غسان جانكير : بين تمثال الأمير السعيد و تماثيل الطاغية

2014-06-11

قد يعرف الكثير من تلاميذ المدارس في عقدي السبعينات و الثمانينات من القرن الماضي, قصة الأمير السعيد ل ( أوسكار وايلد ), التي يخلط فيها الخيال بالواقع, لغاية أرادها صريحة دونما تشفير, تُعلّم الصغار فعل الخير في آوانه, قبل أن يتحكم فيهم الندم, وما يتبعه من الحزن و الشعور بعدم الرضا عن الحياة الفائتة .
 
الغريب بالنسبة لي, وربما لكثيرين ممن يتذكر القصة, ليس في خيال الكاتب, الذي يكاد يُساير الواقع في الممكن, فلا غرابة أن يتحدث طير السنونو المألوف لمعظم سكان المعمورة , وليس بشيء خارق أن يستمع اليه و يُحدّثه تمثالٌ اعتاد الناس على رؤيته صبح مساء, جميلاً يشبه الملائكة التي يرونها في أحلامهم, سيّما كان الحديث لا يخرج من نطاق سمعهما .
 
الغريب أن هذه القصة كانت تُقرأ في مدارس سوريا, يُبدي خلالها المدرّسون الرضا عن جودة التشكيل في القراءة, بل و ربما, يطلبون من التلاميذ التصفيق لمن أجاد القراءة, وربما أيضاً يسترسلون في شرح معاني التضحية, مثالاً السنونو, الذي يدرك أنه كلما تأخر في الرحيل الى مصر, كلما اقترب منه الموت في برد أوربا, وكذلك تضحية الأمير السعيد, الذي تخلى لفقراء المدينة عن عيناه الجوهرتين, و الماسة التي في مقبض سيفه, وأوراق الذهب التي تُغطي جسمه, فيتحوّل بعد ذلك الى تمثال بشع يُشوّه المكان, وفي الآن ذاته يختار الملائكة قلبه, كأجمل شيء في الكون هدية لله .
 
كنّا نقرأ تلك القصة دونما ان يتنبّه الكثيرين منّا أن بناء التماثيل, بات من الأمور العادية في الحياة اليومية, تماثيل لا تخص شخصيات أسطورية من أساطير سوريا القديمة, ولا لقامات في مجالات الابداع, ولا قادة مقاومة الاحتلال الفرنسي, ولا حتى لمجانين فكهين يتوزّعون على معظم المدن السورية, وانما فقط تماثيل الطاغية حافظ الاسد, أراد بها, ومِن خلفه المنافقون, تطويب سوريا باسمه .
 
والغريب أيضاً أن ابنه ( باسل ) الذي مات في حادث سيارة, وهو في طريقه الى مطار دمشق لمعايدة حصانه الذي كان يُعالج في مشافي المانية, فسمّوه شهيداً, " شهيد شو ؟ حروب مروب مافي ؟! . اللهم الا اذا كان الرفق بالحيوان, و الموت دونهم تعتبر شهادة تستوجب بناء التماثيل له و حصانه .
 
أمّا الأكثر غرابة, أننا لم نرى فعلاً للخير, يقوم به تمثالي الأب و الابن, حتى في ذكرى رحيلهما الأول و الثاني ... حتى و أن كان نصف كيلو لحم لأفواه السوريين الأيتام الجياع, بل, كان مِن فعل وريثهما, و أعني به ( بشاركو الأهبل ), أنه تمادى في تجويع الجوعى, مع فرض محبة تماثيل ترسل الرعب حتى في قلوب العصافير .
 
Ghassan.can@gmail.com