إدريس سالم : الحرب بينَ أمريكا، وروسيا في سورية ... إلى أين ؟

2013-07-20

 من المعلوم أنّ المصالحَ الاقتصادية، والتجارية، والثقافية وغيرها، هي التي تحرّكُ العلاقات – كلّياً – بين الدول الكبرى والصغرى، إذ لا نستطيعُ أن نُلغي وجودَ مصالحٍ قويةٍ بين الدول التي لها مصالحٌ مشتركةٌ فيما بينها في منطقةٍ، أو مناطقٍ ما من هذه الدول التي يقومون باستيراد وتصدير مصالحها، ومشاريعها منها.

فالولاياتُ المتحدةُ الأميركيةُ، وبضغطٍ عسكريٍّ، وسياسيٍّ منها، فإنّ كلُّ المنطقة العربية، والمناطق الأخرى هي رهينةٌ تحت إمرتها، وإمرة حليفتها إسرائيل. ومن خلال ما نشاهدُه في الظروف الراهنة في سورية (الجريحة) عبرَ شاشات التلفزة، والصحف، والمواقع الالكترونية، وجلسات المنظمات، والمؤتمرات الدولية، وساحات الشوارع... من حروب إعلامية وغير إعلامية، وعمليات الكرّ والفرّ بين الجيش السوريّ (النظاميّ)، والجيش السوريّ (الحرّ)، إنّما تدلُّ على دلالةٍ واحدةٍ ليست لها ثانية، هي أنّ هذه الحروب تجري أحداثها الحقيقية الواقعية بين دولتين عملاقتين كبيرتين تستطيعان أن تأكلا الأخضر واليابس، تستطيعان تحطيمَ كلّ مَنْ يقفُ في طريق تحقيق أهدافهما، وهاتان الدولتان هما:
 
1 – الولاياتُ المتحدةُ الأميركيةُ: تحاربُ بشكلٍ غير مباشر في سورية استناداً إلى القاعدة الآتية: 
(تدعمُ الجيشَ الحرّ، والائتلافَ الوطنيّ المعارض، وضدّ النظام البعثيّ العبثيّ، والشعبُ إلى الجحيم).
2 – روسيا: تحاربُ أيضاً بشكل غير مباشر في سورية استناداً إلى القاعدة الآتية:
(تدعمُ النظامَ البعثيّ العبثيّ، وضدّ الجيش الحرّ، والائتلاف الوطنيّ المعارض، والشعبُ إلى الجحيم).
تجري في سورية بأقوال، وأفعال هاتين الدولتين أحداثَ حربٍ عالميةٍ كارثيةٍ، حيث الشيعة يحاربون السنّة، والإسلاميون يحاربون العلمانيين، وتركية تحاربُ الكورد، وإسرائيل تحاربُ حزب الله، وإيران يحاربُ دول الخليج، وأمريكا تحاربُ روسيا... والعكس الصحيح، حربٍ ساخنةٍ حارقةٍ خارقةٍ.. باردةٍ مُتجمّدةٍ...، فيها كلُّ فنون، وأشكال القتال، والخداع – المُمنهجين الهمجيين – لا نعلمُ مَنْ فيها على حقّ، ومَنْ فيها على باطل، فالكلُّ يريدُ أن يثبتَ رجوليته على شعبٍ مغلوبٍ على أمره، وضائعٍ بين براثنهم، حيث يُدمّرُ، ويُذبحُ، ويُعدمُ، ويُفتكُ، ويُحرقُ... حربٍ لأجل المصالح، وزرع القواعد العسكرية، والسياسية، والثقافية، والتجارية في سورية خصوصاً، وفي منطقة الشرق الأوسط عموماً، حربٍ نستطيعُ أن نسمّيها أيضاً باسمٍ آخر (المزادُ الناريُّ النازيُّ الدمويُّ)، بين دولتين متخاصمتين، أشدُّ ما يمكنُ وصفهما أنّهما ديمقراطيتان، دولتين تُتاجران بحياة جميع شعوب العالم.
 
