د. ابراهيم خليفة : سرُّ ذلك َ الدُعاء ....؟ حكاياتٌ طبيةٌ ......من واقع الحياة

كلُّ يوم ٍ في حياة الطبيبِ , هو يومٌ آخر ٌبإمتيازٍ.
يحملُ جديدًا , قد يكونُ في غايةِ الغرابةِ , و لا يخطر ُببال ٍ..فيستفزكَ ,  و قد يخرجك
من طورك , رغم أنفك ؟
و لكنْ ..في نهاية  المطافِ , ليس باليد حيلةٌ , إلا أنْ تستوعبه , أو تتجاوزه و بِحُسن ِنيّة ٍ
و من مُنطلقِِ ِ , أنّه جزء ٌ لا يتجزأ  من  روتين العمل ِاليوميّ الشاقّ , و المثقل ِ بمتاعب
لا حصر لها .
زارني  في عيادتي الخاصّة   شابٌ في مقتبل ِالعمرِ , و بصحبةِ  والده , الذي كان حادا"
و نزقا" منذ لحظة دخوله  عليّ, و  تجاوزَ  بشكلٍ سافر ٍ  البروتوكولَ الخاصَّ الذي  أتبعَه
عادةً في كيفية التعامل ِمع المريض عند مشاهدتي له أوّل َمرة ٍ ,و لم يفسحْ المجال َليْ  حتى
أرحّبَ به , و أمَرني  دون مقدمات ٍ و بلهجة ٍقاسية ٍ, غير دبلوماسيةٍ , أن ْ أُعاينَ  مريضَه.ُ
 ألقى - بعصبية ٍ– على طاولتي , ورقةً دُوِّنتْ فيها نتيجة َبعض التحاليل ِ, و تبيّنَ لي فيما
بعد, أنّها عائدةٌ لولده –مريضي بالطبع - .
و قد حاولتُ , أنّى أشاءُ أن ْأهدّأ من روْعه , كي أتمكن َمن العودة به , إلى البداية ِالصحيحة ِ
تجنبا" لإرتكاب ِ أيّ  تقصيرٍ بحق ّ مريضه , وهو  بسلوكِه  الشاذ ِهذا , يُدخلني  في  أجواء ٍ
متوترة ٍللغاية , تؤثرُ عليّ, مهما امتلكت ُمن قدرة ِتحمّل ٍ.
و لنْ أقولَ أنّ محاولاتي الحثيثةِ تلك , قد باءت بالفشل ِ, و لكنّها لم تكن ناجحة ًكفاية, فأقصى
ما تمخضت ْعنها , هو التزامُه الهدوء َو التوقفَ عن حديثه المُنرفزِ و المسببّ للصداع , و أنا
أهمُّ بفحْص ِمريضه .
كان الشابُ , يشكو من أعراض ٍو علامات ٍسريرية ٍ, تتماشى مع إصابته بحُمّى مالطية جهازية
و ما  إنْ سمعَ ,  بتشخيصي  المبدئي  هذا , حتى  جَن ّ جنونه , و رفض  ذلك   جملة تفصيلا"
و سَخِرَ  من علميَ   بقسوة ٍ, و الدليل ُ على  صحّةِ  ما  ذهبَ  إليه ,  هو   نتيجة ُ  التحليل ِ
السلبية  لهذ ا  المرض , كما هي  موثقة ٌفي  ورقة التحليل ِالمرْمية ِ على طاولتي , و  عاتبني
بشدة , لأنني   لا أختلفُ ألبته , عن أطباء الرّيفِ , الذين هربَ منهم , و  هم بطبيعة  الحال  ِ

و- حسب اعتقاده -لا يفقهون من الطبّ شيئا" وقال عنهم كلاما" آخرا" , سأتحاشى ذكره...؟
و أعلنها  صراحة ً, أنّه  نادم ٌأشدّ الندم ِ, كونه  قد راجعني  بعد إنْ قطع َكلّ هذه المسافة , و
متحمّلا ًعناءَ السفر , و الخسارة َالماديةَ , و على ما يبدو دون فائدة ٍتذكرُ ....
و في الحقيقة ...تعاطفت ُمعه ,  أكثرَ بكثيرٍ  من انزعاجي  من حديثه أو  تصرّفه إن جاز أن ْ
نسميه كذلك , لأنّ من يديه في النار, ليس كمن يديه في الماء , كما يقول المثل الشعبيّ.
ففلذة ُكبده يُعاني , و صحّتُه في تدهورٍ مستمرٍ, و قد طرق َأبوابا" كثيرة ً, إضافة إلى بابي ,
لوضْع ِحدًّ لهذه المعاناة , التي تؤرقه و تؤرق ُكلّ أفراد عائلته, ومع كلّ أسف دون جدوى.\
و إذا بدا عليه كلّ ذلك التوترُ و الحَنَقُ ,فيجب أن ْيؤخذ ذلك بعين الإعتبار ,و عدم تحميله
ما لا طاقة له به .
فبقيتُ صامدا ً, في استيعابه و تحاشي كلّ ما يثيره و ما من شأنه صب ّالزيت ِعلى النار ,\
و لكنْ محتفظا"  بحقّي , أن ّللصبرِ  حدودا" , و علي ّو اجب ٌ,  يجبُ  أنْ لا  أحيد َعنه ,
و سأفعل ُ, ما بوسعيَ و دون إكراه ٍ, ما أجده  صوابا" , و هو بإختصار ٍ رسالتي , دون
زيادةٍ أو نقصانٍ ...
و لأجلِ ذلك.. .حدّثته بصرامة ٍنسبيةٍ ,كي يعطيني بعض الوقت , لوضعِ ِالنقاط ِعلى الحروف
في كلّ ما يتعلقُ بمشكلةِ ابنه . و قد استجابَ لحُسن الحظ ّ, لطلبي هذا , و على نحو ٍغير
متوقع ٍ,.  و ما إنْ هدأ  بركان ُ غضبه , و لو لبرهة ٍ, حتى استرسلت ُفي شرح ِحالته , و
محاولة طمأ نته , بأنّ  الوضع َ العام ّلا يستدعي  على الإطلاقِ ِ  كل ّهذا  التوتر , لأن ّذلك

سيزيد ُالطين بلّة لا محالة .

