خالد ديريك : سوريا في عهدة أمراء الحرب

2014-05-05

لم يتخيل سوري واحد في يوم من أيام أن تصل الوضع في سوريا إلى ما آلت إليه اليوم من عمليات القتل والتشرد والفقر والدمار وعدم الاستقرار المجتمعي وانهيار التآلف الشعبي المختلف وإبقائه خلف الجدران المنسية رغم محنته،كل هذا نتيجة حرب عبثية همجية من أجل حكم ومجد زائل بين نظامٍ استعمل قوة مفرطة ضد شعبه بسبب سيكولوجيته وعقيدته الموروثة
ومعارضة دخلت إلى نفق مظلم بسبب الهائها بالصراعات الجانبية حول المال والنفوذ وتسلق الانتهازيين صفوف الثورة وركوب الموج واحتضان المعارضة السورية بشكل غير مباشر للمقاتلين الأجانب تحت مسمى الجهاد.
 
صحيح،النظام السوري كان يتبع سياسة كم الأفواه وتمييز الحزبي والمناطقي والطائفي والعرقي،لكن المآسي لم تصل إلى هذا الحد والحجم إلا بعد اندلاع الثورة،وقد يقول القائل لم تواجه النظام ثورة كبيرة كثورة الحالية حتى تحدث المجازر والمآسي،صح،لكن ماذا عن جانب المعارضة بعد دخولها في مواجهة مسلحة ومباشرة مع النظام
 
هل حافظت على القيم الثورية التي نهضت الشباب من أجلها لتحقيق الحرية والكرامة لكافة السوريين ؟
بطبيعة الحال،النظام كان جاهزاً لأسوء السيناريوهات واستمراره في سدة حكم إلى الآن خير دليل،بعكس المعارضة التي هي نتيجة الاعتصامات والمظاهرات السلمية،ثم العصيان والانتفاضة وبعدها دخول إلى الثورة المسلحة بدون الإدارة والتنظيم المسبق والموحد
ولطالما النظام كان مهيئاً لهذا السيناريو فنراه كلما ضاق به الخناق أظهر إحدى أوراقه داخلية أو خارجية لتطويق الثورة وإجهاض حماس الثوار في محاولة وضع الثورة في خانة الإرهاب وقد نجح في هذا المنحى إلى حد ما وانحرفت الثورة عن مسارها عندما دخل الإرهابيين إلى الساحة
بالمقابل،المعارضة لا تملك رؤية سياسية واضحة لمستقبل سوريا ولا تملك قيادة نابغة وقديرة لإدارة الأزمة وقراءة ومواكبة أحداث المتسرعة وفصل وموازنة مجريات الأمور وهي تتحمل جزء من المسؤولية في عدم انتصار الثورة وبلوغ أهدافها.
المعارضة تحولت إلى مجموعات شبه مستقلة لا وبل في بعض المناطق إلى المتناحرة،فنرى مجموعات تحكم منطقة معينة وتدير شؤونها بنفسها بعيدة عن باقي مجموعات المعارضة وبحسب قوانينها وإيديولوجياتها سواء أكان ذاك حكم تصف إيجاباً أم سلباً،ولعل أسوء تلك مجموعات هي مجموعة ما تسمى دولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) إحدى فروع التنظيم القاعدة في العراق وسوريا وقد نصبوا لأنفسهم أمراء في أماكن سيطرتهم عنوة عن الشعب ويمارسون أفظع أساليب الارهاب بحكم فرماناتهم الجاهلية .
وفي مناطق أخرى تحكمها أمراء (جبهة النصرة) فرع السوري لتنظيم القاعدة العالمي وهي الآن تحارب إلى جانب الجيش الحر ضد النظام وشقيقتها دولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) والخلافات الأساسية بين فرعا التنظيم القاعدة في سوريا هي الثروة والنفوذ والسلطة.
بالإضافة إلى قوات عسكرية صنعتها النظام وهي تابعة له في المناطق العربية في بعض المحافظات مثل ما تسمى الجيش الوطني “المقنعين” في مدينتا قامشلو والحسكة ويصنفون ضمن (شبيحة الأسد)
وهناك قوات محلية أهلية تشكلت لحماية وجودها من خطر فروع التنظيم القاعدة،ففي محافظة الحسكة(غرب كردستان) المسيحيين شكلوا ميليشيات مسلحة تحت اسم(سوت ورو) تعمل من اجل حماية مناطقهم وبلداتهم يشترك فيها مجموعة احزاب مسيحية ويشرف عليها مجلس عسكري. 
وفي غرب كردستان
الحركة الكُردية منذ نشوئها وبمختلف أحزابها تتبنى نهجاً وفكراً تنويرياً في تقبلها للآخر ونبذ العنف بكافة أشكاله وصوره وتعتبر النضال السلمي أفضل وسيلة لبزوغ الحرية والديمقراطية لسوريا ولجميع شعوبها ومكوناتها وتبقى غرب كردستان من أفضل المناطق أمناً واستقراراً في سوريا وقوات حماية الشعب ( ي ب ك) تعتبر أفضل قوة تنظيماً وهي تابعة لحكومات الإدارة الذاتية ولأن المجلسين الكُرديين لم تستطيعا العمل معاً بصيغة توافقية فيما بينهم لإدارة شؤون مناطقهم فأتت إعلان إدارة ذاتية من طرف مجلس غرب كردستان وبعض أحزاب أخرى وأدى إلى التباعد بين الطرفين وحصلت الحساسية ولهذا نرى بعض تجاوزات وأخطاء أسايش كانتوناتها الثلاث بين فينة وأخرى من خلال اعتقال الصحفيين والنش طاء والسياسيين.
وبسبب تقسيم البلاد عملياً الآن بين مجموعات متناحرة تكون أكبر مناطق هي الآن تحت عهدة أمراء الحرب من التنظيم القاعدة والمتسلقين من جهة والنظام وشبيحته من جهة أخرى
ولن تشفى السوريون من هذا الداء ولن تطيب لهم العيش بالهناء إلا بعد اقتلاع جذور الارهاب والديكتاتورية.
 
بقلم . خالد ديريك