د . محمود عباس : خداع تحت قبة برلمان إقليم كردستان

2014-07-25

 عرف عن السيد مام جلال الطالباني  قدرته  على خلق توافق بين الأطراف المختلفة  ضمن  الحكومة العراقية، في فترة المحاصصة الشديدة الحساسية،  كما و قدر شخصيته كمعارض  كردي ناضل من أجل عراق ديمقراطي، ولم يكن  من دعاة استقلال كردستان بقدر ما بين على انه  يناضل  من أجل  عراق موحدة،
 وفي الواقع الكردي رضخ أو قبل على مضض في بداية تكوين الإقليم الفيدرالي  مبدأ المحاصصة  مع الديمقراطي الكردستاني، والمحاصصة استمرت رغم الشرخ الواسع الذي حصل  ضمن حزبه، وبقي مام جلال  الشخصية القديرة من قبل مؤيديه ومعارضيه ورغم الاختلافات، في الساحتين الكردية أولاً والعراقية  ثانيا، وتقديرا لهذه المكانة بقي منصب رئاسة الجمهورية العراقية الفيدرالية  شاغراً في الفترة التي  غاب عنها السيد مام جلال معالجا مرضه. رغم تأكد الجميع بعدم صلاحيته ثانية على تولي المنصب، لاعتبارات صحية، احترمت معظم القوى العراقية غيابه، والقوى العربية احترمت الموقف ربما بتقدير لا يقل عن الطرف الكردي.
 
   عاد مام جلال إلى الوطن، ليقف على  تراكم خلافات ربما عصية على الحل، بين تيارين متصارعين  ضمن حزبه، ورغم بروز  شقي الخلاف على منصب رئاسة جمهورية العراق، لكن في الواقع، ووراء الأروقة الحزبية، نقاط الخلافات أبعد بكثير من منصب الرئاسة، والشرخ لا يستبعد أن  يبرز إلى العلن مثلما حصل  في المرة الأولى وأدت إلى ظهور  حركة كوران، ويذكر أن السيدة الأولى هيرو خانم  تقف على  رأس هذه الخلافات، وهي المرأة التي عاشرت الصراعات العديدة ضمن الحراك الكردي في  جنوب كردستان،  فكان الأولى بها أن تدرك مدى  سلبية ظهور مثل هذا الصراع على سوية حزب  زوجها، في المجالين الكردستاني والعراقي، لكنها وكما يبان إنها تفضل المصلحة الذاتية على الوطنية أو الكردستانية، وهذه الأنانية، التي تدعمها شريحة مستفادة ومن ضمنهم ابنها قباد الطامح إلى مناصب مشابه للتي يتبوؤها السيد نيجرفان برزاني السياسية  كرئيس لوزراء الإقليم، أدت إلى تفاقم الخلافات وأخرجت بقضية الرئاسة المثارة من ضمن الحزب  وجرفتها إلى  الساحة الكردستانية، فتلقفها الطرف الأخر والذي كان ندا لهم على مدى عقود من الزمن، وهو الحزب الديمقراطي الكردستاني، ليساندوا تيار السيدة الأولى،  فعرضوا القضية بإطار قانوني، وحللوها ببنود دستور الإقليم، مبررين عليه قانونية العمل، وكحل أمثل  للصراع الذي بات يفوح رائحته في كل الأوساط، خاصة وإن البرلمان العراقي بات يهتم بالقضية  بشكل اقرب، ويلح على اختيار الشخص، وترشيحه لعرضه على أعضاء البرلمان للموافقة عليه.
 
    خلاف ما بين السيد برهم صالح ومن معه وبين السيدة الأولى، ظهر على انه على رئاسة الجمهورية، والتي هي في كل أبعاده منصب فخري لا أكثر ولا يملك الرئيس في الدستور العراقي صلاحيات أكثر من التشريفات. لكن الحقيقة إنه خلاف بين استراتيجيتين يتشكلان ضمن الحزب، وعليه تظهر العلاقات الحزبية المتضاربة، إقليميا وكردستانياً، والسيدة هيروا على الأغلب هي الواجهة، هناك شريحة يقفون وراء صراعها مع السيد برهم صالح و تياره، وهذا ليس موضوع بحثنا، بل ما أدت إليه هذا الصراع إلى تقزيم دور الحزب في كل الأبعاد، وكانه سيخسر الكثير بغياب السيد مام جلال، وربما إلى ظهور تيار شبابي بمفاهيم يطالبون بالتجديد وإزاحة تيار المناضلين القدماء، ولا شك إذا استخدمت بطريقة نبيهة هذه الطفرة قد تؤدي على إعادة سمعة الحزب إليه، وإلا فإن نهايته تقترب، ليتراجع إلى سوية الأحزاب الصغيرة ضمن الإقليم وخاصة بعد أن يغيب السيد مام جلال، لا قدر الله.  
 
