جان دوست : كرد سوريا بين قبضة الفاشية وخوف الاقتتال

2013-12-16

ما إن بدأت الثورة السورية ضد النظام الشمولي الفاشي لحزب البعث وعائلة الأسد، وهو النظام الذي يحكم سوريا منذ نصف قرن، حتى انتعشت آمال الكرد أيضاً وهم يرون هذا النظام يضعف ويتداعى، فخرج الكرد مثل غيرهم من السوريين

إلى الشوارع ونظم الشباب صفوفهم وأنشأوا التنسيقيات بينما لم تكن الأحزاب الكردية في سوريا كدأبها كل مرة مستعدة للتحرك لأنها أحزاب كلاسيكية نشأت أصلاً على الشقاق الداخلي فلم تستطع أن تتناغم مع نبض الثورة.

لقد حصل الكرد على فرصة تاريخية لكي يصبحوا من المساهمين في إسقاط هذا النظام الذي اضطهدهم لعشرات السنين وحرمهم من جميع حقوقهم. وقد نال الكرد النصيب الأكبر من القمع خاصة بعد الاتفاقات الكبرى بين النظام السوري وتركيا حيث زجت السلطات القمعية بالمئات من مؤيدي حزب العمال الكردستاني في السجون وسلمت العشرات من كوادر هذا الحزب إلى السلطات التركية.

وبفضل هذه الثورة اتحد الكرد والعرب والسوريون الآخرون لأول مرة وصار لهم هدف واحد وهو إسقاط النظام. وكان هذا الأمر (أي توحد السوريين بمختلف مكوناتهم) خطاً أحمر لم يقبل به النظام الذي تأسس في الأصل على الاستفادة من الاختلافات العرقية والمذهبية المتجذرة في المجتمع السوري (وهو مصدر غنى وطني وثروة شعبية على كل حال). لقد قال لي الدكتور آزاد علي (مؤسس ومدير مجلة الحوار) أن بشار الأسد حين دعاه إلى دمشق قال له: ما هي مطالبكم؟ فقال الدكتور آزاد: نرجو أولاً إيقاف نزيف الدم. فرد عليه بشار الأسد: هاد مو شغلك.

ماذا تريدون أنتم الكرد؟

لقد حاول النظام منذ البداية إذاً أن يقوم بتحييد الكرد وإبعادهم عن الحراك الجماهيري السوري العام (لأنه ليس شغلهم بعبارة الديكتاتور)، فهو لاحظ أن هناك وضعاً جديداً بدأ يترك بصماته الواضحة على الأرض في المناطق الكردية، هناك نوع جديد من النضال يقوده شباب غير مرتبطون بالأحزاب الكردية فينظمون المظاهرات ويطلقون شعارات جديدة تؤكد على أهداف أساسها المواطنة السورية وهذا ما لم تفعله الأحزاب الكردية القومية التي غاب عنها البعد الوطني لمدة طويلة. هنا فكر النظام في قوة رادعة ففتح دفاتره القديمة وعرف أنه لن يستطيع إيقاف المد الثوري في المناطق الكردية لوحده.

حزب الاتحاد الديمقراطي، العصا الغليظة للنظام

تذكر النظام وهو يقلب الأوراق في الدفاتر القديمة حزبَ الاتحاد الديمقراطي الذي تأسس عام 2003 ثم مر في مرحلة حساسة ضعفت فيها قدرته إلى درجة كبيرة. وخطر في ذهن النظام أنه بدون الآبوجيين لا يمكن قمع الحراك الثوري وإيقاف المد الجماهيري. فهؤلاء بشعاراتهم البراقة المشهورة وممارستهم بيع الوهم لما يقارب الأربعين عاماً وتحركهم من منطقة إلى أخرى لعرض بضاعتهم في الأسواق الدولية يستطيعون جذب الشباب الكردي وإبعاده عن الثورة.

في البداية بدأوا يتحرشون بمظاهرات الشباب ويفسدونها، كانوا يقولون لماذا تخرجون أيام الجمعة؟ ولماذا تحملون علم الاستقلال؟ لقد تصرف هؤلاء كالعصابات الفاشية وكانت غالبية أعضاء تلك المجموعات أشخاص من قاع المجتمع لم يتلقوا تربية كافية وأميون يمكن أن تؤثر فيهم الشعارات سريعاً فيتحولوا إلى آلات ايديولوجية.

