محمد غانم : كوباني .. جبل الوفاء الكردي

2013-05-09

صباح 6 / 3 / 2013 م  كان باردا جدا ، حتى أن ا لجليد تشكل لأول مرة على
صفحة الماء الراكد ..تناولنا الفطورالسريع مع الأخوة الكورد وضيوفهم من
شباب وحدات حماية الشعب ( يبكا ) .شباب بعمر الورد يمتازون بالنقاء
والطهر ، يضعون شارت العلم الكردي على رؤسهم ..

مضيفنا الشيخ أبو محمد
الرائع والمشبع بإنسانية عالية ، ومحبة بحجم حلم الوطن الكردي القادم رغم
أنف الشوفيينيين ، وسراق حق الشعوب بتقرير مصيرها والعيش بأمان وسلام
ومحبة وتعاون مع جيرانها ، من عرب وترك وفرس  وووالخ . ( علمت بكل أسف
فيما بعد أن أحد الأخوة الشباب من وحدات حماية الشعب قد استشهد ، وأن
الشيخ أبو محمد اصيب بشظية نالت منه بجرح  . رحم الله الشهداء ، وتمنياتي
لأخي ابو محمد بالشفاء العاجل  .
انطلق موكب السيارات من الرقة بإتجاه كوباني ، كان مؤلف من عدة سيارات
تحمل عائلات كردية وعربية  وغيرها ، بمرافقة مسلحة من وحدات حماية الشعب
( يبكا ) كانت القوة بقيادة الشاب الكردي الرائع ( هفال شيار ) وعلى ذكر
هفال كنت اعتقد أنه اسم لشخص محدد ، ولكن اكتشفت أن الجميع ينادي بعضه
بعبارة ( هفال ) .، معتقدا أنه اسم حركي لهم ، لأكتشف لاحقا أن هفال تعني
( رفيق نضال ) باللغة الكردية  .
في الطريق إلى جبل الوفاء الكردي كوباني كانت القافلة تسير ، وعلى الطريق
شاهدناعشرات السيارات وهي تحمل عائلات كثيرة مغادرة لمدينة الرقة من عرب
وأكراد وتركمان بإتجاه الرف الشمال لمدينة الرقة ، نحو منطقة تل أبيض
الحدودية ،البعض نحو أورفه ،والآخر نحو قراه حيث تعيش أسرته وعائلته
الكبيرة . ( عشيرته أوأبناء قوميته ).
كانت حواجز المسلحين تملأ الطرق ، بعضهم سافر الوجه ، وبعضهم ملثم  ،
ويقومون بتفتيش السيارات  المتجهة إلى الحدود التركية بحثا عن ( مطلوبين
) .. قافلتنا لم تفتش لوجود المسلحين ولوضوح من تمثل ، والجهة التي
تحميها ، حيق أعلام كردستان ،وأعلام ال ( يبكا ) ووجود مجموعة جيدة من
المسلحين برفقتها لحمايتها بقيادة ( هفال شيار الذي علمت لاحقا أن مقاتل
متمرس  وانه من قوات ( ال هبكا ) .
وعلى حدود منطقة كوباني تم انزال مجموعة عائلات كردية للتتجه الى قرنفل
وغيرها بسيارات أخرى ، أماأنا ومن بقي من القافلة  فقد توجهنا الى بلدة (
جلبية ) ونزلنا ضيوفا على قوات ( الأسايش ) هناك  ، وبعد توزيع العائلات
على سيارات مختلفة لإيصالهم إلى مبتغاهم ومأمنهم بين أهليهم في القرى
والبلدات الكردية ، بقيت أنا ومجموعة صغيرة متجهة الى مدينةكوباني  ، (
هفال شياركان متعبا جدا ، وطلب منا أن نعطيه حق الاستراحة للنوم قليلا،
حيث أنه من يومين وهو ( طالع نازل عالرقة ) ينقل عائلات بحمايته ، او
يقوم بإيصال المساعدات الى حي الاكراد بالرقة . . استقبلت بحفاوة في
جلبية من قبل الاخوة الكرد الذين اسرعوا بعمل الشاي ( الحلو) . شربت كاسة
