إدريس سالم – أَخترعُ لها الكلمات

أرى الموتَ الرحيبَ يطعنُ الخناجرَ في الحناجر
أراهُ يمشي فوقَ أشلاءِ أنْفُسها، وأنفاسها
فوقَ صراعِ المُفنّدين لانفلاعها عنهم
فوقَ رحيقِ غيرتها على حبّ الذهابِ من هُنا
والإيابِ إلى هُناك
فأخترعُ لها الكلمات
لتحيا هي بالمَعَاني، والدلالات

الكَمانُ يُغازلُها
يُغازلُ عنقَ عازفتي، وهي تعزفُ راقصةً
فالتمعَتْ إبداعاً،
وفاهَتْ بهاءً فوّاحاً،
واستغدرَتْ عطاءً،
واغدوْدقَتْ خبزاً للكلمات،
واغدوْدنَتْ شوقاً
ألا تستحقُّ أن أخترعَ لها الكلمات؟

أخترعُ الكلمات
وأنا أدركُ بأنّ وطنَها لن يتغرّبَ عن وطني،
ووطني لن يتغرّبَ عن وطنها
وأنّها ستضعُ حجرَها فوقَ حجري
فنبني معاً كوخاً
فيه وسادتان، وتختٌ واحد
فتسقطُني في أبديتها
على وجنيها
في جنتها
بينَ الأسرارِ، والاكتشافات
وتبعدُني عن عزلة الجنس البشريّ،
وعقولهم المُتوقّفة عن المُتَع

جسمُها المَمْشوقُ مَرْسمي
ذاك الصدرُ الأبيضُ الناهِدُ الجائِعُ لوحتي
وإثارُها الفيْرُوزجيّ مِمْحاتي
وأنا ذاك الرسّامُ المِفَنُّ المُتأمّلُ بها، وبأشيائها
فأترسّمُها برؤوس أصابعي المُتشوّقةِ للمس لوحتي
فتصحو فيّ الكلمات

أوْبقَها أحْجارُ الطرقات...
وهي تمشي بحذائها الفضيّ، ذي الكعبِ العالي
وفستانِها الفراشيّ...
فكسرْتُ لها تلك الأحْجارَ بالمَرَازب
فتوارتْ الأحْجارُ في الأجْحار
وبدأْتُ أخترعُ لها الكلمات

كلماتٍ تليقُ بها
فوراءَ صوتِها الأنثويُّ الرقيق...،
ووجهِها الوقّار
تختبأُ أحلى امرأة
فأخترعُ لها أحلى الكلمات

كَعَبَتْ امرأتي كُعُوباً
عندَما قرأْتُ لها
ما اخترعْتُ من الكلمات
أمامَ شبّاكِها الخشبي

أستحمُّ من مَزّة شفتيها
والحمائِمُ القرنفليّةُ ترفرفُ فوقَنا
أستحمُّ من برودة خاصرتها
وجسدي، وجسدُها يتخاصران
كلّما ألمسُ خصرَها
تحِنُّ الدماءُ على الدماء، وتجِنُّ الكلمات

ألّهتُها لوجودي، وفَنَائي...
ففي صوتها سكينةُ القرآن
كلّما أسمعُه كأنّني أرتّلُ القرآنَ ترتيلاً
كلّما أسمعُه تتبدّدُ أوْجالي، ووجومي...
أحسُّ بالوجدانية، والوحدانية
مع أفانينِ كلامها
فكيفَ لا أخترعُ لها الكلمات؟!

أحبُّها كثيراً..
وليسَ هناك حدودٌ لمحبتي
أحبُّها من التراب إلى التراب
هي مُخترعةُ كلماتي

انتهت القصيدة



ارسل تعليق

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.