و قد أوضحتُ له بالتفصيلِ الممّلِ , أنّ هفوة ًطبية ًصغيرة ً, هي السبب الأسا سي الكامنَ

خلف كلّ ما لَحِقَ بولده , من ناحية تشخيص ِمرضه  و بالتالي عدم تجاوبه على مختلف

الأدوية الموصوفة له , لأن ّمن أشرف َعلى علاجه , قد اعتمد َعلى تحليل ٍباكرٍ سلبي ّ

لمرضه , و يتطلّبُ الأمرَ إعادة َالتحليل مرّة اخرى , حتى يتمَ تقييم ُوضع َالمريض بشكل ٍ

دقيق ٍ, إمّا نفيا" أو تأكيدا" للتشخيص ِالمحتملِ ِ, و من ثم التفكير بأدواءَ أخرى , عند

استمرار ِسلبية ِالتحليلِ اِلمذكورِ .

و حالما فهمَ , إنّني بصد دِ إعادة هذا الإجراءِ , حتى أقام َعلي ّالقيامةَ من جديدٍ ..

و على أية ِحال ٍ, فقد تجاوب َمع طلبي هذا على مضض ٍ, و خرج متمتما" بعبارات ,

تميّزتْ بالرّطانة - بالنسبة لي - ما عدا ما تناهى إلى  مسامعي ,من عبارات ٍوردت فيها

كلمات ٍكا لنصْب ِو التجارةِ , وهي بالطبع التُهَم ُالدائمة ُو التي لا يملّ و لا يكلّ الناس

ممن هبّ و دب ّمن تكرارها , بحقّ الأطباءِ , بمناسبة ٍو دون مناسبةٍ ....

لم يكنْ أمامي خيارٌ آخر, إلا أنْ أتصرّف َعلى هذا النحو , عارفا ًمعرفة ًتامة بخطورة

ما أقدمت ُعليه , كمن يحاولُ أنْ يلعب َبالنار ِ و مدركا ًأنْ صاحبنا هذا سيفرِغ ُعلي ّ

جام َغضبه , إن ْكانت نتيجة التحليل ِكسا بقاتها ...

و لم يكنْ أمامي , إلا أنْ أتضرّع إلى الله سبحانه و تعالى , أنْ ينقذني من تبعات ِمأزقٍ

كان لزاما" علي ّ, أنْ أضع نفسي فيه , و كي لا أخرجَ من محنتي هذه  ,بسواد ِ الوجهِ

فيتطاول ُعلي ّصاحبنا و يجلدني بسياطه ,  فأصْغرُ في  عينيّ , قبل  عينيه ,  و أبدوَ

قزما ًبمنتهى الصّغر ...

و قفت ُبخشوع ٍ, رافعا ًأكفّي إلى السماء ِ, ابتهالا ًو قلت ُبصوت ٍعال ٍ:

ياربّ ....أنْ تكون َنتيجة التحليل ِإيجابية ً..............؟

يارب ّ....أن ْتكون نتيجة التحليل إيجابية ً..............؟

كررت ُالدعاء َ مرات ٍو مرات ٍ.........؟

تابعت  ُعملي , دون   أن ْيُغمضَ  جفنٌ لتفكيري ,  بما هو آتٍ ....و تمنيت ُأن ْيعودَ

صاحبنا  بالسرعة  القصوى , لأنتهي  من قصة  ٍ, اُجبرت ُ أنْ أكون َ أحد َ أبطالها

و راغبا ًأنْ يكون الختام ُمِسكاً , لا ,لأبدوَ بمظهر المنتصرِ , فليس هذا في وارد ِ

حساباتي , و لكن لخشيتي  أنْ أسقط َ بالضربة  القاضية , إن ْ جرتْ الرّياح  بما لا

تشتهي سفني....

عاد إليّ والد مريضي , بعد فترة ٍوجيزة , و كأن ّعلى رأسه طيرٌ .......

سلّمني نتيجة التحليلِ يداً ليد ٍ, و هو في غاية التهذ يبِ و الهدوءِ ............

كان يترقّبُ – هكذا أحسستُ – ما لا يسرّه ُ, و يجني ثمارَ ما زرع ..........

لمْ تصْدُرْ عنيّ أيّة ردّة فعلٍ صاخبة ٍ, أو ملفتة ٍللانتباه ..........

أصغى إليّ باهتمام ٍبالغٍ , لكلّ التعليمات ِالتي شرحْتها بإسهاب ٍعن خطة ِعلاج ِ

ولده, و تناولَ بعناية ٍفائقةٍ , الوصفة َالطبية  التي حرّرتها له.........

خرج من مكتبي , دون أنْ ينبُسِْ ببنتِ شفة ٍ...............