الشاي الحلوة جدا مثل قلوبهم الطيبة ، وطلبت فنجان قهوة لي .. وحيث لا
يوجد قهوة في مقر( الاسايش ) ارسلو أحد الشباب الى الدكان القريب لشراء
علبة قهوة من نوع ( بن نجار)  . وطلبت أن أعد قهوتي بنفسي لأن الشباب
يشربونها حلوة ، وأنا سكر على الريحة .
في مقر الأسايش  بدأت حركة ملفتة للنظر ، وفوجئت بأنهم بدأو بإعداد طعام
الغداء رغم أن الوقت لا زال باكرا ( كانت الساعة  الثانية عشر ظهرا انجز
الغداء ) وأصروا على أن أتقدم للغداء رغم أني لم اشعر بالجوع لأن الشيخ
ابومحمد في الرقة قد أصر على أن نتناول الفطور عنده .
كانت وجوه الشباب فرحة بوجودي ضيفا عزيزا عندهم ، ورغم الحالة المادية
والغلاء إلا انهم ما تركوا جهدا للإحتفال بضيافتي عندهم ولو لساعتين ،
وهي المدة التي قضاها ( هفال شيار) بالنوم والراحة بعد عناء يومين
متواصلين ليلا نهارا .
في الثانية ظهرا غادرنا جلبية بإتجاه جبل الوفاء كوباني ، كانت الطريق
البالغة أكثر من خمسين كم تعج بدخان ( مصافي النفط ) التي تملأ ارياف
الجزيرة كلها وليس ريف كوباني فقط ،  رائحة ( الزفت والكبريت تملأ الجو
مترافقة مع دخان اسود ملوث يحمل معه غازات كثيرة مضرة بالجهاز التنفسي )
. كما اصبحت تجارة رائجة في محافظات الرقة ودير الزور والحسكة . لتكون
بديلا عن نقص مادة المازوت وغيرها من مصادر الطاقة .
المقاتل الرائع ( هفال شيار ) لم يرغب كثيرا بالحديث معي ، وقال هناك
جماعتك في كوباني يتحدثون وهناك يمكنك التحدث كثيرا ، نحن مقاتلون ..
يمكنك الحديث مع السياسيين هناك بعد وصولك .
عندما وصلنا الى جبل الوفاء الكردي .. كوباني  ، دخلت الى مقر قيادة ال
يبكا ، وغاب هفال شيار لساعة ، ثم دخل معدا طعام الغداء لي وله ، لأن
هفال شيار لم يتناول الطعام في جلبية .
وكان الطعام مؤلف من علبتي سمك سردين وصحنين من ( الأندومي ) .
ويليه الشاي  ، بعد استراحة قرابة الساعة غادرالشاب الرائع الواثق الواثق
من عادلة قضيته وقدسيتها  الى جهة لا اعرفها ..( علمت لاحقا من مضيفي ابو
يحى أنه عاد في مهمة جديدة إلى الرقة ) . توجهت مع شاب بعمر الورد ( 17
سنة ) إلى منزل السيد ابو يحى ، أوصلني الشاب الصغير الى الباب ولم يد خل
سألته عن اسمه لأشكره فقال ( هفال )  في منزل هفال ابو يحى كان الاستقبال
مفعما بالحب والأبتسامات جلست عائلته معنا لأن أبو يحى كان في السوق ..
شربت مع عائلته الشاي على مزاجي ، ثم القهوة ، أخذني أبو يحى عند وصوله
بالعناق الحار ، بعد الترحيب قال لي : اليوم أنت ستبقى هنا وتنام عندي
معززا مكرما ، وهفال شيارأبلغهم أنهم جاهزون لإيصالي بأمان إلى أي مكان
أريد ( تركيا ، القامشلي ، كردستان العراق )وعلى أن أقررعلى مهلي ،
وبهدوء .. وقدموا لي اقتراحا أن أبقى عندهم في كوباني في ضيافة الشعب