استمر هذا الوضع لشهور عديدة وكبرت هذه الظاهرة رويداً رويداً ولقد كنت واحداً من الذين يراقبون الوضع فقمت بتنبيه بعض قيادات الأحزاب الكردية إلى خطر التحرك الآبوجي وأنه سيتمكن أخيراُ من إيقاف حركة الشارع لكن للاسف لم تلتفت الأحزاب إلى نداءات التنبيه كما أن شباب التنسيقيات كانوا يفتقرون إلى الخبرة أما الآبوجيون فأصبحوا يتحركون بإيعاز من المخابرات السورية إلى أن تنامت قوتهم يوماً بعد يوم ووضعوا في النهاية يدهم الثقيلة على المنطقة مستخدمين الإرهاب سلاحاً فقاموا بخطف الناشطين واعتقالهم وتعذيبهم وحتى تصفيتهم. في المنطقة الكردية، التي أصبحت واقعة تحت قبضة حزب الاتحاد الديمقراطي، لم يتم التعرض إلى البعثيين وأنصار النظام، لم يتم التعرض إلى مخبري الأمن ولا إلى اي ضابط أو عنصر مخابرات بأي شكل من الأشكال. بسط حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي أصبح قوة ضاربة للنظام، سيطرته على عين العرب (كوباني)، عفرين، رأس العين (سرى كانيه)، الدرباسية، عامودا، ديريك وغيرها من المدن والبلدات. ولم يقم الناس بأي تظاهرة ضد النظام كما هو معلوم منذ قيام ميليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي بارتكاب المجزرة المروعة في عامودا حزيران 2013 والتي راح ضحيتها ستة مواطنين كرد سوريون ثلاثة منهم دون سن العشرين. لقد عمَّ الصمتُ المنطقة الكردية وخرجت من دائرة الثورة ضد النظام، وهرب الكثير من الناشطين خوفاً من اعتقالهم وتسليمهم إلى النظام. نعم لقد توقف الحراك الثوري وحل محله الحرب القذرة بين التنظيمات الأصولية المتشددة وميليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي حيث ذهب المئات من الشبان الكرد ضحية في تلك الحرب التي أريد لها أن تكون حرباً لترسيخ حكم بشار ونظامه وتخويف الكرد من الثورة ودفعهم إلى أحضان النظام.

الخوف من الاقتتال الأخوي

حاولت حكومة إقليم كردستان أن تقوم بتهدئة الأوضاع في المناطق الكردية في سوريا، لكنها للأسف أخذت القوة العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي بعين الاعتبار أكثر من سياسة هذا الحزب وكونه على حق أم على باطل، في حين أن هذه القوة لم تكن إلا قوة النظام السوري نفسه. لم تكترث حكومة الإقليم بالتجاوزات التي يرتكبها الحزب ولا بالسياسة القمعية التي يمارسها بحق النشطاء. وعلى هذا الأساس تم توقيع اتفاق هولير ونشأت الهيئة الكردية العليا وانتعشت الآمال الكردية لكن تبين للأسف أن حزب الاتحاد الديمقراطي يسعى للاستحواذ على قرارات الهيئة الكردية العليا وجعلها أداة في يده لتنفيذ مآربه وتحقيق مصالحه التي تتقاطع مع مصالح النظام السوري. ازداد امتعاض الناس وسخطهم وحدثت تجاوزات كبيرة وجرائم قتل في ظل الهيئة الكردية العليا ووقف الكرد السوريون أمام طريقين لا ثالث لهما: إما الاقتتال الأخوي وإما الفاشية. كان خطر الاقتتال الأخوي يزداد يوماً بعد يوم خاصة بعد أن أنشأ الاتحاد الديمقراطي نظاماً فاشياً صغيراً مرتبطاً بالفاشية الأم في دمشق. ولقد سعى الجيش السوري الحر (وهو الذي بدأت تحركه أيادي كثيرة تركية عربية فرنسية إنكليزية وأمريكية) إلى تسليح الشباب الكردي وضمهم إلى "الثورة" ونشأت بعض الكتائب لكن لم يتطور هذا المشروع لحسن الحظ ولم يتم توزيع السلاح بشكل موسع على أولئك الشباب. كذلك لم تدخل القوات الكردية التي تم إعدادها وتدريبها في إقليم كردستان العراق، ولو حدث ذلك لما كان من المستبعد أن تحدث حرب اقتتال كردية كردية ويسقط الآلاف من الكرد بينما كان الجميع بما فيهم تركيا والجيش الحر والنظام نفسه سيتفرجون عليها. إن الكرد، سواء بإرادتهم أو بدون إرادتهم رفضوا الاقتتال الأخوي ورضخوا للحكم الفاشي. وباعتقادي لو قارنا الحالتين لوجدنا أن ضرر الاقتتال الأخوي أكثر لأن فاشية حزب الاتحاد الديمقراطي أمر طارئ وعابر ومرتبط ببقاء النظام السوري ولا مستقبل له على الإطلاق في منطقتنا.

نشر المقال في الأصل بالكردية في موقع آفستاكرد



ارسل تعليق

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.