فهاتان الدولتان الديمقراطيتان تريدان شراءَ أكبر عددٍ ممكنٍ من الشهداء، والجرحى... من سورية.
تريدان شراءَ أكبر عددٍ ممكنٍ من اللاجئين، والنازحين...
تريدان شراءَ أكثر المدن دماراً، وخراباً، وظلاماً...
تريدان شراءَ أكثر الشوارع دمويةً، ووحشيةً...
تريدان إقامة أكبر عددٍ ممكنٍ من المحادثات الدولية، والمؤتمرات، والقمم الرئاسية والوزارية، واللقاءات السرية منها والعلنية... من أجلها. تريدان إضعافها من كافة النواحي، والأصعدة... حتى تصبح كرجلٍ جائعٍ عَطِشٍ باردٍ... فيلمّا حوله – كمنقذين – فيطعموه من طعامهما، ويسقوه من مائهما، ويدفّئوه من دفئهما. 
وقد حذّرَ الرئيسان الأمريكيّ باراك أوباما، والروسيّ فلاديمير بوتين، والاتحادُ الأوروبيُّ، ورئيسُ هيئة الأمم المتحدة، وأعضاءُ مجلس الأمن الدولي النظام الأسديّ من مغبّة استخدام السلاح الكيماويّ، والأسلحة الثقيلة الأخرى بخطورتها، وأضرارها الجسيمة ضدّ الطبيعة السورية وما فيها من مخلوقات، فيُفهَمُ من هذه التحذيراتُ أنّه بإمكان النظام استخدام مختلف أنواع الأسلحة المتاحة لديه، بما فيها السلاح الكيماويّ، حتى عندما صرّحوا: 
(يجبّ على الأسد التنحي..)، فهذا يعني أن ساعة تنحيه لم تأتِ بعد، وأنّ عليه أن يفعلَ بشعبه ما لم يفعلْه حتى الآن.
فإذاً هذا التحذيرُ والتصريح الرئاسيُّ، والمنظماتيُّ هو بمثابة موافقةٍ على استخدام ما يحلو له من أسلحة، كطائراتٍ حربيةٍ، ودبّاباتٍ، ومدافعٍ، وصواريخٍ، ورشّاشاتٍ، وغازاتٍ سامّة وغيرها، مع العلم أنّ الثوارَ منذ بداية الثورة كانوا يدركون أنّ التكلفةَ كبيرةٌ، والثمنَ باهظٌ جدّاً، وأنّهم سيدفعون حياتهم ثمناً لحرية سورية، وديمقراطيتها.
 
وبالمقابل فإنّ كبارَ مسؤولي البيت الأبيض، ووزارة الخارجية الأميركية، والروسية بدؤوا محادثاتٍ مع حلفائهم الأوروبيّين، والآسيويّين، والعرب برسم خطّة للقضاء على هذا النظام، ونشر الديمقراطية في البلاد دون أن يشاركوا فيها بشكلٍ علنيٍّ ومباشر(خطتي كوفي عنان، والأخضر الإبراهيميّ)، فالشعبُ السوريّ يكادُ يكونُ الشعبَ الفريدَ في تاريخ الديمقراطيـة الإنسانية، من حيث أنّه لم يمارسْ الديمقراطية طيلة هذه العقود التي مرّت، لأنّهم ما زالوا يُحكَمون بنير الطُغاة والعُتاة، ولأنّ التاريخ السياسيّ السوريّ كان أجدباً، قاحلاً، ماحلاً من العدل والحق والحرية، ومليئاً بالظلم، والطغيان، والسرقات، فالعربُ، والكردُ، والآشوريون وغيرهم من قوميات البيت السوريّ لم تضيء سمائهم حتى الآن لمثل هذه المبادئ.
إنّ مصالح هاتين الدولتين – حتى الآن – غيرُ مهدّدةٍ (مطلقاً) بفعل تأزُّم الوضع السوريّ، فلا البترولُ السوريُّ، ولا الضاغطُ الأخلاقيُّ، ولا حتى الإنسانيُّ يدفعُ إلى وحدة آراءهما، وإلى اتخاذ مواقفٍ حازمةٍ، وحاسمةٍ، مثلما فعلا ببعض الدول مؤخراً، لذا هم يركّزان على مقولة الحلُّ السياسيُّ (غيرِ المتاح فعلياً)، أو كما يسمّى لدى النظام السوريّ، وإعلامه (الحوارُ الوطنيّ)، ولا يهمُّهما كثيراً حجم الأهوال، والمجازر التي تصيبُ السوريين من قتلى، وجرحى، ولاجئين...، ولا يكترثان لتحطيم مناطق سكنهم، وتهجيرهم منها، وتشريدهم. 
 
إنّ تدخلاتِ هذه الدول في الشأن السوريّ لها أسباب كثيرة، فالأمريكان، والإسرائيليون يحاولون الخلاص من الملف النوويّ الإيرانيّ،لأنّ الملفّ النوويّ الإيرانيّ يشكّل تهديداً كبيراً يهدّد القوّة الأمريكية باعتبارها أولى أعظم دولة في العالم في الوقت الراهن، والخلاص من حزب الله اللبنانيّ،لأنّه يشكّل خطراً استراتيجيّاً على الوجود الإسرائيليّ في منطقة الشرق الأوسط عامّة،وفلسطين خاصّة، طبعاً لأنّ إسرائيل هي التي تنفّذ مخطّطات أمريكا في العالم العربي ومناهض للتحالف الصهيوني – الأميركي، هذا شيءٌ يزعج طبعاً الأمريكان كما يزعج الصهاينة، ولكن إن أكثر ما يزعج الصهاينة، والولايات المتحدة الأمريكية فـي إيران هو هذا النشاط النووي.
 