الكردي  ما أشاء ن كما أبلغوني أنهم تلقوا اتصلات عديدة من الجزيرة
يطالبون بحضوري لعندهم وفي ضيافتهم ، وأنهم سيضعون كافة بيوت القامشلي
بتصرفي لأختارأين أسكن .
وهنا لا بد من توجيه الشكر لكل من الاخوة الكرد ( والد الشهيد فرهاد صبري
العظيم – الاخ ابو عبود سعد عبدي في الحسكة – اسرة الأخ والصديق أوات
فاتنه في القامشلي – اسرة الصديق والأخ ابو الأيهم ابراهيم اليوسف في
القامشلي ، وغيرهم الكثير من القوى والشخصيات الوطنية الكردية ) .
رغم كل الدفء والمحبة والعناية المحاط بها من قبل الأخوة أبناء الشعب
الكردي في كوباني وسائر كردستان ، بقيت ملامح الأسى وجهي ، ولحظات
الإنكسار لمغادرة مدينتي الرقة مكرها من خطر غير معروف المصدر ( علمت
لاحقا أن مجموعة مسلحة اقتحمت بيتي واستولت عليه ، وكأنه موقعا من مواقع
السلطة ؟؟؟؟!!!!!) . – لا اعرف ربما جرى تحرير بيتي مني ، قيمة المنزل
تتجاوز الأربع مليون ليرة ناهيك عن الأثاث والمكتبة حيث المنزل لا ينقصه
شيء من الكماليات والأثاث ، حتى هذه الساعة لا أفهم ماهو المغزى أن تقوم
المعارضة بإحتلال منزل مواطن سوري معارض وسجين رأي سابق ومكفوف اليد ،
وكان منفيا من قبل الأمن حتى بعد الأحداث ، ولا اعرف على أي خلفية يتم
اقتحام منزلي واحتلاله ، وتترك منازل الفاسدين والمستفيدين من السلطة
والمرتشين والسراق ، أرجو أن لا يكون الأمر تم على خلفية طائفية مقيتة لم
اعشها ولم امارسها يوما في حياتي ، صحيح أن النظام اعتقلني وكف يدي عن
العمل ونفاني الخ ولكنه لا أنا ولا غيري من المعارضين احتل بيوتنا او
اعتدى على افراد اسر احد منا ؟؟!! --- .
كل طوفان المحبة الكردي ، كل جبال الوفاء الكردية التي احتضنتني في
كوباني ،واشعرتني فعلا لا قولا بأني بين أهلي وناسي وأسرتي الكبيرة الشعب
الكردي . غمرني الوفاء الكردي ، وارتفع عاليا جدا كجبال آغري والجودي
وقنديل وزغروس . اعتقدت أن الوفاء هو أهم جبل في كردستان ، وأن الشعب
الكردي ولد من رحم جبل الوفاء هذا .
هذه المحبة والوفاءغسلت بعضا من انكساراتي وحزني على مغادردتي مدينتي
الرقة حيث تاريخي وطفولتي حيث الأحبة أكثر من أن يعدوا .
مساء نزلت مع هفال ابو يحى إلى اسواق كوباني ، وتناولت الحلويات في
ضيافته ، كماقمت بتصريف ما يعادل مئتي ليرة تركية ، واشتريت هاتفا تركيا
لأتواصل مع أسرتي ، ومع ابن أختي فراس في اسطنبول ، لأني اتخذت قرارا
مبدئيا بالذهاب إلى اسطنبول . وتفهم الأخوة الكرد رغبتي وزودوني بالكثير
من النصائح ، وبقوا على اتصال معي وأنا في الطريق البري .
عودة إلى منزل ابو يحى حيث كان ينتظرنا العشاء الفاخر مع كامل ما تشتهيه
النفس من كرم وضيافة ، وحضر العشاء ضيفان رائعان هما مختار كوباني ،
والدكتورأبو آراس ( هفال ابو آراس ) . الذي اسندت إليه مهمة توصيلي إلى
إلى الحدود السورية التركية في صباح اليوم التالي  .. ساد حوار طويل حتى