عاد مام جلال ولم يتمكن من حل الخلاف بل ولم يتمكن من إيقاف انسياب المنصب من  حضن الاتحاد، خسرت السيدة الأولى وخسر السيد  برهم صالح  المنصب، وكأنني  رأيت مبدأ السيدة هيرو وهي تعمل على مبدا (علي وعلى أعدائي)  فلم يكن مرشحها السيد فؤاد معصوم، وفي هذا المنطق لم يكن  أسلوب السيد مسعود برزاني كرئيس للإقليم كردستانياً، ومن منطقين: وذلك باستخدام سيطرة حزبه على البرلمان بتحديد المرشح، الأول، تسخير الديمقراطية بوجهها المخادع، والثانية، من المنطق الأخلاقي،  نقله اليوم  بهذه الطريقة  وحسب الأجندات والاستئثار بالضغوطات الإقليمية سيؤدي في القادم من الزمن إلى تجاوزات أبعد من جغرافية كردستان، ربما غداً ينتقل إلى أحد التيارات العراقية غير الكردية، لأن السيد مسعود برزاني وبهذا الأسلوب (الديمقراطي)  بدعمه لتيار السيدة هيرو،  والراضخة لإملاءات أئمة ولاية الفقيه، على الأقل بعدم  ترشيح السيد برهم صالح، فتح باب الانتقال وأخرجها من منطق المحاصصة، اليوم ضمن المجال الكردستاني غداً سيخرج من ضمن  النطاق الاثني أيضا.
 
 
 
  ليس استخفافا بقدرات السيد فؤاد معصوم، ولا بتاريخه النضالي، وبخلفيته الثقافية، كما ولا نشك بأنه على قدرة بتحمل تبعات المنصب، وله خبرة في المجالين السياسي والإداري، والكل يدرك أنه الشخصية القريبة من مام جلال وربما من السيدة الأولى هيرو خانم وفي بعضه من السيد مسعود برزاني، ولا يمكن أن يخرج من ضمن وجغرافيتهما السياسية، وعليه حصل على الترشيح، وبدعم مباشر منهم، كل هذا لا خلاف عليه، بل  عملية إبرازه فجأة، منافسا لاسم تكرر على مدى الشهور التي غاب عنها السيد مام جلال، مثلما  مهد لها لينقل إلى داخل البرلمان  ذات الأغلبية الديمقراطية، طبعا بعد دعم غير مباشر من السيد مسعود برزاني، وهنا حيث تخسر الأقلية ذاتها، وهي من إحدى ابشع نواقص المنطق الديمقراطي، وليس حبا بالسيد برهم صالح، ولا تأييدا لسياسته أو استراتيجيته، والتي تنحاز إلى الطرف المعاكس لرؤيتنا للعلاقات الكردستانية والإقليمية، بل من خلال بروزه على الساحة السياسية العراقية والكردية منذ  زوال الدكتاتورية السابقة عن العراق وظهور دكتاتورية الهلال الشيعي بشخصية المالكي، وتمكن  السيد برهم صالح من عرض شخصية  وطنية وقومية متمكنة وذكية وصاحب دبلوماسية جديرة عالميا، ولاشك  شخصية مثقفة وهادئة في  أحرج المواقف، وعلى الأغلب إن  إبعاده عن المنصب  خسارة  للوجه الكردي في العالمين العراقي والعالمي. 
  لا شك أن الانتخابات التي جرت تحت قبة البرلمان الكردي خداع سياسي وتلاعب بالديمقراطية ويدركها السيد مسعود برزاني رئيس حكومة الإقليم أكثر من غيره، فهل فعلها درءً لخلق شرخ آخر في الاتحاد، أم تخميداً لصراع قد يؤثر على استقرار الإقليم في هذه الفترة العصيبة؟ أم إرضاءً للسيدة الأولى هيرو خانم، وحلفها؟ أم إنها كانت فرصة مناسبة ليسود حزبه ويقرب تيار المحاربين القدماء من الاتحاد إليه؟ وربما ليكون للإقليم صوت قريب من استراتيجية الهلال الشيعي في بغداد يواجه المالكي والشريحة المحاطة به والتي تعادي الإقليم بشخص رئيسه، فمن المتوقع بقاء المالكي في منصب رئاسة الوزراء، والذي سوف لن يكف من عداوته الموجهة من قادة الهلال الشيعي، لعدة أسباب، منها انزياح حكومة الإقليم إلى استراتيجية الجبهة السنية في المنطقة؟
  أي كانت الغايات فهي غير عادلة، وكما ذكرنا، 
الديمقراطي الكردستاني كانوا يعلمون أنهم الأكثرية في البرلمان ولا يحق لهم استغلال هذا التسلط لتفضيل السيد فؤاد معصوم المؤكد نجاحه وتغلبه على السيد برهم صالح، لرئاسة جمهورية العراق.
يا لسخرية السياسة، ونفاق السياسيين، معظمهم وربما أنقاهم يفضلون الذات على المصلحة القومية والوطنية، وفي هذه القضية، فعلها واجهة القوى الكردستانية، والذين منهم تؤخذ النصائح الوطنية! ألم يكن أولى بأن يكونوا قدوة للقوى الكردستانية الأخرى، ويفضلوا المصلحة الكردستانية على الحزبية أو الذاتية؟  مع ذلك مبروك للسيد فؤاد معصوم وللإقليم وشعبه وللعراقيين أجمع رئاسة جمهورية العراق، وتبقى لذيذة بقاء المنصب في جغرافية الكرد.
 
 
 
د. محمود عباس
 
الولايات المتحدة الأمريكية
 
mamokurda@gmail.com