ابراهيم اليوسف : خديعة المثقف

2012-05-10

ليس جديداً البتّة، أن يُشار، هنا، إلى أهمية دورالمثقف في مجتمعه، لاسيما في المفاصل التاريخية، من حياة شعبه، حيث يُنظر إلى خطابه، على أنه العنصرالأكثرأهمية  عنده، في أقل تقدير، ولابدَّ من توظيفه من أجل ترجمة أحلام أبناء هذا الشعب

، أنَّى احتاجوا إلى نصرته لهم، عبركلمته، وهم دائمو الحاجة إليه، طبعاً،سواء أكان ذلك عن طريق صدى إبداعه، وما يتركه من أثر عظيم، في حيواتهم، على نحو استراتيجي، جيلاً بعد جيل، أو عن طريق قول كلمة الحق، في سياقها المباشر، تصريحاً، لا تلميحاً، مادام أن هناك خطراً داهماً، يهدِّد مصائرهؤلاء.

 
إزاء أية مرحلة جديدة، في أعمارالأمم والشعوب، فإن العيون لتتطلع إلى رؤية المثقف، كي يتلقفها الناس، ويترجموها، ويهتدوا بها، مادام أن ما يقوله، هو الفيصل، الذي لابد من الاحتكام إليه،أنَّى ضاقت بهم السبل،وهذا ما يضع المثقف في منزلة جدّ مهمّة، لتكون له مكانته الرمزية، والاعتبارية، لأنه مرجع العامة، والخاصة، يهتدي رجل السياسة برؤاه، وهوفي موقعه القيادي، كما يهتدي بها الناس البسطاء، العاديون، عندما تكون العلاقة التي تربط جميعهم ببعضهم بعضاً، متوازنة، وهوما يجعل رؤيته، في مقام البوصلة التي تشخِّص الجهات كما هي، وتحدِّد وجهة السير، أنى تضبّبت الرؤيا، وأصبح الواقع من حولهم أشبه بالمتاهة، لاسيَّما عندما يكون للباطل صوته الذي يزاحم صوت الحكمة، والعقل، ويغبش الأفق،وكل هذا يجعل الحاجة إلى المثقف أكبر.
 
وإذا كان المثقف، على ضوء التحوِّلات الأكثرحساسية، في عمرمنطقتنا، يعرف تماماً مسؤوليته، المنوطة به، وهو الأكثردراية بسبرالواقع، وتحليله، واستقرائه، فإننا لا نستطيع الحديث، باطمئنان، عن مجرَّد أنموذج واحد له، لأن سلوك هذا المثقف، يتبين، ويتباين، من خلال تفاعله مع المجريات اليومية، فهو إما من ذلك الصنف الذي يسمي الأشياء بمسمياتها الحقيقية، أو ينتمي إلى من يزوِّرون هذه التسميات، لدواع تتيح له الأمان الذاتي، ناهيك عن قبضه الفعلي، أو الافتراضي، ثمن ذلك، على حساب قيمته، وإبداعه، أو أنه سيكون من هؤلاء المتصاممين، المتعامين، المتخارسين-وهم في موقع الرثاء لهم!- لأنهم لايجرؤون على حسم مواقفهم، الأمرالذي يأتي على حساب مصداقيتهم، ودورهم، ووظيفتة خطابهم، ما يشكل هوَّة كبيرة بينهم ومن حولهم، ليصيروا ،شركاء، في التزوير، عبر سقوطهم  المعنوي، المدوِّي، لأن في سكوتهم ترجيحاً لكفَّة الظلم على الحق، والعدل، وهوما يتيح لآلة الشرِّأن تمعن في مواصلة غريزتها، ويبيح، كذلك، سفك دماء الأبرياء، على نحومجاني، بالرغم من أن لاشيء في العالم كله، يسوِّغ سفك مجرَّد قطرة دم، لأي إنسان، حيث هذا وحده الميزان الذي يشيع اللجوء إليه، السلام، والوئام، والحبَّ، بين العالم كله...!.
 
ولقد كشفت هذه  التحوّلات الجديدة التي تتمّ من حولنا، أن المثقف الذي يخذل أهله، لن يقف-في الغالب-عند حدود سقوطه، بل إنه سيتمادى، بأكثر، ليشوِّه الحقائق، قالباً إياها رأساً على عقب، في إطارصناعة"عقلنة التزوير"، وهوأخطرما يمكن أن يقوم به هذا الأنموذج، ضدَّ أنفسهم، وأبنائهم، ووطنهم، حيث سيفكربالتكفيرعن هزيمته المروِّعة، وهشاشته الروحية، من خلال تلطيخ أسماء سواه، من المثقفين العضويين، الفاعلين، ملح الأمم، والشعوب، وهي ،لعمري، جريمة إضافية، منه، بحق الماضي، والحاضر، والمستقبل، في آن واحد، في الوقت الذي لابدَّ لهم، أن ينتظروا محطَّاتِ الصحو، ليعترفوابالمصائرالتي آلوا إليها، في انتظارصفح الأجيال، وعفوهم.، وأنَّى لهم ذلك.....؟. 
 
إبراهيم اليوسف
elyousef@gmail.com