقول العربية لغتي الأم
حاوره: أيهم اليوسف- إيسن-ألمانيا
أثارت رواية" عشيق المترجم" للروائي جان دوست، التي صدرت مؤخراً عن"دار ورق" في "أبوظبي"2014 وهي الرواية الأولى له باللغة العربية، بعد سلسلة من الروايات التي كتبها باللغة الكردية الأم،

 وإن كان يعتبر أن العربية-نفسها- لغته الأم، كما يصرح بذلك في هذا الحوار، وذلك لأنه ولد في بيت علم وثقافة ودين في بلدة" كوباني-عين العرب التابعة لمحافظة حلب في العام 1965، وكانت قراءاته وكتاباته الأولى بهذه اللغة.  وجان دوست الذي بدأ شاعراً موهوباً لافتاً، ويكتب الدراسة الأدبية، وله عدد من الأعمال الأدبية التي ترجمها إلى العربية، هومن هؤلاء المبدعين المجتهدين الذين أبدعوا في أكثر من مجال، وعلى حد سواء، يؤهله لذلك عمق موهبته، وحساسيته، بل وثقافته الواسعة، وإتقانه لعدد من اللغات كالعربية والألمانية والفارسية والكردية.  وليس أدل على ذلك من أنه اشتغل في الفضاء المعجمي بروح الباحث، الأكاديمي، ولهذا فإن رواية جان دوست تظهر ثقافته الواسعة، وتوغله في بحار التاريخ، في ما يتعلق بفضاء أي عمل روائي جديد.

وقد تناولت روايته الجديدة " فضاءات جد حساسة، وهي فكرة" تسامح الديانات"،بما يرتقي إلى مستوى أسئلة اللحظة المعيشة، لاسيما وأننا نلاحظ  هذا المد العنفي الذي تتم المحاولة لتسويغه ضمن الفضاء الديني، لتكون للروائي إجاباته التي يمكن استشفافها بيسر، كظلال لرؤية شاملة، تسجل لصالح الرواية، من خلال  تفاعل أبطاله في مختبره الروائي،  وهم ينتمون إلى أكثر من ديانة، بسلاسة، ولربما أن لتربية الكاتب الأولى في كنف أسرة دينية معروفة العلاقة باختيارمناخات هذه الرواية، وعوالمها المتخيلة، كرواية تاريخية تحاكي الحاضربامتياز.
وقد صدر للروائي جان دوست، والمقيم في مدينة بوخم الألمانية، حتى الآن حوالي بضعة عشركتاباً، لتكون المجموعة الشعرية إلى جانب القاموس اللغوي إلى جانب الكتاب التاريخي أو الروائي،  ومن هذه النتاجات:  مم وزين 1995- أنشودة المطر-ترجمة مختارات من شعرالسياب1996، مهاباد إلى أولمبياد الله1996- شرح مم وزين باللغة الكردية-2010-قاموس كردستاني باللغة الكردية-2010، رماد الجن- مختارات من القصة الكردية القصيرة ونال عليها جائزة دمشق للفكر والإبداع-2013.
في ما يلي حوار بإيقاع سريع مع الروائي جان دوست حول مجمل تجربته، ومسوغات توزعه بين أكثر من مجال إبداعي، بالإضافة إلى مناولة خاصة بعمله الروائي الجديد.

 

  