ويدعمون أيضاً مطامع، أو مطامح تركيا في سورية، التي تريدُ المحافظة على المناطق المغتصبة التي اغتصبتها من سورية خلال العقود التي مرّت، من خلال دعمها للجيش الحرّ، والمجلس الوطنيّ السوريّ سابقاً، والائتلاف الوطني السوري(كحكومة انتقالية القريبة الولادة) حالياً، وذلك لزرع قواعدها وطموحاتها المستقبلية في سورية المستقبل هذا على الصعيد التركيّ – السوريّ .
أمّا على الصعيد التركيّ – الكرديّ فإنّها تحاولُ الخلاصَ من نضالات حزب العمال الكردستانيّ (المدعوم من قبل النظام السوري منذ سنين وسنين) في سبيل حصولها على حقوقها المشروعة في الأراضي التركية.
 
أمّا روسيا فإنّها لم تسايرْ، ولا تسايرُ الاتجاه الدوليّ الذي يسعى جاهداً إلى الضغط على رقاب النظامِ البعثيّ الشموليّ الدمويّ لأن يكفّ عن إلحاق الدمار والخراب بالشعب السوريّ، وبِبُناه التحتية والفوقية، لذلك فهي تدعم النظام من أجل حماية مصالحها التجارية الكبيرة معه، وفي منطقة الشرق الأوسط، وخوفها من قيام حربٍ أهليةٍ – عربيةٍ – في هذه المنطقة، وأن تؤدّي تداعيات هذه الحرب إلى هدم معملها، وسوقها الاستراتيجيّ الذي صنعتها في سورية لصناعاتها العسكرية، والوصول إلى مناطق نفوذها في العراق، وإيران، وداغستان وغيرها من النفوذ.
والسؤالُ الذي يحتاجُ إلى إجابات كثيرة، وطويلة التنظير، والتحليل بأبعادها السياسية، والعسكرية – معاً – المنشودة:
الحربُ بينَ أمريكا، وروسيا في سورية... إلى أين؟
 
لا شكّ تماماً أن هذه الحرب، أو هذا المزاد الدمويّ بحالتها الجماهيرية، وبمعارضتها السياسية، وتنسيقياتها الشبابية ستستمرُّ على هذا الوضع المأساوي العنيف حسب تحليلات الخبراء السياسيين، والعسكريين، والدبلوماسيين، والمطلعين، والمشرفين على مجرياتها من الخارج السوري وداخله، إلى أنْ تتغيرَ بعض المعادلات الدولية حول أحداثها المستقبلية القادمة على النظام، أو المعارضة، أو الجيش الحرّ.
رغم أنّ إبعاد الملف السوريّ عن طاولات التداول في المجالس، والمنظمات، والهيئات الدولية له تأثيرٌ سلبيٌّ كارثيٌّ خطيرٌ على مصير الشعب السوريّ، ومستقبله؛ حيث ظهرت ملفات أخرى نالت عنايتهم، وتركيزهم عليها، كالملف العراقي، وحرب مالي ضدّ القاعدة، وولادة ثورة ثانية في مصر ضدّ الإخوان المسلمين، وهذا الإبعاد هو لصالح النظام الحاكم.أمّا الصفقة الكبيرة، والرابحة، والحاسمة لنهاية هذه الحرب فهي بيد الموفد الأمميّ – العربيّ (الأخضرُ الإبراهيميّ)، إلا أنّ المناخ السياسيّ، والأجواء التدميرية لم يتوفرا حتى الآن ليتمّ توقيعها بين الولايات المتحدة الأميركية، وروسيا.إذاً فالدولتان المتنافستان تتعاطيان مع هذه الحرب وفق المعادلة الآتية: (تريدان تدمير سورية، وتفكيكها بدأً من الشعب، وصولاً إلى السلطة والنظام، فيحولانها إلى جثّةٍ هامدةٍ شبه ميتة، فتبدآن مجدداً بتغذية الشعب، والسلطة والنظام وفق قناعاتهم، ورؤيتهم، وأهوائهم، وطريقتهم...).
 
لأنّ سورية هي دولة فاعلة ومؤثّرة في المنطقة العربية، بسبب موقعها الاستراتيجي الهام، ونفوذها في لبنان، وعلاقاتها الإستراتيجية مع إيران والعراق...، وكلُّ دولةٍ بأوروبيتها، أو بغربيتها أو بآسيويتها تريدُ أن تحافظ، وتحمي مناطق نفوذها، ومصالحها، ومشاريعها فيها، بالإضافة إلى زرع قواعدٍ، ونفوذٍ، ومشاريعٍ جديدةٍ فيها.
 


ارسل تعليق

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.