هوشنك أوسي : الجيش الحرّ والكرد

2012-08-25

يقول بعض الكرد السوريين: لن نسمح بتواجد الجيش الحرّ في المناطق الكرديّة، لأن ذلك سيعطي المبرر للنظام السوري، كي يقصف المناطق الكرديّة، ويقلب عاليها سافلها!. وثمّة حجّة اخرى، يطرحها الرافضون لتواجد الجيش الحرّ في المناطق الكرديّة؛ ان هذا الجيش، جيش الاخوان، وعميل لتركيا... الى آخر هذه المتوالية.

ولا يتوانى هؤلاء عن كيل التهم لكل من ينتقد هذا التفكير، ووصفهم بأنهم كرد خونة، عملاء للاتراك، يقبضون الاثمان!. وليس سرّاً، ان اطلاق هتافات في المناطق الكرديّة من قبيل: "الله محيي الجيش الحرّ" كلّفت بعض النشطاء حياتهم، وعرّضت البعض الآخر للتهديد والوعيد.

يتعامل بعض الكردّ مع المناطق الكرديّة، لجهة رفض تواجد الجيش الحرّ فيها، لكأن هذه المناطق منفصلة ومعزولة عن الوطن السوري!، وكأنّ الجيش الحرّ، جيش اجنبي، لاوطني، آتٍ من أعالي البحار الى سورية بغية احتلالها!.

من جانبه، الجيش الحرّ، هو أيضاً اصدر بعض البيانات الاستفزازيّة والمدانة، التي تفوح منها الرائحة التركيّة – الاخوانيّة، ضدّ الكرد، وتحديداً، ضدّ العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي!. هذه البيانات، زادت من وتيرة شكوك وحنق الكرد، وعززت تأثير ودور الرافضين لتواجد الجيش الحرّ في المناطق الكرديّة!.

يقول الكرد: لجان الحماية الشعبيّة، التابعة للاتحاد الديمقراطي، (والمدعومة بالسلاح والمال والاعلام، من العمال الكردستاني)، كافية لحماية هذه المناطق. والسؤال هنا: لماذا لم يطالب الجيش الحرّ لجان الحماية الشعبيّة، اخلاء حيي الاشرفيّة والشيخ مقصود، لكونها ضمن المناطق العربيّة، ذات الغالبيّة الكرديّة، كردّ فعل على مواقف بعض الكرد الرافضة لتواجد الجيش الحرّ في المناطق الكرديّة!؟. وبنفس الحجّة؛ هذه مناطق عربيّة، ونحن العرب، أجدر وأقدر على حمايتها!. وقد يقول قائل: ها، ولماذا لا يحمي الجيش الحرّ حلب إذاً؟. والردّ، ولو واجه النظام السوري المناطق الكرديّة بنفس القدر الذي يواجه بها المناطق العربيّة، هل ستقوى لجان الحماية الشعبيّة على ردّ النظام السوري؟!. قطعاً لا. لأننا ومنذ ثلاثين سنة من النضال والكفاح المسلّح، لم نستطع تحرير قرية والدفاع عنها، ونحاول الآن، تحرير منطقة شمذينان، لئلا يقال بحقّنا هذا الكلام!.

بتقديري، المسألة أبعد من ان الجيش الحرّ اصبح أسلامي الهوى، أخواني العقيدة، وان هذا الجيش مدعوم من تركيا، وان تواجده في المناطق الكرديّة سيستجلب الويل والثبور وعظائم الامور الآتية من النظام السوري!. لذا، فهو مرفوض كرديّاً. ذلك انه لو كنّا نخشى ردّة فعل الأعداء في دكّ المدن وحرق القرى، لماذا حملنا السلاح ضدّ ثاني جيش في حلف الناتو، طيلة ثلاثين سنة؟!.

 

كان ولا زال بإمكان لجان الحماية الشعبيّة، المساهمة في مدّ الجيش الحرّ بالسلاح. ذلك ان هذا الجيش، اخلى الكثير من المواقع، نظراً لنفاد الذخيرة!. يعني، بإمكان اللجان الشعبيّة الكرديّة، ان تسجل موقفاً وطنيّاً رائعاً، عبر فتح قنوات امداد للجيش الحرّ، ومحاولة كسب ودّه، والوقوف الى جانبه في حربه ضدّ جيش الاسد. واذا كانت اللجان الشعبيّة، لا تهاجم ثكنات ومفارز الجيش والامن الاسدي، ولا تسمح لغيره ان يهاجمها، أقلّه ان تساعد الجيش الحرّ من تحت لتحت!. ولا تفعل ذلك أيضاً، ثمّ تقول هذه اللجان، ومن يقف خلفها؛ نحن مع اسقاط النظام!؟.

هلل وزغرد الاعلام التابع لحزب الاتحاد الديمقراطي، لمسألة تقديم يد العون والمساعدة للجيش الحرّ في حلب، ومساعدته للنازحين من المناطق المنكوبة، ومحاولة تأمين الغذاء لهم!. واظهر هذا الاعلام، هذا السلوك، على انه وثيقة تؤكد بأن الجهة السياسيّة الراعية للجان الحماية الشعبيّة، تسعى لاسقاط النظام!. طبعاً، جهد اللجان الشعبيّة في حلب، مشكور وممتاز. ولكن، هذا واجب وطني وكردي وديمقراطي وانساني، لا يحتاج للتباهي والتفاخر به!. فما احلاها، اللجان الشعبيّة، تقف متفرّجة والناس تذبح في حلب!. فلا يمكن البقاء في المناطق الرماديّة بحلب. لأن حجم المحنة العصيبة، تحتّم وتملي على لجان الحماية الشعبيّة والجهة السياسيّة التي تدعمها، إظهار الموقف الواضح: إمّا مع الضحايا او مع الجلاد!. والصمت والحياديّة والنأي بالنفس، لا ينفع، بل هو تورّط واشتراك في المجزرة.
لم يفت الوقت بعد، وبإمكان لجان الحماية الشعبيّة، تقديم يد العون للجيش الحرّ، وفكّ الحصار عليه، وقلب الطاولة على النظام، ومحو كل السلبيات التي اعترت اداء بعض الجهات الكرديّة. بإمكان لجان الحماية الشعبيّة، إحداث نقلة نوعيّة في الثورة السوريّة، والكفّ عن انتظار ما سيؤل له الصراع بين النظام والجيش الحرّ، بحجّة انه صراع إقليمي – دولي على السلطة، وتبنّي نفس سياسة الحكومة اللبنانيّة (النأي بالنفس عن الأزمة السوريّة) من ثمّ تحديد الخيارات والمقتضيات!. الثوّار والمناضلون، لا يكتفون بحماية انفسهم وذويهم، بل تتجاوز مسؤوليّاتهم هذا الحيّز، الى حماية كل الشركاء في الوطن، ساعة المحنة. النظام السوري، لن تسقطه الاقوال بل الافعال. ومن يزعم انه مع اسقاط النظام، وبناء سورية ديمقراطيّة، تحظى فيها المناطق الكرديّة بالادارة الذاتيّة الديمقراطيّة، لا يجلس في مقاعد الجماهير، بينما تحوّل الملعب الى بركة دماء، واعداد الضحايا تزداد في كل لحظة!