-صدرت روايتك الأخيرة" عشيق المترجم" باللغة العربية، بعد أن بدأ مشروعك الروائي باللغة الكردية، ماذا تريدأن تقول عبرذلك؟
*العربية لغتي. وأكاد أقول: إنها لغتي الأم فقد تعلمتها باكراً حتى قبل أن أذهب إلى المدرسة في سن السادسة. تعلمتها على يد والدي إمام المسجد الصغير في بلدة كوباني التابعة لحلب. لقد تراكم لدي معجم كبير من اللغة العربية ومفرداتها وتراكيبها الجميلة وازدحم بها خيالي، فكان لا بد من عمل إبداعي بهذه اللغة. شيء آخر أثر في كتابتي باللغة العربية، هو مجزرة عامودا فقد أخرستني وجعلتني أذهل عن لغتي فلجأت إلى التعبير بما اختزنته ذاكرتي منذ عشرات السنين.
-لوحظ على روايتك أنك تطرح فكرة تسامح الأديان، هل لازلت تعول على الأدب والفن أن يلعبا دورهما رغم أننا نجد أنه في زمن الأسلحة المتطورة باتت لغة الجمال تنحسرتدريجياً.؟ 
*بعيداً عن التعويل على الأدب والفن، فما يكتبه المبدع ليس سوى صرخة قد تصادف آذاناً صاغية. لا يمكن أن نسكت عن التطرف والإرهاب. علينا أن نكافح ونناضل في سبيل إبراز قيم التسامح في كل دين. لغة الجمال لا تنحسر، إنما مساحة رؤيتها تضيق بسبب تراكم الأيديولوجيات العنفية التي تزخر بها منطقتنا للأسف.
-رب قائل: كتب جان دوست الشعر، ، والرواية والمقال، وباللغتين العربية والكردية، ناهيك عن الاشتغال على ماهومعجمي والترجمة عن لغات عدة، أي كل هؤلاء هوجان دوست؟
*أنا كل هؤلاء. أنا الباحث في الرواية، والشاعر في البحث، والروائي في الشعر، والمعجمي في كل من الرواية والشعر والبحث. هذا عالم واحد ,أنا أنتقل بين هذه الأجناس كما ينتقل البستاني بين شجيراته.
-هذا التنقل من جنس أدبي إلى آخرأليس نتاج قلق ما؟ - وماذا عن المقال الذي تكتبه وينعته بعضهم ب" الانفعالية"؟
*بالتأكيد لا بد من القلق. فالقلق حافز الإبداع الأول والأخير. وأرجو أن ترسو بي سفينة القلق أخيراً في ميناء الرواية. بالنسبة للانفعال أنا شخص انفعالي للأسف. أثور وأغضب وأدون ما أشعر به فوراً.
-على صفحتك الفيسبوكية يجد متابعك بعض المنشورات-البوستات- المكثفة- ألا تجدأن هناك مسافة بين لغة الرواية والنص المكثف؟ -ماذا عن الشعر؟ هل تركت كتابته بلا رجعة؟
*الشعر لا يتركني. الشعر دخل خفية إلى رواياتي فلم أزجره. وجدته رفيقاً لطيفاً يغويني ويرشدني إلى عالم مكثف جميل أتكئ عليه في البناء الروائي كثيراً.
-هناك من يقلل من قيمة الإبداع المكتوب بغيرلغته الأصلية، ما رأيك هنا؟
*هؤلاء يقللون من قيمة كافكا وكونديرا وسيوران وأمين معلوف وشيركو فتاح وغيرهم كثير. الإبداع إبداع بأي لغة كان. لكن في الحالة الكردية هناك اتفاق على ضرورة الاهتمام باللغة الأم ورعايتها كونها همشت كثيراً وتعرضت لمحاولات التدمير الممنهج.
-فزت بجوائز عديدة، وأنت في إحدى لجان جوائز الإبداع، كيف تقوم قيمة مثل هذه الجوائز؟
*الجوائز من ضرورات إنعاش الفضاء الإبداعي. ولا بد منها لكي تتبارى الأقلام وتحفز الآخرين على الاهتمام بما ينشر.
-مامشاريع جان دوست الجديدة؟
*أكتب الآن الجزء الثاني من رواية عشيق المترجم.
- وماذا عن التفاعل بين الأدب الكردي وآداب الشعوب المتعايشة مع الكرد؟
*ليس هناك من تفاعل جدي. هناك غض نظر مقصود أو غير مقصود عن الأدب الكردي. لا بد من آليات تجعل الآداب الأخرى تنفتح على الأدب الكردي وهو الأقرب لآداب المنطقة من الأدب التشيلي مثلاً.
-ثمة من يرى أننا نعيش عصرالرواية وأن الشعرقدانحسربل غاب ماذا تقول هنا؟
*هذا صحيح إلى درجة كبيرة. الشعر انزاح لكنه كما قلت استطاع التسلل إلى الرواية. ليست هناك رواية قوية بدون أن يكون فيها كمٌ كبيرٌ من قبس الشعر 
-وماذا عن الرأي القائل أن المدونة الإلكترونية أجهزت على ماهومدون ورقياً؟ 
*هذا غير صحيح. على الأقل حتى اللحظة. فأنا أرى مئات ألوف الكتب يتم طباعتها في ألمانيا مثلاً وهناك إقبال كبير على المدونات الورقية كالرواية والقصص وكتب التاريخ والفلسفة والأديان مثلاً. صحيح أن المدونات الألكترونية هي الأسرع في زمن السرعة، لكنها لا تشبه إلا الوجبات السريعة. أما الذي سيبقى فهو الورق. وحتى لو زال الورق من الوجود فإن الإبداع سيبقى هو ذاك الذي كانت تحفظه الأوراق.