آخذ التعب منا جمعيا ..
قضيت الليلة حتى الصباح في منزل هفال ابو يحى، الذي لم يطفىء المدفأة كي
ابقى دافئا حيث البرد أكل وشرب من عظامي في الليالي السابقة في الرقة .
في صباح يوم 7 / 3 / 2013 م ، وبعد القهوة انطلقنا مشيا الى مواقع قيادات
ال يبكا  ، والأخوة في الأكاديمية  السياسية ، شربنا الشاي ، وتحدثنا
مطولا ، وتلقينا اتصالا من الدكتور أبو آراس بأن موعد الإنطلاق إلى
الحدود التركية عبر معبر جرابلس سيكون الساعة الحادية عشرة ظهرا ، حيث
يفصل حدود منطقة كوباني مع مدينة جرابلس نهر الفرات ، حيث سأشاهد نهر
الفرات ثانية قبل مغادرتي الأراضي السورية إلى تركيا عبر جسر الشيوخ  ،
لا، جسر زور مغار القديم قد تم نسفه من قبل جماعات مسلحة  ( كنت قد زرت
زور مغار في وقت سابق وقطعنا من زور مغار إلى جرابلس من فوقه ( وكان سبب
زيارة جرابلس في ذلك الوقت هو أن نأكل لحم بعجين جرابلس وهو شهير ولذيد )
، جسر حديدي مغطى بالخشب القديم مجاور تماما للحدود التركية ، ولجسر
القطار التركي ، جسر زور مغار محمول على عوامات عمره اكثر من 75 سنة  ،
ولأنه معطوب سنمر من فوق نهر الفرات  عبر ناحية الشيوخ التابعة لمنطقة
كوباني ، أبلغني الأخوة الكورد أن معبر جرابلس يسيطر عليه الجبش الحر ،
وتحديدا كتائب من لواء التوحيد ، التابعة للأخوان المسلمين .
ورغم أن كوباني مدينة حدودية ولها معبر مع تركيا نظامي وبوابة إلا أن
الحكومة التركية أغلقت كل المعابر الحدوديةالتي تقابل مناطق ذات أغلبية
كردية . وفوقها استقدمت تعزيزات عسكرية ، ووضعت الغاما كثيفة تحسبا لأي
اختراق من مقاتلي حزب العمال الكردستاني .
لا سيما وأن صور قائد حركة التحرر الوطني الكردي في تركيا المناضل الأسير
عبد أوجلان تملأ الحدود من الجانب السوري ، الذي يشكل الاكراد غالبية
سكانه .
تناولنا الحلويات  ا لطيبة ، وفي الساعة الحادية عشر ظهرا وصلت سيارة
الدفع الرباعي التي يقودها الدكتور هفال أبو آراس ومعه أخ من قيادات أحد
الأحزاب الكردية نسيت اسمه هفال ...
ودعت مضيفي هفال ابو يحى وشركته على حفاوة الاستقبال ، وذهبنا لتويع هفال
شيار ، ولكن لم يكن قد عاد من الرقة تركنا له تحياتي وامتناني وطلبت من (
الهافلات ) الكثر أن يقبلوا جبهة العالية كجبل الوفاء الكردي ، وابلغه
امتنني له ولكل شباب الهبكا واليبكا متمنيا من الله أن يحفظهم  ، كرر
الأحبة أبناء كوباني دعوتهم لي للبقاء عندهم ، وأبلغوني أنهم دائما
يرحبون بي كواحد من الأسرة الكردية وأبناء الشعب الكردي .
وانطلقت السيارة نحو جرابلس عبر ناحية الشيوخ  ومنها الى جرابلس  وللحديث
بقية ، ولا سيما أني سأشاهد ثانية صديقي الوفي نهر الفرات .
محمد غانم
        10 / 4 / 2013 م  سوريا اولا واخير .

محمد غانم
Ghanem55@gmail.com

 



ارسل تعليق

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.