جان كورد : أين أقلامنا النائمة

2012-09-05

كانت لدينا نحن الكورد أقلام كبيرة, تطل علينا بظلالها المديدة, في أيام الرخاء الوطني, وقبل أن تأتي هذه الثورة المدوية بالصور والأنباء المرعبة... كانت تحدثنا عن عشق الحرية ومحبة الوطن, وترسم لنا أحلام وردية عن مستقبل زاهر  في المدى الذي أمامنا...

فسكتت منذ اندلاع الثورة السورية أو هاجرت إلى المريخ أو أصيبت بالسكتة القلبية التي تأتي فجأة... فأنا ما عدت أسمع قرقعة أصحابها على منابر الأحزاب في سائر المناسبات الوطنية ولم أسمع حتى صريرها على الورق... فهل تتذكرون تلك الأسماء الكبيرة التي كانت تكتب بحروف جميلة في أعلى الأعمدة البارزة لمجلاتنا الحزبية, وبخاصة تلك التي كانت تتغنى ب"الرأي الآخر!"...

قال لي مثقف وسياسي كوردي عريق منذ فترة بأن الذين حقاً عن الثورة ويدافعون عنها صاروا قلة أو أقلية في الفترة الأخيرة, فقلت له: وإن عدد المشككين بها وبأهدافها في ازدياد ملحوظ... بل نلاحظ وللأسف من يسعى لتبرير الابتعاد عن دائرة الثورة بأنها "سلفية" أو "قاعدية" أو أن "لاعلاقة لنا نحن الكورد بها فهي ثورة أصحاب ذقون عرب, منهم من أتى من اليمن والحجاز ومنهم من أتى من شمال أفريقيا, وليس بينهم كوردستاني واحد, فلنهتم بمناطقنا التي تحت فيها الأغلبية السكانية, ولندعم إدارتنا الذاتية الديموقراطية التي حصلنا عليها دون قتال أو جدال ولابأس أن يرفرف عليها علم "ليتوانيا" أو "بوليفيا" كما هو الحال فعلاً.
طبعاً هناك عرب جاؤوا من بلدان عربية أخرى لدعم إخوتهم العرب السوريين, فهؤلاء مثلنا نحن الكورد يتضامنون مع بعضهم بعضاً, وطبعاً هم ذوي لحى ويلبسون القفطان العربي ومتدينون, وطبعاً ستكون أسماء ألويتهم وكتائبهم إسلامية من تاريخهم الحافل بالانتصارات والهزائم, فالعرب أمة مسلمة, ولكن وحده النظام السوري هو الذي يتهم الجميع بالانتماء للقاعدة والسلفيين, وبعض المثقفين الكورد يجترون مع الأسف مقولات النظام ذاتها ويحاولون بجهد متواصل جعل الثورة السورية مجرد حرب بين القاعدة واعدائها, وكأن لاعلاقة للشعب السوري ومطالبته بالحرية بهذه الثورة العظيمة التي راح ضحيتها حتى الآن أكثر من 30.000 إنسان وتشرد بسببها اكثر من مليون سوري, وسجون الأسد مملوءة بالجرحى والمعذبين ودمرت أثناءها أحياء كاملة في العديد من المدن السوري, وانشق جيش البلاد وخسر السوريون ممتلكاتهم وأسواقهم والكثير من أسلحة جيشهم التي يتم القتال بها في مدنهم وقراهم وليس دفاعاً عن حدود وطنهم.
بعض الأقلام الكوردية غطت في نومٍ عميق, أو تم تنويمها على حد قول صديقٍ ساخر, منذ بدء الثورة أو منذ أن تصدى الشعب السوري ثورياً لطغيان النظام واجرامه وارهابه, فلم نعد نقرأ  لها مقالة أو رأياً في مقالة, وكأنها تخلت عن مبادئها في الحرية والديموقراطية والوحدة الوطنية والتآخي بين الشعوب, وبعض الأقلام الكوردية تردد مقولات يفهم منها وقوفها على الحياد بين نظامٍ  شرس قاتل وبين شعبٍ يتم ذبحه يومياً بلا شفقة, وكأنه يحق لنا التفضيل بين الطرفين... ولا أدري هل يعتقد هؤلاء بأن الأسد ستمكن من دحر الثورة أو نحرها والتمسك بأرداء ثوبه البالي على الصعيدين العربي والدولي بعد كل المجازر التي اتركبها في بلاده!
وبعض الأقلام الكوردية منغمسة الآن في "تقييمات شعرية" وفي "تدوينات نقدية", ولا وقت لديها الآن لفذلكات الثورة وخصومات الكورد الداخلية.
أما الأقلام الكوردية الشجاعة, التي كانت مع الثورة من قبل أن تولد من رحم الشعب, فهي في نظر البعض "ثرثارة" أو أنها "لاتحترم هدوء الحياة الكوردية وبعدها عن الاثارة" أو أنها "عميلة لأردوغان" ولأعداء الوطن السوري "النهائي" على حد زعم الذين لايرون لأبعد من أنوفهم الحزبية.
من تلك الأقلام الشجاعة التي نحسد أصحابها على قدرتهم الفائقة في وضع الأصبع على موضع الألم فلا يكتفون بالنقد فحسب, بل يطرحون على الأحزاب وقياداتها ذات الأسئلة التي على ألسنة الشعب, ومنها ما يبين السقيم من السليم, وقد يذهب بعضها أبعد من ذلك إلى طرح البديل عن هذه القيادات, وذلك بحكمة ودراية.
و الشعب الكوردي ينظر إلى كل المثقفين بمنظار التفريق بين الذين وقفوا معه أيام الضيق والذين ناموا في تلك الأيام, وكذلك الشعب السوري برمته, فالشعوب تدرك جيداً الفارق الكبير بين حالتي النوم واليقظة, وبين التنويم والايقاظ أيضاً... فيا لتعاسة الأقلام النائمة التي تحاول إقناعنا بأن السكوت في هذه الأوضاع الماساوية أفضل من الحديث عنها, ويا لتعاسة الذين يحاولون ليل نهار وضع ثوار الحرية في سوريا على ذات المستوى من النقد والهجوم الذي يجب أن نضع فيه نظام الأسد الارهابي, فقط لأن هناك بعض الملتحين ذوي الخلفية الدينية المتشددة بين قوى تحرير سوريا من النظام الشمولي, وكأن سوريا على شفا حفرة من أتون الطالبانية الأفغانية, وليست على طريقها إلى دنيا الحرية والديموقراطية والسلام والتآلف الوطني الحقيقي. وهنا نطرح هذا السؤال على هذه الأقلام التي لاندري كيف نصف أصحابها  وصفاً دقيقاً:
"إن كانت سوريا تعاني فعلاً من مشكلة سلفية وقاعدية, فلماذا لاتقوم الولايات المتحدة التي تعتبر القاعدة عدوها الاول بمهاجمة الطالبان إلى جانب النظام السوري الذي تكادون تلمعون صورته الباهتة دولياً بمواقفكم هذه؟" 
 
kurdistanicom@yahoo.de